على الرغم من أنه بدأ تجربة العمل المسرحي باكراً بعض الشيء، إلا أن الفنان الشاب "زين العابدين طيار" استطاع أن يدخل هذا العالم من بابه العريض، وهو الذي عمل منذ بداياته في المسرح على كسر القيود وتقديم مسرح جديدٍ وبمنظور خاصٍّ، يعكس تطلعات الشباب وخيالهم الإبداعي فيه، ما جعله من أبرز المخرجين المسرحيين الشباب في مدينة "حمص".

رغبة مجهولة

انجذب "زين العابدين طيار" للمسرح ودخله في سنّ مبكرة كما بدأ بحديثه مع "مدونة وطن" "eSyria" بالقول: «لم أعرف حينها السبب الذي دفعني لاختيار هذا المجال، كان ذلك بعدما زارنا وفد من مكتب الفنون في فرع "اتحاد شبيبة الثورة"، كنت حينها طالباً في بداية المرحلة الثانوية عام 2000 ورفعت يدي مطالباً بتسجيل اسمي بين أسماء الراغبين بذلك، كانت الفرصة التي لم أشأ فقدانها، بعدما ترددت برفعها قبل ثلاث سنوات حينما زارنا وفدٌ مشابهٌ أثناء مرحلة الدراسة الإعدادية، أمرٌ ما أشبه بالإلهام كان وراء تلك الرغبة المجهولة بدخول عالم المسرح، رغم عدم اِطلاعي من قبل على أيّ عمل مسرحي أو تشجيع حتى من العائلة».

في كلّ عرض لمست شيئاً جديداً يختلف عما سبقه يفاجئ به الجمهور الحاضر من ناحية الشكل والصورة البصرية، أيضاً يمكنني وصفه بالمخرج المثابر والنشيط، قياساً لنتاجه المسرحي الذي قدَّمه خلال الأعوام الثلاثة الماضية

نقطة تحول

الناظر إلى المخرج الشاب لا يخطر بباله أنَّه صاحب تجربة طويلة نسبياً بالمسرح بدأت قبل نحو 22 عاماً من خلال فرقة "المسرح المدرسي" في مدينة "حمص".

لقطات من عرضه المسرحي الاخير حكي جرايد

وعن البدايات يقول: «البداية كانت متواضعة من ناحية التدريب والاهتمام وتقديم الأفضل لنا كممثلين متدربين، إلى أن جاء ذلك الرجل الذي أحدث نقلةً نوعيةً في أسلوب تدريباتنا وعملنا لاحقاً بحسب رأيي ألا وهو الكاتب والمترجم والمخرج "ضيف الله مراد"، حيث بدأنا بتقديم عروض مسرحية مقتبسة من أهم نصوص الأدب العالمي وبدايتها "جسر آرثا" للكاتب اليوناني "جورج ثيوتوكا" عام 2001، هذا العرض الذي اعتبره بداية انطلاقتي الفعلية كممثل مسرحي وتمَّ تقديمه في مدن سورية عدَّة لاحقاً، بعدها في سنة 2003 شاركت في العرض المسرحي "المعطف" المقتبس عن رواية الكاتب الشهير "غوغول"، وتلاه بعد سنة عرض "مركب بلا جياد"، كلَّ تلك الأعمال المسرحية التي شاركت بها ساعدت على تطور أدائي كممثل وشكلت ركيزة لعملي اللاحق كمخرج، وهناك شخصية أخرى اكتسبت من وجودي معها كمتدرّب قيمةً مضافةً، كان لها الأثر الملحوظ في أسلوب عملي كمخرج لاحقاً، وأعني الممثل الراحل "نضال سيجري" وذلك عندما شاركت في دورة للإخراج أقامتها وزارة التربية».

معارف وخبرات

دخل "طيار" مرحلة جديدة في مسيرته الفنِّية، حينما انتقل للدراسة في "كلية الإعلام" بجامعة "دمشق" عام 2005، ليتابع نشاطه المسرحي من خلال العمل مع فرقة "المسرح الجامعي" كما ذكر متابعاً: «كانت مرحلة مهمة بمسيرة عملي المسرحي حيث زادت خبرتي رويداً رويداً من خلال كمّ الأعمال التي شاركت بها كممثل مع أهمّ الشخصيات الأكاديمية، ومنها المخرج العراقي الدكتور "حميد صابر" الذي شاركت معه عام 2005 في عرض مسرحي حمل عنوان "الحر الرياحي"، كذلك عملت مع المخرج "خالد الأكشر" في أكثر من عمل مسرحي لاحقاً، ومعه كانت تجربتي الأولى مع مسرح الطفل من خلال عرض مسرحية "سندريلا" سنة 2006، كما تنوعت الأعمال التي شاركت بها مع فرقة "المسرح الجامعي" ومنها "نساء لوركا" و"شوباش" عام 2007 وجميعها من نصوص المسرح العالمية».

مشهد من مسرحية الغنمة التي عرضت في مهرجان حمص المسرحي عام 2021

مسيرة الإخراج

الممثل والمخرج المسرحي أفرام دافيد

في العام 2008 كانت أولى تجاربه الإخراجية المسرحية وذلك من خلال عرض مقتبس عن نص الكاتب الفرنسي "جان لويس كاليفرت" حمل عنوان "غني.. ثلاثة فقراء" الذي قُدّم ضمن فعاليات مهرجان "المسرح الجامعي المركزي" المقام آنذاك في مدينة "طرطوس"، وهذا العمل تحديداً، بالنجاح الذي حققه من خلال الجوائز الأربعة التي حصدها يمكن اعتباره الانطلاقة الفعلية له كمخرج مسرحي حيث ترك في نفسه أثراً خاصاً.

