شهدت الموازين تطورات عدة قبل أن تصل إلى ما نراه اليوم من موازين إلكترونية دقيقة تلت الموازين ذات الكفين أو القبان، ففي مناطق الجزيرة السورية كان الميزان المستخدم سابقاً يسمى ميزان "البرية" وكان سهلاً وبسيطاً، حيث يقوم شخصان بوضع صندوق خشبي وفيه البضاعة، وعبر عصا يتم رفع الصندوق من خلال الشخصين، ومقابل الشخصين تكون الأوزان، وتتم معرفة وزن البضاعة.

ملف صوت:

مقال مهم:

الملخص: شهدت الموازين تطورات عدة قبل أن تصل إلى ما نراه اليوم من موازين إلكترونية دقيقة تلت الموازين ذات الكفين أو القبان، ففي مناطق الجزيرة السورية كان الميزان المستخدم سابقاً يسمى ميزان "البرية" وكان سهلاً وبسيطاً، حيث يقوم شخصان بوضع صندوق خشبي وفيه البضاعة، وعبر عصا يتم رفع الصندوق من خلال الشخصين، ومقابل الشخصين تكون الأوزان، وتتم معرفة وزن البضاعة.

كانت لدينا أرض تزرع بالخضار، ذلك الميزان كان ضمن ممتلكات صديق من قرية مجاورة، كنّا نستعين بميزانه عندما نحتاجه لوزن بضاعتنا، ولأن ذلك الصنف من الموازين لم يكن متوفراً بأعداد كثيرة، فالاستعانة به من شخص لآخر كانت متداولة ورائجة، وكنّا نكثف العمل حتّى نمنحه لأسرة أخرى تحتاجه، كل أبناء القرية يتعاونون مع بعضهم من دون مقابل، في سبيل إنجاز العمل، وهذا الأمر منذ ولادة الريف حتّى تاريخه، والعمل على ذلك الميزان كان ينطلق مع شروق الشمس حتّى غروبه، لم تكن هناك استراحات إلا لتناول الطعام

ببساطة

ظلّ هذا الميزان المتواضع والبسيط، وكان ذا قيمة كبيرة وأهمية في زمنه، يستخدمه الناس لسنين طويلة، خاصة في الأراضي الزراعيّة، ولأنه يحظى بذكريات وقصص كثيرة وجميلة، فقد لفت الانتباه ونال الاهتمام الكبير خلال وجوده في المعارض التراثية بعد نهاية عهد استخدامه.

غالب العباس مع اندراوس في معرضه

"ميزان البرية" لم يأخذ جهداً كبيراً في تصنيعه، ولم يكلف وقتاً طويلاً حتّى يتم تجهيزه، حتّى أن ثمنه لم يكن مرتفعاً في ذلك الوقت، أمّا الحاجة لذلك الميزان فقد كانت كبيرة، واستطاع أن يوفر تكاليفاً وجهداً على الفلاحين ويقدم خدمة كبيرة لهم في أراضيهم الزراعية، خاصة عملية وزن المحاصيل الزراعية كالخضار وغيرها.

تراث قيم

بعد انتهاء عهد استخدامه انتقل الميزان ليتصدر رفوف وأجنحة المعارض التراثية، ومنها معرض "اندراوس شابو" التراثي، حيث حظي باهتمام خاص ومضاعف، يجده صاحب المعرض أولوية، فهو يجذب الأطفال والشباب إلى المعرض حالياً ليتعرفوا على قيمة المواد ضمن المعرض، ومنها الميزان.

اندراوس شابو

يقول "شابو" الذي عاصر زمن استعمال الميزان: «ذلك الميزان كان حضوره بشكل أساسي في البرية، حيث يتم وزن الخضار عبره، خاصة البندورة والخيار، وبقية الأصناف التي تتم زراعتها في مناطقنا، يمكن أن تصل الكميات التي يزنها إلى 200 كغ، كان العمل فيه لساعات طويلة ضمن الأراضي الزراعية، كميات كثيرة ومحاصيل متنوعة كان يتم وزنها على ذلك الميزان وخلال هذه العملية يتبدل العمال عليه، ويستريحون أحياناً جانبه، لحين انتهاء عملية البيع والشراء، وإلى جانب الخضار المختلفة التي يتم وزنها، كانت هناك أصناف من الأكياس المخصصة لمختلف المحاصيل عبر ذلك الميزان».

ميزان الألفة

من بين الأشخاص الذين عملوا على الميزان ولسنوات عديدة، "خضر علي حاج سعدون" في قريته التابعة لبلدة "اليعربية" يروي بعض تفاصيل العمل: «كانت لدينا أرض تزرع بالخضار، ذلك الميزان كان ضمن ممتلكات صديق من قرية مجاورة، كنّا نستعين بميزانه عندما نحتاجه لوزن بضاعتنا، ولأن ذلك الصنف من الموازين لم يكن متوفراً بأعداد كثيرة، فالاستعانة به من شخص لآخر كانت متداولة ورائجة، وكنّا نكثف العمل حتّى نمنحه لأسرة أخرى تحتاجه، كل أبناء القرية يتعاونون مع بعضهم من دون مقابل، في سبيل إنجاز العمل، وهذا الأمر منذ ولادة الريف حتّى تاريخه، والعمل على ذلك الميزان كان ينطلق مع شروق الشمس حتّى غروبه، لم تكن هناك استراحات إلا لتناول الطعام».

ميزان البرية ضمن معرض تراثي

ويضيف "سعدون": «الأهم أن الميزان يحتاجه مكان آخر، وأحياناً كثيرة محلات السمانة في قريتنا أو قرية مجاورة كانت تستعين به، عندما تشتري مواد كثيرة، كانت الأجواء التي كنا نعيشها في ذلك الزمن مع هذا الميزان، أجواءً اجتماعية جميلة، نقضيها بالمرح والتسلية نتشارك معاً الطعام والشراب الذي كان له متعة ولذة رغم التعب والإرهاق، تلك العلاقات التي جمعها ذلك الميزان باقية حتّى اليوم وأنا عمري يقارب الـ70 عاماً