احتفت مدينة "حمص" باختتام الدورة العشرين لمهرجان "الثقافة الموسيقية" والذي يعتبر من أهم المهرجانات الموسيقية على مستوى "سورية" وأقدمها، وكعادته -كما في كلِّ الفعاليات والأنشطة الثقافية المختلفة- كان جمهور المدينة هو العلامة الأكثر تميّزاً فيه، إلى جانب التنوع والغنى الفنِّي الذي قدَّمته الفرق المشاركة بالمهرجان.

23 عاماً

انطلقت النسخة الأولى لمهرجان "الثقافة الموسيقية" رسمياً في عام 1989 وشكَّل خلال السنوات الماضية علامةً فارقةً بالمشهد الثقافي لمدينة "حمص" والحافل تاريخه بما قدَّمه الموسيقيون والمطربون الذين وقفوا على خشبته.

مستوى الأداء الموسيقي العالي الذي لمسته عند غالبية العازفين المشاركين كان عالياً وملفتاً للانتباه، وإن كان بدرجات أقل عند البعض، وجمهور "حمص" يستحق هكذا مهرجانات وهكذا أداء ولمسنا ذلك من خلال تلك "البانوراما" الفنِّية التي قدمتها الفرقة اليوم والتي حملت بمضمونها رسالةً ثقافية إلى جانب المتعة الموسيقية

يقول الفنان "أمين رومية" رئيس فرع نقابة الفنانين: «من مهام المهرجان اليوم الحفاظ على مستوى الموسيقا العربية العالي أمام ما يُقدَّم من ابتذالٍ فنِّيٍ نسمعه ونشاهده خاصَّةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والفكر الهدَّام الذي يقدِّم بكثير من الأعمال الفنِّية من متسلقي الموسيقا والغناء، والذي يقوده محور من الاستعراضيين الفاقدين لأدنى قواعد الغناء والقادمين من بؤر الليل، واستباحوا قدسية الأغنية العربية الأصيلة وموسيقاها، وهذا ما لمسناه من خلال القرارات التي اتخذتها "نقابة الفنانين" مؤخَّراً».

الفنان أمين رومية

إشادة

لقطات من عروض الفرق المشاركة بالمهرجان

بدوره يشيد الفنان "عبد المعين مرزوق" في حديثه للمدونة أثناء لقائه بعد انتهاء عرض فرقة "نوا أثر" الموسيقية في رابع أيام المهرجان، بالتطوُّر الواضح في مسيرة المهرجان، ومستوى الفرق المشاركة من الناحية الفنِّية، والذي يرتقي لدرجة الاحتراف رغم اعتماده على جيل الشباب، لافتاً إلى أن الانتقاد الأهم من وجهة نظره، هو غياب التراث الموسيقي السوري عموماً والحمصي خصوصاً، عن المحتوى الذي قدَّمته الفرق المشاركة فيه.

عتب

لحظة تكريم الفنان أنور سمعان

غياب مندوبي الإعلام المرئي عن تغطية فعالية ثقافية مهمة كهذه أمرُّ تتحمل مسؤوليته "وزارة الإعلام" بالدرجة الأولى؛ كونها المعنية بتعريف الجمهور في "سورية" وخارجها بهذه الخامات الفنِّية الشَّابة، والتي يمكن اعتبارها بمثابة ثروة وطنية مهمَّة، حسب ما جاء على لسان "حسن الحكيم" المتابع الدائم للحركة الفنِّية والثقافية في المدينة عند لقاء مدونة وطن "eSyria" معه والذي يضيف: «تستحق مدينة "حمص" الإضاءة على مستوى التطور والإبداع الموسيقي الذي وصلت إليه الفرق الموسيقية الموجودة فيها، والدليل على ذلك ما قدمته فرقة "موزاييك" في اليوم الثاني من المهرجان، ومستوى الأداء الرفيع، والمضمون الذي يرتقي لمستوى العروض العالمية، إلى جانب الاستخدام المدروس والمتميز للإضاءة والنصوص الداعمة للعرض الموسيقي والغنائي التي شاهدها الجمهور على الشاشات المرافقة له، مهمة أيِّ مهرجان هي تقديم الجديد والمتطور والقيمة المضافة وهذا ما لمسناه في دورة المهرجان الحالية».

