المشوار الطبي

موقع مدونة "eSyria" زار الدكتور الفنان "سعد قصبجي" في عيادته في شارع "الرازي" بمدينة "حلب" واستمع منه لسيرته المهنية كطبيب وفنان تشكيلي فقال: «ولدت في "حي الجميلية" بـمدينة "حلب" عام 1951 لعائلة عريقة ومثقفة، فوالدي الراحل "محمد قصبجي"، كان مستشاراً في محكمة الاستئناف بمدينتي "حلب وإدلب"، وكان حرصه كبيراً على تربيتي ومتابعة تحصيلي العلمي بتفوق للوصول لأعلى المستويات.. حصلت على الثانوية في عام 1968 من "ثانوية المأمون"، وأحب أن أروي سبب اختياري لدراسة الطب، رغم أن حلمي كان دراسة الحقوق، وأن أصبح قاضياً مثل والدي، لكنني بعد مشاهدة فيلم سينمائي "لشارلززنا فور" وأخذ فيه دور الطبيب الماهر الذي يتلقى ابتسامات المرضى مع ذويهم بنجاح بعد خروجه من غرفة العمليات التي كان يجريها للمرضى، شجعني أكثر وأكثر للنجاح بتفوق بالثانوية، ودخول كلية الطب في "جامعة حلب" التي تخرجت منها في عام 1975».

بصراحة براعته بالفن لا تقل عن مهارته باختصاص الجراحة العظمية، لديه دقة متناهية في رسوماته، لوحاته جمعت بين التقنية والحساسية واللون والتكوين بأسلوب جميل ومشوق، وما يميز أعماله معرفته بكيفية استخدام التفاصيل الدقيقة والواقعية، وهذا ما وجدناه في معرضه الأخير، رسم مواضيع كثيرة عن أحياء وأسواق وتراث المدينة، الرسم لديه عشق لذلك كان موفقاً وناجحاً لأبعد الحدود

فنّ المداواة

سافر "قصبجي" إلى "بريطانيا" عام 1977 لدراسة التخصص في الجراحة العظمية والجراحة التنظيرية للركبة، وتنقل هناك بين أكبر المراكز التخصصية بالجراحة العظمية مثل "بليموث وكولشستر وساوث أندو سري"، وفي عام 1980 أجرى مقابلة للعمل في مشفى "جلاسكو"، وعن ذلك يقول: «سألت وقتها البروفيسور ما العمليات التي ستعلمونني إياها؟ فضحك وقال لي: "يا دكتور قبل أن نعلمك كيف تجري العملية سنعلمك متى لا تجري العملية فهذا هو فن المداواة"، وبقيت تلك الكلمات راسخة في عقلي عند فحص أي مريض، واتخذتها شعاراً لي.. عدت إلى "حلب" في عام 1987 لأمارس الطب، وأقدم خدماتي لأبناء بلدي ولأرسم البسمة على وجوههم وأزرع السعادة في قلوبهم، وكنت أول من أدخل الجراحة التنظيرية للركبة في "حلب"، وقمت بأجراء العديد من العمليات الجراحية المعقدة والنوعية، ومنها تجرى لأول مرة في "سورية"، كما شاركت في العديد من المؤتمرات الطبية داخل "سورية" وخارجها، وألقيت العديد من المحاضرات وعرضت طرقاً جديدة ابتكرتها في علاج بعض الأمراض، وما زلت متابعاً لأحدث التطورات الحديثة في هذا المجال، وتم تكريمي من الجمعية السورية للجراحة العظمية عام 2009 في "دمشق"».

لوحات فنية من معرضه الأخير بصالة الخانجي.

عاشق الفن

يد تدوي المرضى واخرى ترسم الجمال.

ينتقل الدكتور "قصبجي" للحديث عن الجانب الآخر من حياته وهو حبه للفن، مستعرضاً محطات من هذا الجانب الذي عشقه منذ الصغر.

يقول "قصبجي": «حبي لعالم الفن التشكيلي لا يقل عن حبي لمهنة الطب، فأثناء طفولتي كان لدينا غرفة خاصة لممارسة الهوايات الفنية من رسم ونحت وحفر على الخشب، وقمت بصنع أول تمثال لبطة من مادة البيلون، مع رسم لوحة زيتية، كنت حينها بعمر خمسة عشر عاماً، واشتركت بعدة معارض فنية في مدرستي "المأمون والكواكبي"، وبعد تخرجي من كلية الطب، توقفت عن الرسم لانشغالي الشديد بالعمل الطبي وبقيت على هذه الحالة حتى عام 2011».

