"في أثناء دراستها في كلية الآداب قسم الآثار والمتاحف، اتجهت الفنانة التشكيلية "هدى بطمان" إلى الرسم فالتحقت بمركز "سهيل الأحدب" للفنون التشكيلية، وتدربت على يد أمهر الفنانين فيه، ورسمت بالألوان الزيتية لوحات من التراث الشعبي والإسلامي، وصقلت موهبتها بالتدرب على يد الفنان "أسامة عيسى" صاحب الباع الطويل في عالم البورسلان والسيراميك والقيشاني، وبمساعدة والدها الفنان التشكيلي "عبد القادر بطمان" استطاعت تنفيذ لوحة فسيفساء أصلية في المنزل الذي تحوّل إلى تحفة فنية زاخرة.

من البداية

تقول "بطمان" في حديثها للمدوّنة: <<ولدت في "السعودية" عام 1982، وقضيت فيها أحد عشر عاماً، ولم يكن لمادة الرسم تلك الأهمية الموجودة في "سورية"، واقتصر نشاطي الفني على بعض الأعمال التي تعلق على جدران الفصول، وقد تأثرت بوالدي حيث كان يعمل في مجالات متنوعة ويحب تجربة الخامات كالعمل بالصلصال وحفر الخشب والرسم الزيتي، وهذا انعكس على أعمالي فيما بعد، ثم انتقلنا للعيش في "سورية"، وقد اشتركت بفترة دراستي بمعارض المدرسة وبعدة مسابقات للرسم، وكان والدي خلال هذه الفترة يكلفني ببعض الأعمال وأظن أنني كنت خير معيل له وخاصة الرسوم الدقيقة التي تحتاج إلى صبر وأناة>>.

صقل الموهبة

وتضيف الفنانة بالقول: <<بعد دراستي الثانوية انتسبت لكلية الآداب قسم الآثار والمتاحف، ولكي أعيش شغفي بالرسم انتسبت لمركز "سهيل الأحدب" للفنون التشكيلية، وكان ذلك في فترة الصيف تزامناً مع دراستي في الكلية، وتدربت على يد الأساتذة "فايز عبد المولى" بمادة التصوير فاكتسبت منه الخط ودقة الرسم، والأستاذ "ماجد صابوني" مدرّس مادة الحفر، والأستاذ "بديع العوير"، والآنسة "رجاء الريس" وكلهم أكسبوني خبرات جيدة، وتدربت أيضاً عند الحرفي "أسامة عيسى" صاحب الباع الطويل في عالم البورسلان والسيراميك والقيشاني، وبقيت عنده أتدرب ثلاثة شهور صيفاً، واكتسبت الخبرة في هذا المجال إضافة للدقة والأناة والصبر وفهم عمل السيراميك بشكل جيد>>.

من أعمال الفنانة هدى بطمان

وعن مشاركاتها الفنية تشير "بطمان" إلى أنها وخلال دراستها بمركز الفنون شاركت بعدة معارض لطلاب المركز، وبعد تخرجها منه شاركت بعدة معارض لفناني المحافظة بمركز نقابة الفنانين قرب "ناعورة الجسرية"، وشاركت بمعارض من خلال التواصل الاجتماعي بعد انتشار أعمالها الواسع، فدعيت للمشاركة بمعرض بـ"ألمانيا" يتم التحضير له ومعرض للفنون التطبيقية.

مسيرة فن

بعد تخرجها من الجامعة عملت الفنانة في متحف "حماة" لفترة من الزمن لاكتساب الخبرة والخوض في مضمار الدراسة وفيه عملت في قسمين الأول متخصص برسم القطع الأثرية، والثاني في مجال المخبر بتنظيف القطع الأثرية، وأثبت جدارتها في العمل بشهادة موظفي المتحف ومديره، ولقرب الآثار من التاريخ درست مادة التاريخ لعشر سنوات في مدارس خاصة مثل مدرسة "كريم رضا سعيد" (ملجأ الأيتام للإناث) إعدادي وثانوي.

من أعمال الفنانة هدى بطمان أعمال شاملة

تتابع "بطمان" حديثها بالقول: <<استهواني الفن الشعبي فرسمت اللوحات الزيتية التي كانت تباع في محل والدي للسياح الأجانب، ومن خلال صفحتي الفيس، و(شرقيات بطمان) وهو محل لوالدي، ونشرت أعمالي عام 2021، ولم تكن الصفحة مقتصرة على محافظة "حماة" بل تعدتها للمحافظات الأخري وللعالم خارج الحدود>>.

تحف فنية

وتضيف: <<تركت مجال التدريس لانشغالي بأطفالي، ولكنني استمريت بالعمل ضمن البيت لتنفيذ الأعمال الفنية لأقاربي ومعارفي، وعندما اشترى والدي بيتاً جديداً أحببنا تزيينه ليكون مركز راحة للزائر والمقيم، فنفذنا فيه لوحات فسيفسائية للأرضية حتى غدا تحفة فنية، وقد ساعدني بعملي هذا كل أفراد عائلتي، ومجمل اللوحات الفسيفسائية المنفذة بالبيت ومساحتها حوالي 20 متراً مربعاً، استغرق العمل بها حوالي 9 أشهر في أوقات فراغي، وما زالت في حالة عالية من الجودة، وهناك بعض الأشكال نفذتها ببحص مختلف الألوان وعالي الجودة من حيث الصلابة ليتحمل ضغط الأرجل>>.