الفنان "مروان غريبة" عازف "الكمان" وقائد فرقة "نقابة الفنانين" التي قدَّمت مجموعة من الأعمال الموسيقية و الغنائية لكبار المطربين والموسيقيين العرب خلال حفل افتتاح المهرجان يقول: «مستوى الأداء الموسيقي العالي الذي لمسته عند غالبية العازفين المشاركين كان عالياً وملفتاً للانتباه، وإن كان بدرجات أقل عند البعض، وجمهور "حمص" يستحق هكذا مهرجانات وهكذا أداء ولمسنا ذلك من خلال تلك "البانوراما" الفنِّية التي قدمتها الفرقة اليوم والتي حملت بمضمونها رسالةً ثقافية إلى جانب المتعة الموسيقية».

موسيقا التراث

ما بين مقطوعة "Nightingale" وأغنية "شوفوا بلدي"، كان العرض الموسيقي لفرقة موزاييك الذي حمل عنوان "طريق الحرير" بثاني يوم من المهرجان، والذي حقق صدىً واسعاً لدى الجمهور والذي تحدَّث عنه لمدونة وطن "eSyria" الدكتور "ماريو بطرس" مدير الفرقة قائلاً: «هدفنا الخروج من قالب العرض الموسيقي الكلاسيكي، وتقديم عرض يترك أثره في نفوس وذاكرة الجمهور.. اختيار المقطوعات الموسيقية لم يكن عبثياً بحيث تكون قريبة موسيقياً لذائقة المستمع، وما يناسب إمكانية تنفيذه من قبل العازفين بشكلٍ متقن، وكذلك اختيار العرض البصري الذي أردناه رديفاً للعرض الموسيقي كان مدروساً بتفاصيله الدقيقة، بدءاً من ظهور الراوي قبل تأدية كلِّ مقطوعة موسيقية، شارحاً محطات الرحالة، وهدفنا هو المساعدة بإيصال الرسالة التي يتضمنها العرض الموسيقي، ألا وهي التعريف بالتراث الموسيقي للشعوب الأخرى وبأنَّ الموسيقا لغة واحدة، وصولاً إلى التذكير بتراثنا الموسيقي الغنِّي كما في مقطوعة "ابتهال إلى نيكال"، الموثَّقة كأول نوتة موسيقية في تاريخ البشرية، وضرورة المحافظة على ديمومته كما هي "الهنهونة" التي يتميز بها تراث "بلاد الشام"، ومعها الألحان والأغاني الخاصَة بما هو سائد في "الحنَّة" التي تعتبر من تراث العرس الحمصي.. طبعاً كان للموسيقا العربية ونتاجات مبدعيها حضوراً بعرضنا الموسيقي وهذا من ضمن رسالة العرض أيضاً».

فرصة

نادي "دوحة الميماس" الذي مضى على تأسيسه 89 عاماً، كان حاضراً في ختام أيام المهرجان، مقدِّماً باقةً من المقطوعات الغنائية تنوَّعت بين الموشَّحات والأغاني الطربية عبر خمس مطربين من أعضاء فرقته الموسيقية وبمشاركة 15 عازفاً منهم الفنان "هاني متري" الذي يتحدث للمدونة بالقول: «التنوع الذي شهدته عروض المهرجان وذاك المزج بين الأصالة والحداثة أكثر ما ميَّزها، إضافة للمواهب الجديدة التي حضرت فيه والخامات الصوتية المبهرة التي استمع إليها الجمهور للمرة الأولى، والتي برأيي تحتاج إلى المتابعة والاهتمام من المعنيين بشؤون الثقافة والفنِّ ولتمكين ذاتها من خلال الدراسة الأكاديمية كي تصل إلى درجة الاحترافية.. وجودي كعازفٍ مع فرقة نادي "دوحة الميماس" هي فرصة للحصول على خبرة أكبر، وهذا شأن كلِّ العازفين الجدد وحتى القدامى المنضمين إليها».

نذكر أخيراً بأنَّ مهرجان "الثقافة الموسيقية العشرين" ضمَّ إلى جانب الفرق التي ذكرت سابقاً فرقة "أورنينا" الموسيقية التي قدَّمت عرضها في ثالث أيامه، وكان حفل الافتتاح قد شهد تكريم الفنان "أنور سمعان" الذي انفردت مدونة وطن "eSyria" سابقاً باستعراض مسيرته الفنِّية حصرياً في مادة سابقة، إضافة لتكريم الشاعر الغنائي الراحل "عصام جنيد" ضمن حفل الختام الذي جرى يوم الأربعاء بتاريخ 26 تشرين الأول 2022.