لم يكن وادي قرية "الغيضة" ذو العمق السحيق، المولود تاريخياً منذ آلاف السنين، المُتخم بالمواقع الأثرية، إلا بمنزلة المفتاح الخاص لموقع "بوابة السماء" المُطل على الوادي، المكتشف حديثاً، ورغم أن عمره التاريخي يتجاوز 3000 عام، فقد بات الموقع ظاهراً للعيان، بعد أن كان بحكم الميت تاريخياً، ولتحيا هذه الحضارة التي دفنت ظاهراً، إلا أنها لاتزال حية باطناً، فما كان مدفوناً وُلد من جديد ليقص علينا حكايا الماضي بحلوها ومرها.

التاريخ من جديد

يقول رئيس دائرة آثار السويداء "وليد أبو رايد" لمدونة وطن eSyria: "يتربع موقع "بوابة السماء" الذي رقد سنوات طويلة في خزائن الذكريات تحت سفح وادي الغيضة العميق، والذي يحمل أيضاً مسمىً آخر ألا وهو "وادي الغرز"، كناية عن مياهه الغزيرة، وللبوابة رونقها الهندسي الجميل، فمن ينظر إلى صخورها، تدهشه ألوانها المُتقلبة بين الأحمر والبني، والأخضر والرمادي، والتي تتخللها نباتات عطرية، رائحتها لا تزال فواحة، تلاقي زائرها لمسافة 100 مترٍ، والمُدهش أنها ما زالت حية لم تمت، رغم مضي آلاف السنين عليها".

ويضيف "أبو رايد": "المتصفح للسجل التاريخي لهذا الموقع، الذي تم إيقاظه بعد أن كان نائماً لأكثر من 3000 عام، يكتشف أنه يعود لعصر البرونز 3200 وحتى 1200 قبل الميلاد، و من أهم ما يحتضنه الموقع تلك الأبراج التي ما زالت تواقة لمن يعتلي قمتها، مراقباً من جاء الديار غازياً، لكونها على الأغلب دفاعية، والمتجول في فناء المكان سيلحظ أن ما عزز الوجود السكاني حينها هو ينابيع مياهه، التي أطفأت ظمأ من جاء المنطقة مستوطناً، فهي ما زالت موجودة تحمل بدواخلها حكايا وقصص من بنى وسكن".

القرية قديماً

ويشير "أبو رايد" الاى أنه ومن خلال توثيق المكان الذي لا يمل زائره من التجول داخله، تم اكتشاف وتسجيل العديد من النقوش التي تحمل رسومات لحيوان الوعل البري، الذي من المرجح أنه كان كثيف الانتشار في تلك المنطقة، حيث كان يرعى بين قطعان الماعز الجبلي، إضافة لتوثيق العديد من المعالم الأثرية، التي تؤرخ لفترات طوتها السنين، لكن أحيتها من جديد الاكتشافات الأثرية، كقنوات جر المياه، والكهوف، والأبواب الحجرية".

حديث الطبيعية

بعد أن طوى أهالي قرية الغيضة تاريخ قريتهم القديم في ألبوم صورهم، جاءت المكتشفات الأثرية لتحيي عندهم حكايا من رحلوا منذ آلاف السنين، ولا سيما أن أرواحهم ما زالت ساكنة هذا المكان لم تغادره.

الرسوم والمكتشفات

يقول مدير سياحة السويداء "يعرب العربيد": إن الصورة البصرية والمشاهد الطبيعية، التي يمتاز بهما موقع بوابة السماء، المعانق لوادي الغيضة قديماً وحديثاً، تأخذك إلى حضارةٍ ولدت في العصر البرونزي، وهي وإن غابت دهراً فقد عادت للحياة مجدداً لتحدثنا، ودون تزين ورتوش، عن أيام زمان، فما كان غائباً بالأمس بات حاضراً اليوم، فروح الحياة باقية في هذه الأوابد لكنها تحتاج لجرعة من الأوكسجين المنعش لها، فالمكان المُطل على وادي الغيضة، والذي أسس لقرية الغيضة الحديثة، كان محصناً، لكونه كان مسكوناً، فهو يعلوه برجّا مراقبة من المرجح أنهما دفاعيان، يعود تاريخهما إلى عصر البرونز، وقد بنيت منازل القرية من حجارة المنطقة البازلتية، وفق طريقة معمارية جميلة، على سفح وادي الشام ذي العمق السحيق، والذي يعد ممراً استراتيجياً لقاطني المنطقة قديماً، إضافة لذلك يعد هذا الوادي المغذي الرئيس لسد الزلف.

ويبين "العربيد" أن الوادي نشأ من الأعمال الحتية المكونة في الزمن الجولوجي الرابع، عدا عن ذلك تشتهر القرية المبنية على سفح الوادي، بكثرة مغرها الطبيعية حيث استخدمت لتربية المواشي أو كمستودعات لتخزين الحبوب وغيرها من المستلزمات في تلك الحقب، ويبدو أن اختيار سكان هذه القرية في هذا الموقع مرده بالدرجة الأولى إلى توافر مستلزمات العيش والبقاء خاصة المياه، لكونه يقع بالقرب من القرية نبع ماء طبيعية ذات مياه عذبة صالحة للشرب ومياهه لم تنضب لتاريخه، والأهم هو وجود مطحنة لطحن القمح تدار رحاها على المياه، وأدواتها ما زالت موجودة حتى اليوم وهي بحاجة لبعض أعمال الصيانة لإحيائها من جديد.

وليد أبو رايد