لم يكن فجر الإثنين الماضي لدى السوريين اعتيادياً، فقد استفاق الجميع على هول كارثة الزلزال الذي ضرب كلاً من "سورية" و"تركيا".. كارثة نكأت جراح الحرب التي لم تندمل بعد، وأعادت إلى الأذهان صور ومشاهد القتل والدمار، ليعيد الزلزال أيضاً إلى الأذهان تساؤلات كثيرة عن الحدث، وخصوصاً لجهة كيفية التنبؤ بتوقيت حدوث الزلازل أو شدتها، وحول إمكانية حدوث زلزال قويا مرة ثانية , وماهي الاحتياطيات المستقبلية.

ما هو الزلزال؟

الزلازل هي عبارة عن اهتزازات أرضية سريعة متلاحقة تصيب القشرة الأرضية وتنتشر في الطبقات الصخرية على شكل موجات اهتزازية تقطع مسافات طويلة، وحسب ما تشير عميد المعهد العالي للبحوث والدراسات الزلزالية في جامعة دمشق الدكتورة "هالة حسن" في حديثها لمدونة وطن، فإن التعريف الفيزيائي للزلزال هو تحرر مفاجئ للطاقة المتراكمة والناجمة عن الحركة النسبية للصفائح التكتونية، فبسبب وجود نتوءات صخرية تمانع الحركة النسبية لفترة من الزمن تتراكم الاجهادات إلى أن تتجاوز مقاومة الصخور للضغط، فيحدث لها كسر فتتحرر الطاقة المتراكمة وتنتشر بشكل فراغي على شكل طاقة مرنة تظهر على هيئة أمواج اهتزازية تدعى بالأمواج السيزمية، والتي تنتشر بسرعات متفاوتة بحسب طبيعة ومواصفات الصخور المخترقة.

فالق المتوسط

توضح "حسن" أن منظومة صدوع البحر الميت أو ما يسمى فالق شرق المتوسط، هي من البنيات التكتونية الهامة في شرق المتوسط الممتدة من الجنوب إلى الشمال ( من منطقة البحر الأحمر في العقبة والمرتبط بعملية التمدد وانفتاح البحر الأحمر عبر "الأردن وفلسطين ولبنان وسورية" ومنطقة شرق "تركيا" القريبة من شمال غرب "سورية"، لتشكل ثلاثية مع صدع شرق الأناضول ونظام القوس القبرصي وصدع اللاذقية البحري –كلس، حيث يمثل الصدع الحد الفاصل بين الصفيحتين العربية والافريقية، وعندما يتقاربان باتجاه الصفيحة الأوراسية بسبب أن طبيعة الحركة للصفائح هي انزلاقية يسارية جانبية على طول امتداد الصدع ويتراوح معدل الانزلاق 5مم/سنوياً على طول الجزء الجنوبي و2مم/سنوياً على طول الجزء الشمالي.

الباحث جوزيف زيتون

وتشير "حسن" إلى أن الطاقة الكامنة قد تم تفريغها بشكل كبير ولا يمكن حدوث زلزال رئيسي آخر حالياً على ذات الصدع، وما يحدث هو هزات ارتدادية كثيرة فقط ، تستمر عدة أيام إلى أن تتلاشى القوة الكامنة، ولا داعي للقلق لأن الهزات الارتدادية ستضعف شدتها بشكل تدريجي .

التنبؤ والرصد

تؤكد عميد المعهد العالي للبحوث والدراسات الزلزالية في جامعة دمشق، أنه لا يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل بشكل دقيق في كل دول العالم، وإنما يتم رصد حدوث الزلازل عبر وضع قاعدة بيانات معرفية لتحليلها مستقبلاً، تعتمد بشكل أساسي على تحديد الفترات الزمنية التي حدثت فيها زلازل مشابهة، كما يُستبعد حدوث تسونامي بحري من الزلزال الحالي، لأن مركزه على اليابسة.

