لطالما ارتبط اسم الجمعيات أو النوادي المتنوعة الأهداف بالمجتمع المحلي بهدف الارتقاء بالواقع وتطويره في شتى المجالات، وإعادة الألق لروح المجتمع السوري الذي أنهكته سنوات الحرب الظالمة وتداعياتها اللاحقة، ما جعل من هذه الجمعيات والنوادي بمنزلة نافذة للعمل المجتمعي والتطوعي في آن معاً.

ويشكل "النادي الأهلي الاجتماعي" في مدينة "صافيتا" واحداً من هذه الجمعيات التي حددت مسارها لخدمة العمل المجتمعي وإطلاق المبادرات التنموية بمشاركة الجهات الرسمية والأهلية.

ظروف التأسيس

يوضح رئيس مجلس إدارة النادي الدكتور "سامي يعقوب" في حديثه للمدوّنة ظروف تأسيس النادي وهيكلية عمله بالقول: "ما دفعنا إلى التأسيس عاملان، الأول وجود الرغبة والعزيمة لدينا لخدمة الشأن العام، والثاني هو حاجة المجتمع للمساعدة في العديد من المجالات، وقد تبلورت الفكرة في عام 2017 حيث تقدمنا بطلب التأسيس إلى الجهات الرسمية المعنية، وحصلنا على الترخيص وإشهار الجمعية من وزارة الشؤون الاجتماعية في شباط عام 2020".

ويضيف" يعقوب": "بحسب قانون الجمعيات الأخير عام 2020، فإن على كل جمعية أهلية اختيار أهداف محددة تتناسب مع توجهاتها، ومن أهم أهداف النادي نشر وتعميم الفعاليات الثقافية ورعاية المبدعين ودعم الإبداع، وتوثيق ثقافة وهوية المجتمع، فضلاً عن زيادة التواصل الاجتماعي والترفيه".

استمرار التفاعل

ويؤكد "يعقوب" أن للجمعيات القدرة على أرشفة وإحياء الهوية الثقافية والتراثية والإجتماعية، مع الأخذ بالحسبان أن إحياء الهوية لا يعني العودة إلى الماضي فقط، بل الارتكاز على الأسس المادية والثقافية الجميلة فيه، مع إضافة المقومات العصرية إليه، مما يؤدي إلى استمرار التفاعل، ويطرح مثالاً على ذلك "الجمعيات الأهلية الأوروبية والأساليب المتبعة في الحفاظ على جماليات تعود لمئات السنين، دون أن ننسى أن مشروع إحياء التراث يتطلب اهتماماً من الناس أيضاً بالإضافة إلى التنسيق مع الجهات الرسمية، وتأمين الكوادر العلمية والفنية و الموارد المالية له".

البناء من الخارج

ويتابع" يعقوب" حديثه بالقول: "انطلاقة النادي لم تتأثر بموضوع هجرة الشباب، لوجود أعداد مشجعة من الشباب والصبايا، والنادي هو حالة اجتماعية تستطيع التعامل مع المجتمع على

اختلاف ظروفه وسكانه، علماً أن التواصل والتعاون مع الشباب والأطفال لضمان لاستمرار النادي المرتبط بالمستقبل".

البناء من الداخل

استقلالية

يعتمد تمويل النادي حالياً على مبادرات فردية، وحسب رئيس مجلس الإدارة ثمة طموح للتواصل مع المغتربين من أبناء "صافيتا" وكذلك الجهات المانحة العاملة بها في "سورية"، مع التأكيد أننا في النادي مستعدون لقبول المساعدات المالية والفنية من الراغبين، لكننا حريصون على استقلالية قراراتنا، وعلى المحافظة على آليات العمل التي نعتمدها وتبقى مرجعيتنا الرسمية والقانونية هي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

وعن مقر النادي يقول "يعقوب: "هو بيت قديم يتجاوز عمره مئة عام، بناه معماري من "ضهور الشوير" من عائلة "أبو صعب"، ويعد البناء تحفة فنية وهندسية، وقد تمت عملية ترميمه بإزالة غبار السنين عنه، واسترجاع معالمه التي خربها عامل الزمن، فيما ستكون جميع الإضافات منسجمة مع روح وقوام هذا المكان، وبالمحصلة سيحمل هذا البيت اليوم كما حمل في الماضي كل معاني الدفء والكرم و المحبة، فاتحاً ذراعيه ومرحباً بالجميع".