شهادات فنية تشكيلية "جبران هدايا" و "خلدون الاحمد" و" دكتور زاهر عيروض".

يقظة الحنين

ويتابع حديثه بالقول: «مع بدء ظروف الأزمة التي مررنا بها، اضطررت للمكوث بالمنزل مدة قصيرة من الزمن، وفي هذه الأثناء ساعدت ابني بمشروع تخرجه من كلية الفنون التشكيلية، وعند ملامسة يدي ريشة الرسم، عاد بي الحنين والشوق من جديد لعالم الفن، ومن تلك اللحظة أصبح الرسم جزءاً أساسياً من يومياتي، حيث في كل يوم استيقظ باكراً، وأدخل مرسمي الخاص بمنزلي لأستفيد من إضاءة نور الشمس حيث يمكنني التمييز الجيد بين درجات اللون والإضاءة والانعكاسات، ولوحة وراء لوحة رسمت إلى الآن ما يزيد على 260 لوحة معظمها عن الطبيعة بشقيها الجمالي والصامتة، كما رسمت العديد من اللوحات عن مدينة "حلب" القديمة، وأحيائها الشعبية وقلعتها ومغارة "جعيتا ومعلولا وقصر العضم" و"بيت اجق باش" والبيوت العربية القديمة والتي أكن لها محبة خاصة، وجربت الرسم بمعظم المدارس من التجريدي للتكعيبي للسريالي والكلاسيكي، لكن بالفترة الأخيرة وجدت نفسي أميل للواقعية المفرطة أكثر من أي نوع، وبعد دخولي أجواء الفن التشكيلي ومتابعة الحركة الفنية وحضور المعارض المقامة بصالات المدينة، اقترح البعض علي فكرة إقامة معرض مشترك مع أصدقائي الفنانين التشكيلين "جبران هدايا" و"محسن خانجي" و"إبراهيم داوود"، وقدمت في هذا المعرض واحداً وعشرون عملاً متنوعاً وشاملاً في "صالة الخانجي"، وأبهرني ذلك التفاعل وكلمات الإطراء والثناء من الخبرات الفنية والحضور والمتابعين على رسوماتي التي عرضتها».

بين الطبّ والرّسم

يختم الدكتور "قصبجي" حديثه للمدونة بالقول: «الطب والفن هما التوءمان اللذان لا ينفصلان عن حياته.. العلاقة متلازمة ومتشابهة جداً بينهما، وكلاهما يناسب شخصيتي الحقيقية في الحياة، من خلال الاعتماد على الواقعية والإتقان على أكمل وجه.. ومثلما أقوم بإجراء العمل الجراحي بكل دقة وإتقان وأعطي المريض حقه من معالجة شاملة ودقيقة، كذلك هي رسوماتي تعتمد على الدقة والإتقان والواقعية المفرطة، والحقيقة في الموضوع المختار بدقة مع التراكيب وتجانس الألوان».

شهادات فنّيّة

الدكتور الفنان "زاهر عيروض" يشير إلى تميز معرض الدكتور الفنان "سعد قصبجي"، بتقديم أعمال جميلة فيها الكثير من الاحترافية الفنية العالية، اختياراته للمواضيع التي قدمها كانت موفقة جداً ولوحاته لاقت الإقبال والثناء من الجميع.

ويقول الفنان التشكيلي "جبران هدايا": «بصراحة براعته بالفن لا تقل عن مهارته باختصاص الجراحة العظمية، لديه دقة متناهية في رسوماته، لوحاته جمعت بين التقنية والحساسية واللون والتكوين بأسلوب جميل ومشوق، وما يميز أعماله معرفته بكيفية استخدام التفاصيل الدقيقة والواقعية، وهذا ما وجدناه في معرضه الأخير، رسم مواضيع كثيرة عن أحياء وأسواق وتراث المدينة، الرسم لديه عشق لذلك كان موفقاً وناجحاً لأبعد الحدود».

ويبين الفنان التشكيلي "خلدون الأحمد" أن "قصبجي" في معرضه الأول أعمال بواقعية تعبيرية ملفتة، بدى في لوحاته فناناً واثقاً من أدواته وإيقاع ألوانه، فمزج اللون بين الجمال والروعة ليسكننا بحالة من الدهشة، ونحن ننظر بعمق لأعماله المميزة.. هو فنان واقعي المشهد والتكوين في أعماله التي قدمتها ريشته بإتقان وحرفية عالية في نسج موضوعاته الرائعة.

تم إجراء اللقاء والتصوير داخل عيادته الخاصة بشارع الرازي بتاريخ الثالث من شهر تشرين الثاني لعام 2022 عن معرضه المقام مؤخراً بصالة الخانجي.