وتضيف: "لدينا في المعهد دراسات عديدة لكافة المواضيع المتعلقة بالأنشطة الزلزالية توضحها بشكل أكاديمي وعلمي، كما يمنح مجلس المعهد العالي للبحوث والدراسات الزلزالية درجات الماجستير والدكتوراه في تخصصات الهندسة الإنشائية الزلزالية، والهندسة الجيوتكنيكية الزلزالية وعلم الزلازل التكتونيك الزلزالي وماجستيرات احترافية في علوم إدارة مخاطر الكوارث وفي الهندسة الزلزالية".

أكاديمياً

يعمل المعهد العالي للبحوث والدراسات الزلزالية حسب "حسن" على تقديم الخبرة والمشورة للمؤسسات العامة والخاصة والمشتركة، وإقامة الدورات التدريبية للعاملين فيها بغية إعداد وتأهيل الاختصاصيين والخبراء في مختلف مجالات علوم الزلازل والهندسة الزلزالية، مشيرة إلى أن المعهد أُحدث بالمرسوم الجمهوري رقم /517/ تاريخ 5-11-2000 أما التاريخ الفعلي لتأسيسه فهو في العام 2005.

وتتابع حسن بالقول: "يتوجب علينا المشاركة بوضع نظام رقابة فعال لتطبيق المعايير الزلزالية والمساهمة في وضع كودات التصميم في كافة الأنشطة ذات العلاقة في "سورية"، للوصول إلى طرق وحلول متطورة واقتصادية لتصميم منشآت مقاومة للزلازل، ودراسة قابلية تصدع المنشآت القائمة ورفع كفاءتها بأساليب تدعيم مختلفة، وقد أثبت خريجو المعهد جدارة متميزة، ومهارة عالية في انجازاتهم العلمية، وكلنا ثقة بأن هذه الجهود المبذولة مجتمعة، ستقودنا إلى تحقيق نتائج طيبة ومفيدة على أرض الواقع في بلدنا".

شبكة محطات

من جهته يؤكد مدير عام المركز الوطني لرصد الزلازل الدكتور "رائد أحمد" أن المركز الرئيس للزلزال الذي ضرب البلاد فجر يوم الاثنين الماضي، يقع على الحدود الصفائحية المتوضعة بين الصفيحة العربية الأوراسية على فالق شمال الأناضول، وهي من أكثر المناطق خطورة لحدوث الهزات الأرضية.

ويضيف "أحمد": "منذ نهاية عام 2022 استنفرنا كل الجهود في المركز لتسجيل الهزات بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي نواجهها، وسجلنا أن هناك احتمالية ازدياد للهزات المتوسطة، وماحصل حتى هذه اللحظة هي هزات غير اعتيادية تم تسجيلها للمرة الأولى من عمر الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي".

ويوضح أن محافظات سورّية عدة تأثرت بالزلزال وتباعاً بهزات ارتدادية متوسطة، وسيخف ويتناقص تكرارها مع الوقت، ويعمل المركز الوطني للزلازل على تسجيل الهزات الارتدادية بشكل مستمر، وخاصة منذ بداية 2020 وحتى 2022، حيث تم إنشاء شبكة محطات جديدة لأول مرة بعد خروج كل المحطات باستثناء محطتين قديمتين عن الخدمة بفعل الإرهاب، وتم تركيب 25 محطة جاهزة تصل إشاراتها إلى المركز تباعاً، وفور حدوث هزة أرضية في مكان ما تبدأ المحطات بنقل أمواج الاهتزازات إلى الأجهزة الالكترونية الموجودة في مركز الرصد الرئيسي، ثم بناء عليها يتم تحديد بؤرة الزلزال وموقعه وشدته، وتوضع المعلومات بخدمة المختصة والمعنية.

نظرة مستقبلية

يتابع "أحمد" حديثه بالقول إن المركز يقوم بتسجيل الهزات الأرضية بنوعين من التسجيلات السرعية والتسارعية، وهي مهمة جداً كقاعدة بيانات للمهندس الإنشائي والتصميمي، ويجب التعاون مع كافة الجهات المعنية للوقوف على الخطر الزلزالي للمدن في مرحلة إعادة الإعمار، مع مراعاة التوزيع الجغرافي والظروف الجيولوجية بالاعتماد على خرائط رقمية لدراسة التربة، وإيلاء الموضوع أهمية قصوى وهذا سوف ينعكس مستقبلاً على تقليل الأضرار الناتجة عن الهزات والزلازل.