ويضيف: «تعززت معارفي ومقدراتي أثناء الإقامة في مدينة "دمشق" من خلال متابعتي للفعاليات المسرحية المتنوعة التي كانت تقام فيها، والمشاركة بعدَّة دورات وورشات عمل تخصصية مع مدرّبين أكاديميين منهم الممثلة "أمل عمران" إلى جانب التدريب مع فرقة "إنانا" للمسرح الراقص، وفيه اكتسبت معارف مهمة على صعيد الرقص التعبيري والإيماء مع ليونة الجسد وهذا أهمُ ما يلزم الممثل المسرحي بعمله، ولأن المطالعة هي الركيزة التي تزيد من ثقافة الممثل والمخرج، فقد واظبت على قراءة مؤلفات أهمّ المسرحيين أمثال الراحل "سعد الله ونوس" والمعلّم "فرحان بلبل" وغيرهم».

سنوات الحرب

قبل التخرج من الجامعة عام 2011 تابع "زين العابدين طيار" نشاطه المسرحي من خلال فرقة "المسرح القومي" حيث كانت أولى أعماله مع المخرج الدكتور "سمير عثمان الباش"، وعن ذلك يقول: «انضممت إلى ورشة عمل أقيمت لانتقاء ممثلين من أجل المشاركة في العرض المسرحي "الغابة"، وبالفعل تمَّ انتقائي مع مجموعة من الممثلين الشباب وكان ذلك في عام 2010 وكانت تجربة مهمة بالنسبة لي كي أعمل تحت راية "المسرح القومي"، أضف إليها مشاركتي الأولى والوحيدة في الدراما التلفزيونية من خلال مسلسل "وادي السايح" مع المخرج "محمد بدرخان".. أتت الحرب وتوقّفت الحياة ومعها المسرح بطبيعة الحال، وكان انقطاعي عنه بسبب تأدية واجب خدمة العلم مدَّة 7 أعوام، لتكون عودتي مجدداً إلى المسرح سنة 2019 من خلال عرض "العطسة" الذي أخرجته لصالح فرقة "المسرح القومي" في مدينة "حمص" ضمن احتفالية "يوم المسرح العالمي"، ولاحقاً عُرِض في مهرجان "حمص المسرحي" ومهرجان "نقابة الفنانين" الذي أقيم في مدينة "اللاذقية" وعلى مسرح "الحمراء" في "دمشق"، أما نتاجي المسرحي الثاني الذي عكس شخصيتي كمخرج مسرحي تمثَّل بعرض "الغنمة" المأخوذ عن نص الكاتب البلغاري "ستانيسلاف ستراتييف" في عام 2021، وسجَّل حضوره ضمن فعاليات المسرح المختلفة في المدينة وضمن مهرجان "أيام الثقافة" الذي ترعاه وزارة الثقافة السورية».

ضرورة الدّعم

حضرت "مدونة وطن eSyria" العمل الأخير الذي قام "زين العابدين طيار" بإخراجه بعنوان "حكي جرايد" وعنه يقول المخرج الشاب: «قمت بإعداده وإخراجه لصالح مركز "درب" وهو أحد فعاليات "دائرة العلاقات المسكونية في بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس" والذي يعنى بفئة الشباب ما بين سن 18- 28 عاماً، العمل جاء حصيلةً لدورة أقامها المركز خاصَّة بالمسرح التفاعلي مع مجموعة شبَّان هواةٍ عكس بلوحاته واقع الشباب السوري وتطلعاته والصعوبات التي تواجهه وقضايا مثل الهجرة وغيرها، هذا العمل يؤكّد ضرورة الدعم الذي يحتاجه المسرح من الفعاليات الأهلية والقطاع الخاص كي ينهض من سباته وينتعش مجدداً، ويحقق الفائدة والحياة الكريمة للمشتغلين به حتى لا يضطروا لتركه».

العروض الثلاثة

حسب العروض الثلاثة التي شاهدتها له وهي "الغنمة" و"العطسة" وآخرها "حكي جرايد"، أستطيع التأكيد بأنه من المخرجين الشبَّان المبدعين بما قدَّمه فيها من فكر وخيال جديدين انعكسا بعمله الإخراجي، كما يذكر "أفرام دافيد" الممثل والمخرج المسرحي المعروف أثناء حديثه مع "مدونة وطن" "eSyria" قائلاً: «في كلّ عرض لمست شيئاً جديداً يختلف عما سبقه يفاجئ به الجمهور الحاضر من ناحية الشكل والصورة البصرية، أيضاً يمكنني وصفه بالمخرج المثابر والنشيط، قياساً لنتاجه المسرحي الذي قدَّمه خلال الأعوام الثلاثة الماضية».

تجدر الإشارة أخيراً بأنَّ "زين العابدين طيار" من مواليد عام 1985 وحاصل على شهادة من "كلية الإعلام" سنة 2011 وغير متزوج وتمَّ اللقاء معه بتاريخ 11 كانون الأول 2022.