لا يمكن الحديث على تراث "دمشق" العريق من دون المرور على حرفة صناعة الثريات، تلك الحرفة التي كانت ولا تزال صنعة الحرفيين المبدعين، فمع دخول الكهرباء إلى "دمشق" قبل ما يقارب مئة وعشر سنوات، حلت المصابيح محل الفوانيس القديمة فأدرج الحرفيون لمساتهم الفنية، وأخذوا من النّحاس أساس الثريات التي زينت أسقف بيوت "دمشق" ومساجدها وكنائسها.

شيخ الكار

مع مرور السنين على إنارة المدينة، وجد عددٌ من الحرفيين الفرصة في تجديد منهج عملهم وفنهم، وتقديم ثنايا جديدة تعكس أناقة الذّوق لديهم في حرفة منتجات "تشكيل المعادن والفنون النّحاسيّة".

قمنا بصناعةٍ فيها دمج لبعض من أعمال عصرنا الحالي و تراث شعوب أخرى، وأنتجنا أنا وفريق العمل "ركنُ رقعة الشطرنج" كان لي معها جائزة الإبداع في "سورية" فصنعنا رقعة الشّطرنج من الخشب المزخرف بالموزاييك والأيبوكسي، وجعلنا أحجارها من النحاس الملبّسٌ نصفها الأول بالبرونز ونصفها الثاني بالفضة، وصنعنا أيضاً كرسيين نحاسيين ملكيين بزخارف نحاسيّة لها من العمر مئات السّنين يعلوها تاج ملكي بزخارف لها تاريخها، أما التّنجيد فقد من البروكار السوري

يقول الحرفي "عدنان تنبكجي" لـ"مدونة وطنeSyria " شارحاً مسار التطور قائلاً: «ازدهرت حرفتنا حرفة "تشكيل المعادن والفنون النّحاسيّة" ذات الجذور المتأصلة في التّاريخ والممتدة لآلاف السنين مع ولادة نور "دمشق"، وأخذت حرفة الثريات بالظهور لتكون استمراراً لحرفة "تشكيل المعادن والفنون النّحاسيّة"، ودخلت مضمارها وراثة عن أبي وجدي "عبد الله تنبكجي"، ورسمت لي طريقاً فيها بخبرتي التي تقارب الـ 33 عاماً، وأصبحت شيخ كار بـ(الفنون النّحاسيّة والتّشكيليّة)، وبتُ أُعرفُ بـ (مُعاصر التّراث) وذلك بما سعيت فيه من تطوير لأعمال الحرفة وإنتاجها، مع المحافظة على النمط الكلاسيكي الذي لا يبطل، بالإضافة إلى اجتهادي في تثبيت أركان هذه الحرفة، فقد خّرجتُ عدّة دورات أقامتها "حاضنة دمر المركزيّة للفنون الحرفيّة" بالتعاون مع الاتحاد العام للحرفيين».

الحرفي عدنان تنبكجي شيخ كار الفنون النّحاسيّة والتّشكيليّة

إبداع وتميّز

فريق عمل شركة عدنان تنبكجي

ويضيف "تنبكجي": «وفرت لي أعمالي هذه حصة كبيرة من الجوائز المحلية والدّوريّة، منها جائزة اكسبو في "بيروت"، حيث حققت المركز الأول لـ"سورية" مُمثَلةً باتحاد الحرفيين، ونلت تكريماً من رئيس "أبخازيا" خلال مشاركتنا بالمعرض الدّولي للمنتجات الحرفيّة والغذائيّة في العاصمة "سوخومو"، وعلى مدار معرضين متتاليين كانت لي جائزة الصّالون الأخضر الدّولي في "الجزائر"، كما حصلت مع أصدقائي الحرفيين على تكريم لـ"سورية" في "الهند" بمعرض "اسوارجكوند ميلا" في ولاية "فريد آباد"، ومؤخراً كانت لي جائزة بمعرض الحرف التّراثيّة والتّقليديّة الذي أقيم في "كلية الآداب" بجامعة "دمشق" وبمشاركة "الاتحاد العام للحرفيين" و"اتحاد الكتاب العرب"، وقد كان لي بهذه المشاركة كما غيرها الفائدة الكبيرة بما أجنيه من معرفة وتبادل للثقافات».

تطوير العمل

وحول تطوير العمل يقول "تنبكجي": «لقد تمكنت من تطوير العمل في الثريات بما أضفته من ألوان التّلبيس للنحاس، حيث وصلت إلى 12 لوناً من برونز وكروم وذهبي وفضي وبلاتيني ونحاسي معتق وغير عتيق، بلمعة أو من دونها وكذلك الألوان المدموجة، ومع الظروف الحالية وارتفاع الأسعار أخذنا باستخدام الألمنيوم، وإن كان يحتاج إلى آلية في العمل أكثر من النّحاس المعدن الحنون المتجاوب مع كل التّشكيلات، واستطعت تحقيق جودة عالية في عملية تصنيع الألمنيوم من سكب وتشكيل بنفس آلية العمل، بالرغم من أنه يختلف عن النحاس بالوزن الأخف، وبالسعر الأقل إلى النّصف تقريباً».

