رغم أنها تحمل شهادة ميلاد تمتد لأكثر من 800 عام، ما زالت أصوات مآذن مساجد جبل العرب يتردد صداها في أرجاء المكان، فعلى صفحات حجارتها البازلتية، كتب التاريخ أحرفه النورانية، لتبقى مرجعاً لمن أتاها سائلاً ومستفسراً عن الذين عبروا وسكنوا تلك المنطقة.

النّقوش الكتابيّة

القارئ للنقوش الكتابية والمحلل "لطلاسمها" سيكتشف، أن المساجد على أرض جبل العرب أبصرت النور منذ العهد الأيوبي، وعنها تحدث رئيس دائرة آثار السويداء "وليد أبو اريد" لـ"مدونة وطن eSyria" قائلاً: «الآثار المكتشفة والظاهر منها يؤكد أن تاريخ بناء المساجد في جبل العرب يعود إلى عهد السلطان "عز الدين أيبك"، ومن هذه المساجد التي لم تنل السنين من حجارتها البازلتية، مسجد قرية "عتيل" المبني بحجارة مزخرفة ومنحوتة بشكلٍ هندسي تفننت في بنائها أياد ماهرة متمرسة في فن العمارة، يقرؤها كل من جاءها باحثاً عن تاريخ ذلك المسجد، تنتصب حجارته وسط القرية، مطلاً على بركة ماءٍ من الجهة الشمالية، من المرجح أنها كانت تؤمن الماء للمصلين».

إن من يزور مدينة "صلخد" قاصداً ساحتها، لا يمكنه الخروج منها قبل أن تكتحل عيناه بمئذنة مسجدها التي ما زالت تقف شامخةً كأنها حارس الحضارة، وأرشيفها المملوء بحكايات تلك الحقبة الأيوبية، لكونهم هم أول من أرسوا دعائمها، ومن يُمعن النظر بتلك المئذنة سيدهشه ارتفاعها البالغ نحو 12 متراً، ما جعلها من أبرز وأهم المعالم الأثرية على ساحة مدينة "صلخد"

مساجد زاخرة

ويتابع "أبو رايد" حديثه بالقول: «إذا اتجهت من المحافظة غرباً تلاقيك قرية "بريكة" الزاخرة بالأوابد الأثرية الكثيرة والمتنوعة، فعلى تلتها يغفو معبدٌ وثني، شيدت حجارته في نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث، إلا أنه مع دخول العصر الأيوبي للمنطقة تحول ذلك المعبد إلى مسجد ليبقى البناء كما هو مضافاً إليه محراباً، إلا أن السنين وما حملته معها من عوامل طبيعية، قد نالت من المسجد بشكلٍ جزئي ما جعله من دون سقفٍ، ليبقى المصلى بمنزلة الأرشيف المؤرخ لتلك الحقبة فتسابيح المتعبدين ما زال صداها يتردد داخل ذلك المصلى».

مئذنة صلخد

ويشير "أبو رايد" إلى أنه تكاد لا تخلو معظم قرى وبلدات المحافظة ولاسيما معالمها القديمة، من أماكنٍ للعبادة، فها هي قرية "الدور" ما زالت تحتضن على ساحتها عدداً من دور العبادة، حيث تحول معبدها العائد تاريخ بنائه لعام 652 ميلادية إلى مسجدٍ، والزائر له سيجده بحالة جيدة فأقواسه المؤلفة من 12 قنطرة، حيث يوجد بجانب المسجد بقايا أبراج يبدو أنها متعددة الطوابق، ويوجد واحد منها إلى الغرب من القرية وآخر في جنوبها الغربي، وكذلك حي يغلب عليه الطابع النبطي وهو أقدم أحياء القرية ويقع في الجهة الشمالية الغربية منها ويعرف باسم "قصر الدور" ولا تزال أساساته باقية حتى يومنا هذا.

شموخ البازلت

من جهتها تقول أمينة متحف صرح الثورة السورية الكبرى "دعاء مهنا": «إن من يزور مدينة "صلخد" قاصداً ساحتها، لا يمكنه الخروج منها قبل أن تكتحل عيناه بمئذنة مسجدها التي ما زالت تقف شامخةً كأنها حارس الحضارة، وأرشيفها المملوء بحكايات تلك الحقبة الأيوبية، لكونهم هم أول من أرسوا دعائمها، ومن يُمعن النظر بتلك المئذنة سيدهشه ارتفاعها البالغ نحو 12 متراً، ما جعلها من أبرز وأهم المعالم الأثرية على ساحة مدينة "صلخد"».

وليد أبو رايد

وتتابع "مهنا" بالقول: «المئذنة تطلُ جنوباً معانقةً مسجدها المشيد على 24 قنطرةٍ حجرية منحوتةٍ بدقةٍ واتقان، مشرعاً -أي المسجد- بابه نحو الشمال، يتقدمه بئرا ماءٍ متكآن على جرنين حجريين كبيرين، وبالعودة إلى المئذنة فهي تنتصب على قاعدة منحوتة من الحجر البازلتي من القطع الكبير، مرسومةً بطريقة هندسية لتأخذ شكلاً سداسياً، إذ يبلغ عرض الوجه الواحد منها أكثر من مترين ما يجعل محيطها أكثر من 12 متراً ونصف المتر، والداخل إلى المئذنة لا بد له أن يمر من بابها الصغير، المفتوح جنوباً، والذي لا بتجاوز عرضه 93 سم وارتفاعه أقل من مترين بقليل وسماكة جدارها أيضاً 93 سم».

وتبين أنه من أتى المئذنة باحثاً عن تاريخها، أو زائراً لها فما عليه سوى صعود درجها ذي الشكل اللولبي، المرتكز على محورٍ حجري قطره 40 سم حيث يشكل هذا الدرج مع المحور قطعة واحدة وتنتهي كل درجة بذيل دائري منحوت وهو جزء من المحور الذي بقي منه 46 قطعة صالحة حتى الآن ترتفع بالزائر إلى أعلى المئذنة.

دعاء مهنا