من جهتها تعود عميد المعهد العالي للدراسات الزلزالية للحديث عن الاحتياطات المستقبلية لتقليل من آثار الزلازل، مؤكدة ضرورة وضع كودات هندسية للأبنية مقاومة للزلازل، فلو كانت الأبنية البعيدة عن بؤرة الزلزال مبنية وفق هذه الكودات الهندسية، لما تأثرت بشكل كبير كما شاهدنا بهذا الزلزال، حسب قولها، وخاصة أن مركزه شمال غرب اسكندرون.

عبر التاريخ

تاريخياً يمكن الإشارة إلى أن منطقتنا شهدت العديد من الزلازل عبر الأزمنة الغابرة، وتذكر المعلومات التاريخية أنه في عام 526 ضرب زلزال مدمر منطقة "أنطاكية" فدمرها كلها ووصل أثره التدميري إلى الساحل السوري وحتى "دمشق"، وبلغ عدد ضحاياه مئات الآلاف، وفي عام 551 ضرب زلزال مدمر "بيروت" وشمل "دمشق" والمدن السورية الساحلية، وذلك أيام الامبراطورية الرومانية.

ويبين الباحث الدكتور "جوزيف زيتون" أنه في عام 847 في زمن الدولة الأموية ضرب "دمشق" زلزالٌ مدمر ودعي بزلزال "دمشق"، وشمل صعوداً كل المدن السورية و"بيروت" والساحل ووصل إلى "أنطاكية" وخلف في "دمشق" وسواها عشرات آلاف الضحايا، وفي 11 تشرين الأول عام 1138 تسبب زلزال بتدمير مدينة "حلب" بشكل شبه كامل، وقد صنف بأنه رابع زلزال في التاريخ من حيث قوته، ووصلت شدته الى آسيا الصغرى حيث كانت الدولة الرومانية وحتى العاصمة آنذاك "القسطنطينية"، وفي عام 1157 ضرب زلزال مدينة "حماة" فدمر معظمها وخلف عشرة آلاف ضحية، وتهدمت العديد من القلاع التي كانت موجودة آنذاك.

ويضيف "زيتون": " في القرن 12 ضرب المنطقة ما يقارب العشرين زلزالاً، ومعظمها كان بقوة 7 درجات، وفي عام 1202 ضرب "سورية" كلها زلزال دُعي "زلزال سورية" امتد تأثيره المدمر طول المشرق وعرضه ووصل إلى شمال الجزيرة العربية، ويعد من أقوى الزلازل ودمر مدناً بأكملها".

القيامة الصغرى

يتابع الدكتور "زيتون" حديثه عن تاريخ الزلازل في المنطقة ويقول: "في عام 1509 ضرب زلزال مدمر مدينة "اسطنبول" عاصمة السلطنة العثمانية، فدمرها وسُمي بالقيامة الصغرى لشموليته مناطق "آسيا الصغرى وشمال سورية وحلب وإدلب ولواء الاسكندرون والساحل السوري وقبرص"، وأحس به سكان "دمشق"، وفي عام 1719 ضرب زلزال آخر مدينة "اسطنبول" والقسم الغربي من آسيا الصغرى، وتضررت منه" حلب واللاذقية وطرطوس ولواء الاسكندرون وقبرص".

وفي عام 1759 حدث زلزال شامل عبارة عن سلسلة من الزلازل المدمرة، أدى إلى تدمير كبير في مدينة "دمشق" وانهار جزء من الجامع الأموي، ووصل تأثيره إلى مدينة "أنطاكية" وقد انهارت مدينة "بعلبك"، وذلك حسب ما يورد المؤرخ الدمشقي "ميخائيل بريك" في حولياته.

ويختم "زيتون" أن آخر هزة زلزالية ضربت "سورية" والمنطقة كانت في 16 آذار 1956،حيث ضرب زلزال منطقة "شحيم" اللبنانية، وضرب الأجزاء الجنوبية من "سورية" وتحديداً "دمشق" والمدن الساحلية وقبرص، لكن أضراره في "سورية" كانت محدودة