رقعة الشطرنج الملكية

ويشير الحرفي إلى أن ثريات الحاضر تتميز عن القديم منها بجودة العمل ونظافته، وثمة اجتهادات ومثابرة من أجل حماية الثريا وألوانها من عملية الأكسدة التي تغير لونها إلى الأخضر، وذلك من خلال تثبيت اللكر الذي يشكل طبقة حماية عازلة تمنع أكسدة النحاس.

عمل الفريق

يستعرض الحرفي "تنبكجي" مراحل صناعة الثريات حيث يعتبر النحاس المكرر أساس صناعتها وليس النحاس الخام، وأحياناً تستخدم ألواح صاج نحاسيّة تأتي استيراداً من "يوغسلافيا" أو "إيران"، وتكون البداية بتصميم الثريا أو الشّمعدان أو الإبليك الجانبي، وفق زخارف نباتيّة أو أشكال هندسيّة ضمن قياسات الحجم المطلوب على الورق، ومن ثم تطبع على طابعة ثلاثيّة الأبعاد، ويمكن تجهيز قالب كامل للقطعة من الخشب عند حفارها، وفي ورشة السّكب يُسكب هذا القالب بالنحاس المصهور في الدّرجة ما بين الانصهار والغليان حيث يصبح شبه سائل، ويمكن من خلال وضع القالب في الرّمل وإخراجه، حيث يتكون تجويف يشابه تماماً للقالب ويحدد شكل النّحاس المسكوب فيه، فتتشكل أكواع الثريات وأجزاؤها من مشربية وطقم وأكواع وعروق وغيرها، ثم يحوّل المنتج بعد ذلك إلى قسم الخراطة عند الحرفي "سمير الأشرم" لعمل السّن المناسب، بدوره يقوم الحرفي "محمد الرحبي" بتجميع وتلحيم القطع والأجزاء وفق الحاجة، وبعد انتهاء أعمال الخراطة يقوم الحرفي "أحمد حروق" بعملية التّنظيف والتّنقية من الشوائب عبر ثلاث مراحل، وبعدها يأتي العمل في قسم تلبيس اللون المطلوب، ليأتي بعدها العمل بالمراحل الأخيرة في قسم الكهرباء والتّجميع، حيث ينجز بإشراف الحرفيين "أحمد قصص" و"هشام تنبكجي" وزملائهما والذين يقومون بتمديد الأسلاك الكهربائيّة بشكل مخفي ومن ثم تجمع الثريا وترصّع بالكريستال، ومع نهاية العمل تعرض على شيخ الكار لتصبح جاهزة للعرض.

أيادٍ أمينة

تعدد شيوخ كار الحرف والتي يعتمدها عادة مجلس شيوخ الكار التابع للاتحاد العام للحرفين، وقد انتظم عملها حيث يراعى بالإضافة إلى الإبداع والتّميز والكفاءة العالية في الحرفة الالتزام بها ما بين 10 و15 عاماً، وكذلك حُسن الخلق والأدب والسّمعة الطيبة، وقد حصل "تنبكجي" على لقب شيخ كار في الفنون النحاسيّة والتّشكيليّة بما لديه من مميزات، ودأب في الالتزام بواجباته تجاه هذا اللقب وبما قدمه في "حاضنة دمر المركزية" من دورات ضمت شباباً وشابات، وكذلك ذوي احتياجات خاصة. يشير "تنبحكي" إلى أن عمله هذا جاء انطلاقاً من قناعته الكاملة بضرورة وفرة الكفاءات، وكون الحرف التراثية مطلوبة محلياً ودولياً، فهي حرف غنية وتغني حرفييها، وهي أكبر رديف للدخل الاقتصادي، وتمثل هوية البلد وتاريخه، وعليه يتوجب على شيخ الكار المحافظة على الأمانة التي باتت بين يديه بما يواكب العصر مع المحافظة على تراثنا.

ويلفت الحرفي إلى أنه كوّن فريق عمله ليصل به إلى التميز بما يقدمه من منتجات، والتحق بدورة (دبلوم التّصدير الاحترافي) التي أقامتها (وزارة الاقتصاد والتّجارة الخارجيّة– هيئة الصّادرات)، لتكوّن لديه بالإضافة إلى الثقافة العامة، المعرفة والخبرة التي تمكّنه من معرفة السوق المستهدفة، وإمكانية التصدير.

مواكبة العصر

وفي حركة إسقاط لصناعة الثريات والشمعدانات والأبليك على واقع أوسع يقول شيخ الكار "تنبحكي": «قمنا بصناعةٍ فيها دمج لبعض من أعمال عصرنا الحالي و تراث شعوب أخرى، وأنتجنا أنا وفريق العمل "ركنُ رقعة الشطرنج" كان لي معها جائزة الإبداع في "سورية" فصنعنا رقعة الشّطرنج من الخشب المزخرف بالموزاييك والأيبوكسي، وجعلنا أحجارها من النحاس الملبّسٌ نصفها الأول بالبرونز ونصفها الثاني بالفضة، وصنعنا أيضاً كرسيين نحاسيين ملكيين بزخارف نحاسيّة لها من العمر مئات السّنين يعلوها تاج ملكي بزخارف لها تاريخها، أما التّنجيد فقد من البروكار السوري».