تدل المنازل الريفية القديمة في منطقة "جبل العرب" على جذور ضاربة في القدم، حيث تعود وفق شكلها الهندسي المعماري إلى العصر الروماني في الشكل والبناء، وبالرغم من مرور قرون من الزمن على تشييدها لا تزال هذه البيوت تُحفاً معمارية حاكت بنمط بنائها، متطلبات ذلك العصر وعكست فنون العمارة وطرازها الرفيع.

التّوصيف الهندسيّ

ضمن الرؤية العلمية التاريخية الأثرية لبناء البيوت الريفية القديمة في "جبل العرب" يشير الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لموقع "مدونة وطن eSyria" بالقول: «ترتكز طبيعة البيت الريفي بشكل أساسي على الاستقلالية والتقسيم المناسب للقيام بالأعمال اليومية لساكنيه، وهنا تبدأ المرحلة الأولى والأهم من بنائه والمتعلقة بالكشف عن المنطقة الريفية من الناحية الصحية، أي ملاءمة موقعه للحياة بشكل جيد، وتتناسب أبعاد الفراغات المعمارية في المسكن الريفي حسب المخطط الروماني له مع مجموعة من المعطيات، تتلخص في حجم الإنتاج والمزرعة أو الحقل المحيط به وعدد الحيوانات أو قطعان الماشية كالثيران والأغنام والخيول وغيرها».

ترتكز طبيعة البيت الريفي بشكل أساسي على الاستقلالية والتقسيم المناسب للقيام بالأعمال اليومية لساكنيه، وهنا تبدأ المرحلة الأولى والأهم من بنائه والمتعلقة بالكشف عن المنطقة الريفية من الناحية الصحية، أي ملاءمة موقعه للحياة بشكل جيد، وتتناسب أبعاد الفراغات المعمارية في المسكن الريفي حسب المخطط الروماني له مع مجموعة من المعطيات، تتلخص في حجم الإنتاج والمزرعة أو الحقل المحيط به وعدد الحيوانات أو قطعان الماشية كالثيران والأغنام والخيول وغيرها

ويضيف "كيوان": «اعتمد توزيع الغرف في المسكن الريفي على مبادئ أساسية منها وجود المطبخ في الجانب الأكثر دفئاً من ساحة البيت، كذلك يجب أن تكون حظائر الحيوانات مجاورة له لتكسب دفء المواقد فيه وموجهة نحو الشرق، ويجب أن تكون الحمامات مجاورة للمطبخ وموقع غرفة الزيت من جهة الجنوب لتكون أكثر دفئاً، ويجب أن تكون حظائر الحيوانات واسعة وموقع الغلال يجب أن يكون مرتفعاً عن الأرض باتجاه الشمال أو الشمال الشرقي حتى لا ترتفع حرارة الحبوب بسرعة، وأن تبقى معتدلة، ويُفضل أن تبنى مستودعات الحبوب والقش والمخابز بشكل منعزل عن المسكن الريفي تفادياً لأخطار الحريق إن حصل».

الدكتور نشأت كيوان

الآثار المعمارية

من داخل أحد البيوت

ويوضح الباحث الأثري "كيوان" أنه في دراسة أثرية معمارية لعدد من المساكن الريفية في "جبل العرب" التي تؤرخ للعصر الروماني، نلاحظ تقارباً مع هذه النسب التي ذكرناها أعلاه، فقد تمت دراسة مساكن رومانية وبيزنطية في منطقة حوران ككل ومن ضمنها جبل العرب ومنطقة "اللجاة"، ومدى تأثيرها على نمط حياة السكان وعلى الفن المعماري للمساكن القروية، مع التنويه إلى قدم عمارة المنطقة منذ الألف العاشر قبل الميلاد في قرية "القراصة" مروراً بالألف الرابعة، لكن هنا سنركز على فترة محددة ألا وهي الرومانية، وفيها حصل عدد من سكان المنطقة على سكن بالإضافة إلى العسكريين وخصوصاً المتقاعدين منهم والموظفين الرومان المستوطنين الذين أتوا للمنطقة بدءاً من القرن الثاني الميلادي، والذين استفادوا من توزيع الأراضي وساهموا بتشييد هذه المساكن، حتى أنها تطورت في مدينة "شهبا" على سبيل المثال لتصبح على نمط الفيلا الرومانية الواسعة والتي تحتوي على فراغات معمارية وزخارف ولوحات فسيفساء، وقد ساهم الرحالة وعلماء الآثار والمعماريون الأجانب الذين زاروا المنطقة في توثيق عدد من هذه المساكن الريفية أمثال "بوركهاردت ويليام جون بانكس" الذي قدم بين عامي 1816-1818 واهتم بالعمارة السكنية بشكل أقرب للمهنية، وكذلك الألمانيان "ويتزستين وشوماخر"، وكذلك الكونت الفرنسي "ميلكيور دو فوغييه" 1861-1862 والألمانيان "برونو ودمازيوسكي".

البحث والتّنقيب

ويتابع "كيوان" حديثه بالقول: «قامت بعثة جامعة "برنستون" الأمريكية برئاسة "بتلر" بتوثيق عدد من المواقع والمباني السكنية القروية وصولاً إلى البعثات الوطنية الألمانية والفرنسية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وغيرهم من الباحثين الذين درسوا عدداً من المساكن في قرى "أم الزيتون والعين وذكير وشهبا ومجدل الشور"، وقد تمت دراسة عناصر العمارة السكنية من الجدران والأسقف والمواد المستخدمة والأبواب والأقواس والأدراج والتصميم المعماري كوحدات معمارية مؤلفة من القاعة الرئيسة وغرفها الملحقة».

جانب من البيوت القديمة

ويبين أنه تمت ملاحظة وجود مساكن مؤلفة من وحدتين معماريتين منتظمتين، الوحدة العلوية عبارة عن شقة خاصة بصاحب المسكن وعائلته، وسفلية وهو قسم الخدمات والإسطبلات والمطبخ وغرف المؤونة، كذلك توجد في المساكن الريفية قاعات استقبال سقوفها محمولة على قناطر "أقواس"، وتوجد فرات للمساكن منها ما هو مكرس لتربية الماشية فقط ومساكن مختلطة، كما تحتوي هذه المساكن على زخارف معمارية وخصوصاً على سواكف الأبواب وأطر النوافذ.

عمارة رومانيّة

بدوره يشير الباحث الأثري "خلدون الشمعة" الذي أعد دراسات عن العصور الرومانية، إلى أنه من خلال دراسة عينات من المساكن الريفية في حوران المؤرخة بالعصر الروماني، تم تكوين نظرة عامة وواضحة عن ميزاتها مثل الإتقان في بنائها والغنى الكبير بزخارفها، وهذا يدل على ثراء ساكنيها، كما أن غرف هذه المساكن تقوم حول فناء مغلق كلياً وهذه الخاصية تتميز بها بشكل عام العمارة القروية الخاصة بمنطقة حوض البحر المتوسط، وهذا الأمر استمر حتى العصور الحديثة وحتى فترات ليست ببعيدة عنا، حيث قام أجدادنا في القرن الماضي ببناء منازل مشابهة لها.

ويلفت الباحث "الشمعة" أنه تم استخدام تقنية القوس الداعم الذي حل محل تقنية الدعامة المركزية المستخدمة منذ الألف الثاني قبل الميلاد على أقل تقدير، وقد بلغت مساحات بعض البيوت السكنية الريفية بين 400 إلى 1700 متر مربع.