ودَع الفنّ السوري الفنان "نهاد عرنوق" والذي يعد هامة من هاماته الفنية الكبيرة، التي أغنت الأرشيف السوري بالفن الراقي الذي تطرب له الأذن ويسلطن عليه (سميعَةُ) الزمن الجميل، ليترك أرشيفاً من الأغنيات التي تفيض تميزاً تخلده الذاكرة.

بداية المشوار

السيدة "سها آوي عرنوق" زوجة الفنان الراحل تتحدث للمدونة عن "نهاد" الإنسان الذي ولد عام 1935 في قرية "بصيرة" المحاذية للبحر والتابعة لمتن الساحل في "طرطوس"، عاش في منزل أهله المشهور بشبابيكه وأبوابه المطلية باللون الأحمر، وحديقة محاذية تضم بئر ماء، هذا المشهد المقترن بالبيئة كوَّن شخصية "عرنوق" البسيطة والمتسامحة وخفيفة الظل.

تسرد زوجة الراحل مسيرة زوجها الراحل الذي عمل موظفاً في مؤسسة التبغ والتنباك في "اللاذقية"، ثم قصد "دمشق" للعمل والتحق بفرقة الكورال التابعة للإذاعة والتلفزيون عام 1960 وظل فيها عامان، في تلك الفترة غنى أغنية "هديلي هديلي" التي لاقت رواجاً كبيراً ومنها كانت الانطلاقة، وأصبح موظفاً رسمياً في إذاعة دمشق، أثناءها كان على الفنان أن يقدم للإذاعة أغنية واحدة على الأقل سنوياً يتقاضى عليها مبلغ 150 ليرة سورية، كما سافر إلى "الجزائر" مرتين مع فرقة الفنان "موفق بهجت" لتكون هذه الحفلات نقطة تحول في حياته الفنية والمعنوية والمادية.

نهاد عرنوق

أرشيف فني

الإعلامي عدنان بكرو

تجاوز عدد أغاني المطرب الراحل 102 أغنية كما ذكرت زوجته، تغنى فيها بالوطن والبحر والطبيعة، وقد تم تجميعها في "سي دي" للاحتفاظ بها.

وتؤكد" عرنوق" رفض الفنان الراحل العروض التي كانت تقدم له والبعيدة عن قناعاته، لذلك قرر بعد زواجه عام 1993 الاستقرار في "طرطوس"، وتقاعد في نفس العام من الإذاعة والتلفزيون، مشيرة إلى الدور الإيجابي لنقابة الفنانين الذين كانوا نعم السند له، حيث رافقهم في مجلس النقابة في "طرطوس" لدورتين متتاليتين، حتى اعتذاره عن العمل نهائياً ليكون العصر الذهبي له فنياً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

الفنان والإعلامي نغم عرنوق

وبعد التقاعد ورغم توقفه عن الغناء- تقول "عرنوق" - ظل صوته يزّين جلسات العائلة والأصدقاء، وكان الجميع يناديه بالخال، ليغادرنا في 16/9/2022.

بطاقة شكر

لم يكن هاجس الشهرة يقر مضجعه، لأنه كان مكتفياً وشاكراً لمحبة الناس له، لذلك لم يترك وصية تتعلق بإرثه الفني، وبعد وفاته ترغب "عرنوق" بالتعاون مع شركة فنية لاختيار أجمل أغانيه وتسجيلها لينشر بين الناس بطريقة تليق بمسيرته الحافلة.

وتلفت "عرنوق" إلى أن مجموعة "عبق الموسيقية" ستقوم بإدارة المهندس "سيزار ضيعة" بتحضير باقة من أغاني الفنان الراحل، وتقدمها في أمسية فنية في المركز الثقافي العربي في "طرطوس"، وفي نفس السياق تتقدم "عرنوق" بالشكر إلى سيادة مطران أبرشية عكار و طرطوس "باسيليوس منصور" والذي قام ببث أغنية أو أغنيتين يومياً للفنان "نهاد عرنوق" في إذاعة السلام.

