عندما بدأت بتقديم المساعدة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بملازمة داون، لم تفكر "سهير سلوم" في إنشاء جمعية لهذه الغاية، بل أرادت وقبل سبعة وثلاثين عاماً، تقديم المساعدة من خلال فكرة عفوية وهي جمع هؤلاء الأطفال في بيت واحد، وتأهيلهم للاندماج في المجتمع، وشيئاً فشيئاً تطورت الفكرة حتى وصلت إلى تأسيس جمعية "بيت العائلة" للعناية بأطفال" داون".

الحب أولاً

مدونة وطن زارت جمعية "بيت العائلة" في منطقة "المزرعة"، والتقت رئيسة مجلس الإدارة "سهير سلوم" أو "ماما سهير" كما يلقبها الأطفال، والتي حدثتنا عن دوافعها لمساعدة ذوي الإعاقة بقولها: «نحن في العائلة ست بنات، لدي أخوان من ذوي الإعاقة الجسدية، واجهنا صعوبات في التعامل معهما، فأرسلني والدي إلى "مصر" منذ سبعة وثلاثين عاماً وانتسبت إلى "كاريتاس سيتي" في "القاهرة" لذوي الاحتياجات الخاصة، وتلقيت تدريباً مكثفاً لمدة عامين وتخرجت الأولى على الدفعة، وكانت نقطة التحول في حياتي حيث عدت إلى "سورية" واتجهت لذوي الإعاقة العقلية ومتلازمة داون التي شعرت أنها كانت مهمشة في ذلك الوقت».

تتراوح أعمار طلاب المجموعة التي أدرّسها من العشر سنوات حتى خمسة عشر عاماً، هم كالأطفال العاديين يجب التعامل معهم بكل حب، أدرسهم المنهاجين الدراسيين لمادتي اللغة العربية والرياضيات

وتتابع: «قمت بعدة زيارات للأرياف وتركت أرقامي للتواصل في المساجد ولدى الأطباء، ووجدت أعداداً كبيرة من ذوي الإعاقة وحاولت نشر التوعية في التعامل معهم، لكنني وجدت أنه من الأفضل تدريبهم في بيتنا بمنطقة "المزة فيلات" الذي كان واسعاً، استقبلت فيه أعداداً قليلة منهم بمساعدة والدي ووالدتي وإخوتي، وضعت لهم برامج تدريبية، جميعنا عائلة واحدة كان العمل أكثر من رائع دون التخطيط لإنشاء جمعية بل كان هدفي فقط هو مساعدة هؤلاء الأطفال».

"سهير سلوم" رئيسة مجلس إدارة الجمعية

الانفتاح على العالم

"محمد حاكم الأعرجي" ووالدته "بسمة علوش"

طوال تلك الفترة كانت فكرة "بيت العائلة" غريبة عن مجتمعنا على حد قول "سلوم" التي تكمل حديثها قائلةً: «بقينا في بيت "المزة" لمدة خمسة عشر عاماً حتى كبر هؤلاء الأطفال وأصبح من الضروري تعريفهم على العالم الخارجي، وتواصلهم مع الآخرين ليعتمدوا على أنفسهم، فانتقلنا إلى "بيت العائلة" في منطقة "المزرعة" وسط المدينة، ونواصل العمل فيه منذ اثنين وعشرين عاماً، أصبح الشباب قادرين على الذهاب والعودة بمفردهم، وهدفنا الأساسي هو مساعدة ذوي الإعاقة ومتلازمة داون الذين يعانون من الفقر وغير القادرين على تحمل تكاليف التدريب والتعلم».

تأهيل واندماج

تقول "سلوم": «نستقبل في الجمعية مختلف الأعمار، وندرس منهاج المدارس الحكومية من الصف الأول للسادس، وأصبح الطلاب قادرين على القراءة والكتابة وكتابة المواضيع، قراءة الجرائد، ترجمة الأفلام وغير ذلك، وحالياً نستقبل بعضهم من مرحلة الطفولة المبكرة وأصغر أطفالنا عمره عام ونصف العام، وندرب أطفال رياض الأطفال وفق منهج اسمه "من حقي أن أتعلم"».

شهادة حاصلة عليها "سلوم"

وعن التأهيل المهني تقول: «حالياً يتعلم في الجمعية 65 طالباً، 25 منهم من الفقراء والأيتام يتعلمون مجاناً، ونحن مسؤولون عن تأهيلهم مهنياً من خلال دورات صناعة الصابون والكريمات والعطور، وشاركوا مرتين في بازار "الشيراتون"، أرفض فكرة بقاء الشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنزل عند بلوغهم سناً معينة، فذلك قد يعيده لنقطة الصفر، لذلك أسعى لتعليمهم مهنة يستطيعون تحقيق مردود مادي منها، من خلال دورات تأهيلية مسائية.. أعمارهم متنوعة حيث نراعي العمر العقلي المتفاوت فيما بينهم، تعلموا الحساب والتعامل بالنقود، واستطاعوا البيع والشراء في البازار بأنفسهم، وكانت فكرة البازار فكرة رائعة حيث تعرفوا على المجتمع بفئاته المختلفة واندمجوا فيه».

