رغم تبدل الزمن وضعف إقبال الناس على حرفة خراطة الخشب، لا يزال الحرفي "مأمون الحلاق" يعمل في هذه الحرفة القديمة لإيمانه بأهمية الحفاظ عليها، وهي التي ورثها وتربى عليها وتعلمها والتي تمثل جزءاً مهماً من التراث الذي يستحق أن يتواصل على يد الأجيال منعاً من اندثاره.

حرفة متوارثة

يقول "الحلاق": «تسمى هذه الحرفة خراطة الخشب وهي حرفة بدائية قديمة متوارثة ضمن العائلة، وأنا أعمل بها منذ خمسين عاماً.. كانت الحرفة يدوية بشكل كامل ثم تطورت قليلاً وأصبحت نصف يدوية، والآن أصبح العمل بها يتم آلياً بشكل كامل، فباستخدام برامج الكمبيوتر تنتج العديد من النسخ بسرعة كبيرة».

لتعريف الأجيال الجديدة بهذه الحرفة، أحرص على المشاركة في المعارض لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة وخاصة لفئة الأعمار التي تقل عن الخمسين عاماً والذين لا يعرفون شيئاً عنها

ويضيف "الحلاق: «اشتهرت غوطة دمشق بأشجارها المثمرة من شجر المشمش وشجر الزيتون والجوز والحور والدلب وغيرها، فكانت مقصداً للحرفيين الذين يستخدمون الخشب بعملهم في هذه المنطقة، فكل حرفي أخذ من أنواع الأخشاب النوع المناسب لحرفته، وبما يخص حرفة الخراطة فأول خطوة هي اختيار النوع المناسب لها من الأخشاب وهو خشب الجوز ثم ينشف بطريقة صحيحة، لأنه إذا كان رطباً لا يصلح، وتكون القطعة مغشوشة بالنسبة للزبون الذي سيقتني هذه القطعة، ثم بعد التجفيف يتم استخدام "القدوم"، وهو آلة تستعمل لتدوير القطعة من الجوانب ليركب عليها الحبل وليسهل لفه عليها».

من أعماله

عمل تقليدي

ملاعق خشبية

ويشير الحرفي إلى أن الآلات المستخدمة، وهي عبارة عن دف خشبي وله رأسان أحدهما ثابت والرأس الآخر متحرك، بالإضافة إلى المسند الذي يثبت بالقدم والقوس باليد الأخرى مع الإزميل، وبهذه الأدوات يتم إنتاج كل القطع مثل كرسي القش الذي كان يستعمل في البيوت والمطاعم قديماً، وقطع الأرابسك والشرقيات وكل أشكال القطع الخشبية.

ومن الأدوات المستخدمة في الحرفة يشير "الحلاق" إلى المخرطة اليدوية، لإنتاج الأدوات التراثية مثل جرن الكبة ومصب القهوة والمهباج والملاعق الخشبية وغيرها من الأدوات، التي يعمل فيها الحرفي بفن وإبداع لإنتاج كل قطعة.

شهادة مشاركة في المعرض.

ويتابع بالقول: «لتعريف الأجيال الجديدة بهذه الحرفة، أحرص على المشاركة في المعارض لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة وخاصة لفئة الأعمار التي تقل عن الخمسين عاماً والذين لا يعرفون شيئاً عنها».

الدعم الغائب

ويرى "الحلاق" أن حرفة الخراطة من الحرف التي تحتاج إلى الدعم والرعاية من الجهات المعنية، فهي حرفة مهددة بالانقراض، بدليل وجود تمثال لمخرطة يدوية قديمة في قصر العظم وهذا دليل على أن الحرفة انتهت، ولكي تستمر الحرفة وغيرها من الحرف المهددة بالانقراض، يطالب الحرفي بضرورة تأمين مكان دائم للحرفيين ضمن المناطق السياحية التراثية الأثرية، فالسائح عندما يزور المدينة يقصد الأحياء الشعبية فيشاهد الحرف ويتعرف عليها فتتم الاستفادة من الأماكن ومن الحرف معاً سياحياً وتراثياً وثقافياً واقتصادياً، وهذه الطريقة هي دعم دائم ومستمر للحرف، أما المعارض فهي مؤقتة، وقد لا يتسنى للسائح مشاهدتها، وكذلك فعندما يشاهد الجيل الحالي أن الحرفة مطلوبة ويمكن أن تشكل مصدراً للدخل يقبل على تعلمها وبالتالي تستمر ولا تنقرض.

تنظيم وتأطير

بدوره يقول الباحث في التراث الشعبي "خالد الفياض": «الحرفي "مأمون الحلاق" حرفي يتمتع بمهارات عالية ومتمكن من حرفة الخراطة، فمسكة الإزميل والدولاب كما يقال بالعامية فيها (معلمية) من خلال اختيار مكان وضع الإزميل وحركته للدولاب.. هو حرفي محترف بالعمل اليدوي وهو الوحيد الذي لازال يعمل على هذه الآلة يدوياً، مدعوماً بخبرته الطويلة التي تمتد لخمسين عاماً».

ويشدد "الفياض" على ضرورة الحفاظ على هذه الحرفة وغيرها من الحرف التراثية من الانقراض، عبر إنشاء معهد للدراسات الشرقية أو مدرسة حكومية متخصصة لتعليم الحرف تحت رقابة إدارية، فيها المعدات اللازمة وتحت إشراف حكومي لإحياء الحرف ومنع اندثارها، فعندها سترسل الناس أولادها لتعلم الحرف ويكون للحرفي راتب شهري ومسجل في التأمينات الاجتماعية سيعلم الطلاب حرفته بكل حب، لافتاً إلى الحاجة أيضاً لمكان يصبح مدرسة أو معهد وإدارة وموجهين ومراقبين وآلات ومعدات، لتخريج حرفيين يحافظون على الحرف التراثية، ويكونون جديرين بحمل راية التراث».

تمت اللقاءات بتاريخ 13 كانون الأول عام 2022.