على شرفة منزله

الصحفي والإعلامي في إذاعة دمشق والتلفزيون السوري "عدنان بكرو" يقول في حديثه للمدونة: "عرفت الفنان عرنوق منذ 15 عام تقريباً وكنت من المعجبين بفنه، كان برنامجي التلفزيوني "خطرنا على بالك" يُبث عام 2006، استضفت به كبار النجوم السوريين الذين أثروا أرشيفنا، نذكر منهم :"رفيق شكري، نجيب السراج، ياسين محمود، مها الجابري، مصطفى نصري وبالتأكيد نهاد عرنوق" وغيرهم، وخلال البرنامج توجهت مع فريق عمل "خطرنا على بالك" إلى قرية "بصيرة طرطوس"، حيث منزل عرنوق واستقبلنا متأثراً لأنه لم يلتق منذ سنوات بالصحافة والتلفزيون، جلسنا على الشرفة المطلة على البحر وأخبرني أنه سابقاً جلس في نفس المكان فنانون كبار منهم" وديع الصافي وصباح فخري ونصري شمس الدين" وعدد من كبار الملحنين، أجريت معه الحوار ليذهلني بتواضعه ونبله وهو الذي أغنى الأغنية السورية بالكثير، حيث كان حريصاً على تقديمها باللهجة السورية من حيث الكلمة الرصينة واللحن المتوازن المرافق للأداء الرائع، وتجدر الإشارة إلى خامة صوته التي اشتهرت بالعُرب الواسعة التي جعلته في مقدمة المطربين السوريين في أداء العتابا والموال الجبلي والأغنية الشعبية".

غنى للوطن

ويتابع الإعلامي" بكور": "شارك الراحل "عرنوق" في المسرح العسكري ثم في فرقة أمية، حيث قدم الأغنيات الدارجة والفلكلور السوري، وغنى الأغاني الوطنية ومواسم الخير والبحر و غيرها، وأشهر ما غنى لسورية "يا سورية شو كبرتي، وعنوان الأمة صرتي، مهما يرموا عليكي سهام، بتضلك أنتي انتي، جبينك عالي يا سورية"، وذكر لي أيضا زيارة الفنان "معن دندشي" لمنزله وتلحينه أغنية "هديلي هديلي" لتكون من أهم الأغنيات الشعبية التراثية في "سورية"، بالإضافة لمشاركته في معظم مهرجانات الأغنية السورية وحفلات التلفزيون السوري في برنامج ليالي الشام، كما شارك في المهرجانات العربية ونال عدة جوائز، و للأسف فقد غنى البعض أغانيه من دون استئذانه وكان متسامحاً تجاه هذا الأمر.. عندما يصدح "عرنوق" يتخيل للسامع أن من يغني هو "وديع الصافي" أو "نصري شمس الدين"، حتى أطلق عليه لقب "وديع الصافي سورية".

ويشير "بكور" أنه برحيل الفنان "عرنوق" نكون قد خسرنا أحد أبرز رواد الأغنية السورية في الزمن الجميل، الأغنية السورية التي كانت في مقدمة التيارات الغنائية العربية، هذه الأغنية التي تراجعت اليوم، رغم امتلاكنا للأصوات المميزة وتعطش جمهورنا لها، مبيناً أن الفنان "عرنوق" من الفنانين الذين لم يأخذوا حقهم بما يتناسب مع إمكانياتهم وعطائهم.

إيقاع خاص

بدوره يقول الفنان والصحفي "نغم عرنوق": "كان الفنان الراحل في بداياته الفنية، و كنا نلتقيه في سهرات خاصة ونستمع إليه يجود ويغني بصوته الجميل، ولطالما شاهدنا مشاركاته على التلفاز في سهرات فنية أو في أعمال تلفزيونية منوّعة، وعندما تبثَ الإذاعة إحدى أغانيه، كنّا نعرف صوته بشكل واضح لا لبس فيه قبل أن يقول المذيع اسمه، إذ كان في صوته إيقاعٌ خاصٌ لا تخطئه الأذن، ولكنه لم يوفّق بملحنين مبدعين يكتشفون إمكانات صوته ومساحاته وقدراته الفنّية، إلّا في القليل من الأعمال التي اشتهرت له.. وإلّا لكان نال شهرة تفوق ما ناله بأضعاف، ولكان استمر في العطاء لفترة أطول بكثير من فترة نشاطه الفنّي التي قدمها.