فرادة التجربة

يرى "يعقوب" ذو التجربة الريادية في النشاط البيئي والاجتماعي والإنساني، أن هذا النادي هو تجربة فريدة وشائقة، وكأي عمل يكون التأسيس مرحلة دقيقة وصعبة تشبه ولادة الطفل، لأنه يقوم على دعامتين "العمل التطوعي والعمل الجماعي"، لكن تحضير هذه الدعامات وتثبيتها يتطلب أيضاً وجود الحرفيين المهرة والوقت الكافي، فالانتقال من مرحلة العمل الفردي إلى العمل الجماعي تتطلب وقتاً وجهداً وإصرارا ومثابرة.

وعن المعوقات يضيف: "هناك بعض المعوقات ذات الطابع الإداري التنظيمي وهي بسيطة، ونطمح لمزيد من الاهتمام من قبل الجهات والمؤسسات الرسمية، فهذه النوادي هي رديف وداعم حقيقي للعمل، يسعى إلى ترسيخ ثقافة القانون والعمل المؤسساتي، فمع تفاقم

الأزمات تزداد أعباء الدولة والمجتمع خاصة في الحروب، وهنا تزداد الحاجة إلى الجمعيات الأهلية".

التفاعل الشعبي

وفي السياق نفسه يقول "ميشيل حنا" رئيس بلدية "صافيتا" : "فكرة مساهمة المجتمع الأهلي في تنمية المجتمعات المحلية ليست جديدة، لكنها خلال الحرب العدوانية على بلدنا أخذت حيزاً من الاهتمام، خصوصاً بعد فرض العقوبات والحصار الإقتصادي، ونحن كمجلس مدينة نشجع وجود مثل هذه الجمعيات والنوادي لكن وفق ضوابط وأسس محددة، و لأن هدف النادي هو تنمية الحالة المجتمعية بمختلف أشكالها، فهذا بحد ذاته ينعكس على المجتمع بفوائد عديدة ومتنوعة في المستقبل، مع الإشارة إلى أن وجود الجمعيات الأهلية لا يمكن أن يأخذ دور الهيئات الحكومية، لأن التجربة أثبتت أن المؤسسات الحكومية هي الأقدر على تخديم المجتمع والمواطن، لكن في ظل الظروف الراهنة يمكن أن تلعب هذه الجمعيات إلى حد كبير دوراً مساعداً في تخفيف جزء من الأعباء عن الجهات الحكومية في ظل الحصار المفروض على بلدنا".

داعمون

ويضيف "حنا": "يوجد في "صافيتا" عدد من الجمعيات الأهلية لكن معظمها يقتصر نشاطه على الجانب الإنساني ومساعدة الفقراء والمحتاجين وبعض النشاطات الثقافية والفنية، لكن حتى الآن لم نلمس من هذه الجمعيات مشاركة جدية في مشاريع تنموية تنعكس على المجتمع ككل، وإن كانت هناك مبادرات فهي مبادرات خجولة، أما بالنسبة للنادي الأهلي الاجتماعي، فمن خلال الاطلاع على أهدافه المعلنة والمشهرة بقرار الترخيص، يبدو استقطابه وتوجهه لجميع الفئات العمرية، ثقافياً وفنياً واجتماعياً وتنموياً، ونحن بدورنا نشجع أي مبادرة تهدف إلى تنمية المجتمع المحلي وتعزز ثقافة المشاركة بين المواطن والدولة لتطوير وتحسين المجالات الخدمية وغيرها".

ويشير "حنا" إلى أن المجالس المحلية التي تعمل وفق أنظمة وقوانين محددة، يمكن أن تقدم الدعم للجمعيات الأهلية التي تتقدم بمبادرات تنموية من خلال تقديم الخبرات والدراسات وتسهيل الإجراءات اللازمة لانطلاق هكذا مشاريع.