وتكمل: «يدفع باقي الطلاب رسوماً بسيطة، وبالإضافة إلى التعليم ودورات التأهيل المهني نقدم كسوة صيفية وشتوية، سللاً غذائية للعائلات المحتاجة من أهالي الأطفال في الجمعية، ونبذل جهدنا لدعم هؤلاء الأطفال من كل الجوانب، حيث حصلت على ترخيص الجمعية منذ ثمانية أشهر، وما زالت المسيرة الإنسانية واحدة قبل وبعد الترخيص، هدفنا التعليم الأكاديمي وتنمية المهارات من رياضة ونطق وتعديل السلوك بالحب والتربية لذوي الإعاقة».

عائلة واحدة

لدى سؤالنا لها عن تسمية "بيت العائلة" قالت "سلوم": «يناديني الأطفال بـ"ماما سهير" وكلنا عائلة واحدة، أتابع الطلاب ليلاً نهاراً، فبعد انتهاء الدوام التعليمي في الساعة الرابعة عصراً نتواصل عبر "واتس اب"، انا متفرغة للاهتمام بهم، وأحاول توجيههم باستمرار، فكرة البيت أعطتنا دفئاً أكبر، ونقوم برحلات ترفيهية بالتنسيق مع الأهالي، وأشعر أنهم أبنائي، وأفتخر بأنهم جزء من عائلتنا، يتعلمون بشكل أكاديمي، شارك عدد منهم في الأولمبياد الخاص وحققوا جوائز عديدة في مجالات (الجودو، الكاراتيه، السباحة، رفع الأثقال، كرة القدم، والطائرة)، وسافروا للمشاركات الدولية بالاعتماد على أنفسهم».

تحمل "سهير سلوم" رسالة مجتمعية مفادها أنه بإمكان كل شخص مساعدة هؤلاء الأطفال بالحب والعلم، لأنهم من أفراد المجتمع وبرأيها كما يوجد مريض سكري أو ضغط، يوجد مريض داون أو إعاقة علينا تقبله وألا ننظر إليهم نظرة اختلاف لأنها تؤثر فيهم وفي عائلاتهم، كما على المجتمع أن يتكاتف لحماية هؤلاء من التنمر ورعايتهم وتقديم ما يحتاجون له من غذاء وتعليم خاصةً المحتاجين منهم.

قصص وتجارب

بدورها تقول "بسمة خالد علوش" وهي عراقية الأصل والدة "محمد حاكم الأعرجي" تسعة عشر عاماً وهو الفائز بالأولمبياد الخاص: «يتردد ابني إلى "بيت العائلة" منذ اثني عشر عاماً، وهو من مرضى متلازمة داون وهو من الحالات الصعبة فهو غير قادر على الكلام، لكن بفضل تعلمه هنا تحسنت حالته كثيراً، وهو بطل في السباحة حقق المركز الثاني في الأولمبياد الخاص منذ ثلاث سنوات وتم تكريمه من قبل السيدة "أسماء الأسد"، كما أصبح أكثر تأقلماً من الناحية الاجتماعية ولا سيّما عند خروجه إلى الأماكن العامة، فقد أصبح قادراً على التصرف بسلوكيات صحيحة، كما تعلم الاعتناء بنظافته الشخصية، ومن الناحية التعليمية تعلم كتابة اسمه، أسماء إخوته ووالديه، وكتابة وظائفه باستمرار، بالإضافة إلى تعلمه الأرقام حتى رقم عشرة والأحرف الأبجدية والقيام بالعمليات الحسابية البسيطة، ويعدُّ قسط الاشتراك الذي أدفعه مناسباً وأقل من الحد المطلوب، وأشكر جهود رئيسة مجلس إدارة "بيت العائلة" "سهير سلوم" والمدربين الذين يتعاملون برقي واهتمام مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة».

عن قرب

من المدربين التقينا "هبة بامية" التي تعمل منذ ثلاث سنوات في جمعية "بيت العائلة" التي تقول: «تتراوح أعمار طلاب المجموعة التي أدرّسها من العشر سنوات حتى خمسة عشر عاماً، هم كالأطفال العاديين يجب التعامل معهم بكل حب، أدرسهم المنهاجين الدراسيين لمادتي اللغة العربية والرياضيات».

نشير إلى أنّ "سهير سلوم" رئيسة مجلس إدارة جمعية "بيت العائلة" من مواليد "دمشق" عام 1964 خريجة "كاريتاس سيتي" لذوي الاحتياجات الخاصة في "القاهرة"، اتبعت عدة دورات تدريبية في عدة دول في مجال دعم وتدريب ذوي الإعاقة، حاصلة على عدة شهادات شكر وتكريم وأبرزها لقب "قديسة العرب" عام 2018 من منظمة الألعاب العالمية للسلام في "جنيف"، وهي عضوة في المنظمة منذ 15 عاماً، وجرى اللقاء بتاريخ 27 أيلول 2022.