مدينة "دمشق" سحر خاص تتنوع تفاصيله لتشمل معظم جوانب الحياة، فيرتفع هنا ويخبو هناك، فبالقرب من "الجامع الأموي" امتدت أسواق الشام وكان لكل منها خصوصيته التجارية إضافة إلى تفاصيل تكويناتها، في هذا المكان برزت محال أطلق عليها اصطلاحاً محال "المتر المربع"، فما هي حكاية هذه المحال وكيف نشأت وما هي اختصاصاتها؟

في سوق الخياطين

في نهاية حي الحريقة وحيث يبدأ سوق الخياطين، تصطف محال اختلفت أشكالها كما اختلفت وتنوعت بضائعها، ومن بين هذا المحال ما له صيغة مختلفة ترسمها أبعادها التي تتراوح ما بين المتر المربع الواحد، وقد تزيد عن ذلك بقليل أو تنقص، محال تمتلئ ببضائع اختلفت أنواعها وأشكالها، كما اختلفت قصصها وحكاياتها، ومنها قصة محل التاجر "صادق الطير" الذي اشتراه من عائلة "الدّغري" في عام 1974، حيث كانت تبيع الخيوط ومن ثم الشعر المستعار (الباروكات).

لا يجد أغلب تجار هذا السوق وأصحاب محاله أي سبب يبرر تركهم هذه المحال مهما كانت الظروف صعبة، فعلاقتنا بهذا المكان تعدت العمل والربح والخسارة وباتت علاقة ذات تفاصيل عميقة صعبة الفهم

وعن قصة محله يقول "صادق" في حديثه للمدونة: «واصلت العمل في هذا المحل منذ الصغر، فقد عملت بهذه المهنة وبأصولها بما تضمنته من فرز للخيوط وتصنيفها، وكذلك لف شللها بمختلف أنواعها يدوياً ومن ثم باستخدام الدولاب والذي احتفظ بواحد منه، وتابعت كل تطور جاء على الخيوط بأنواعها الصناعية والطبيعية واستخداماتها، وكان لذلك كله حضوره في ركني هذا الذي تبلغ مساحته متر مربع، وكانت مصدر رزق لي طوال هذه السنين، وقد كان لأولادي وقفة معي في هذا الركن، فساعدوني بالعمل وشاركوني في بناء لبِنات مستقبلهم فحجز أحد أبنائي عمله في مجال الطب».

التاجر صادق الطير

خيوط الفولكلور

التاجر أسامة طباع

على بعد عدة أمتار وبين ثنايا متر مربع آخر، اصطفت ماسورات خيوط كما أراد لها التاجر "وائل خانكان" الذي ورث عن والده هذا المحل بما فيه من قطع كناويشة (كنفا)، وخيوط فولكلورية تطلبها البنات لترسم بها مع الإبرة تطريزات تزين وشاح سيدات "السويداء" وتلون شرش سيدات "درعا"، وقد زاد تنوع هذه التّطريزات وكثرت ألوانها مع مرور الزمن.

يشير "خانكان" إلى الحركة الخجولة في السوق عما كانت عليه سابقاً، بفعل الظروف وبسبب ترك كثير من السيدات لموروث الأمهات والجدات، واتجاههن لجلسات الخياطة والتّطريز، والتحاقهن بدورات تخص هذا المجال.

إيلي شامية

ارتباط وثيق

في محل آخر أبى التاجر "أسامة الطباع" إلا أن يبقى في المتر المربع الذي عمل به أول مرة عام 1981، عندما كان موظفاً، وحتى عام 1990 حيث اشتراه واستلم إدارته كاملة وأصبح هذا المحل عالمه حسب حديثه حيث يقول: «لا يجد أغلب تجار هذا السوق وأصحاب محاله أي سبب يبرر تركهم هذه المحال مهما كانت الظروف صعبة، فعلاقتنا بهذا المكان تعدت العمل والربح والخسارة وباتت علاقة ذات تفاصيل عميقة صعبة الفهم».

ويضيف: «الحركة في السوق جاءت نتيجة مواكبتنا لكل حركة تطور ونمو لتجارة الخيوط، حيث بتنا نتعامل مع أنواع جديدة وكثيرة من الخيوط، فإلى جانب خيوط القطن كثرت خيوط الحرير وخيوط القصب والذهب والفضة، كما تنوعت سبل عرض البضاعة فبالإضافة إلى شلل الخيوط وجدت الماسورات والكونات، وشلل المطاط ومستلزمات الخياطة».

ذهب وفضة

لم تقتصر محلات المتر المربع على بيع الخيوط ومستلزمات الخياطة، فبمتابعة المسير ضمن السوق نجد مثل هذه المحلات وقد عرضت منتجات ومهناً مستحدثة، مثل العطور وتركيبها وأدوات التجميل ومستلزمات العروس، أما في سوق الصاغة، إلى الجنوب من الجامع الأموي، تستوقفك زاوية هي بمساحة أقل من متر مربع يقصدها الكثير من المارة وغالباً ما يبحثون عنها باسم "أم أكرم" وهي السيدة التي عرفها كل من في السوق منذ عام 1963، حيث اعتادت مرافقة زوجها "أسد شامية" كل يوم إلى هذه الزاوية التي استأجرها لتكون واجهة لعرض قطع الذهب وبيعها، بعد أن ترك ورشة الصياغة التي تعلم فيها أصول صياغة الذهب وفنون العمل به، فكانت هذه الزاوية مستهل عمله الخاص الذي استمر به إلى أن غيّر فيه مع تغيّر الحال لديه، وأصبح يعمل في تصليح المصاغ الذّهبيّة والفضيّة وكذلك النّظارات، وزاد من مساحة المكان بنصف متر استأجره من المحافظة، وبعد وفاته استلم ابنه الأكبر "أكرم" العمل، وتابع من بعده الابن "إيلي"، بنفس عمل أخيه وأبيه محافظاً على تقانة العمل وجودته، مستخدماً ذات الأدوات التي ورثها وهي مجموعة من الملاقط وبانسة وزراديات ومقص ومكبرة بالإضافة إلى الشيتة وهي فرشاة أشواكها من النحاس وهناك الأسيد والبورق وموتور الجلخ والمبرّد والشلمو.