الفنان محمود شيخوني

ومن أعمالها حسب ما تقول: <<القيشاني وهي عبارة عن 240 بلاطة قيشاني رسمت عليها بالأكاسيد وتم شيُّها بالفرن وغطت عمودين في حديقة المنزل، وكان والدي يجلخ لي جانبي كل بلاطة لتسهيل تركيبها على بعضها عندما يقوم المبلط بتنفيذها، وكانت المقاسات محسوبة بدقة متناهية في تلبيس كل عمود حتى إن الفنانة التشكيلية "سهام منصور" تعجبت من دقة الرسم على البلاط وبراعة التركيب على العمود، وفي شكل منفذ استعملت بلاطاً صغيراً يظهر الجمالية باستخدام الزخارف النباتية عن طريق تكرار الوحدة الزخرفية وتشكيل خطوط وأشكال متصلة منفذة باللونين السماوي والبرتقالي الحار، والعمل منفذ ومقاوم للعوامل الجوية كالبرودة والمطر وأشعة الشمس الحارقة وقد مضى على تنفيذ هذا العمل ما يقارب 20 عاماً>>.

تابلوهات ومنمنمات

ومن أعمالها أيضاً "تابلوهات قيشاني" والتي صنعت كل منهما بمقاس (56،68) سنتيمتراً، رسم على كل منهما طيران يشبهان إلى حد ما الطواويس وبعد الشيّ بالفرن ظهر اختلاف بين كل تابلو من حيث الألوان بسبب الحرارة والأكاسيد علماً بأن الرسم واحد، وكذلك نفذت زخارف نباتية حفرتها على قنطرة رخامية لتزيين ديكور الممر والمغسلة عن طريق الحفر بمادة الأسيد، ثم ملأت المكان المحفور بمعجونة سماوية قوية من حيث الالتصاق لتطابق ديكور الممر العام، ومن ينظر لهذا العمل يظن أن العمل منفذ من ساعات وليس من 17 عاماً.

ومن جملة الأعمال التطبيقية التي نفذتها أعمال تحاكي الفن الشعبي مثل لوحات "الزير سالم، عنتر وعبلة، رحلة الحج، والكتاب والطلبة قديماً"، وكانت معظم هذه المنمنمات التي نفذتها على ورق الرسم تباع في محل والدها.

الرسم على البورسلان

وتبين "بطمان": <<نفذت مؤخراً دفعات من الرسوم على الصواني والصحون وأكواب البورسلان وصحون السجائر وفناجين القهوة، هذه الأعمال نفذت قسماً منها بالشي، حيث أقوم بتلبية تواصي من "حماة" وباقي المحافظات، طبعاً حسب رغباتهم مثل كتابة اسم أو عيد ميلاد أو رسومات خاصة بشهر رمضان أو العيد، كما نفذت رسومات بالألوان الزيتية، وهي مجموعة لوحات قسم منها تم بيعه، وكذلك تم تنفيذ مجموعة من الرسوم على الجدران بالألوان الزيتية وذلك منذ 10 سنوات، وما زالت محافظةً على جمالها ورسومات على صحون فخار وصواني خشب وشمعدانات وجرار فخار نفذتها بشكل فني دقيق، فضلاً عن الرسم على الزجاج،

وهي مجموعة أعمال منها ما كان لسقف منزل أو زجاج أبواب وكؤوس شراب ماء وصوانٍ للضيافة لونتها بألوان ركبتها يدوياً وهي لا تتأثر بحرارة الضوء كالألوان التي في الأسواق والتي تتغير بفعل الحرارة مع الأيام، ولوحات سقفيه تركب على كورنيش الجصية المثبتة في أسقف البيوت>>.

وتحصر الفنانة أبرز الصعوبات التي تواجهها بغلاء الألوان بشكل كبير ومعظم المواد الفنية، وجشع الحرفيين في أسعار القطع الفخارية والخشبية، والضائقة المادية لدى الناس ما انعكس على المبيعات، ومشكلة عدم استيعاب البعض لقيمة العمل اليدوي، ففي "أوروبا" -كما تقول- "يقدس الفرد عندهم العمل اليدوي بينما هنا يقارن العمل اليدوي بأعمال المعامل التي تنتج منها آلافاً والتي ينقصها الروح، فيما يبقى للعمل اليدوي أحاسيس الفنان ومن الصعب جداً أن ينتج عملين متشابهين، فلكل عمل طابع خاص ومثال على ذلك تابلوهات الطواويس".

شهادات أكاديميين

"محمود شيخوني" فنان أرابيسك يقول عن تجربة الفنانة "هدى بطمان": <<"هدى" فنانة مجتهدة وموهوبة منذ كانت في مركز الفنون التشكيلية، مارست كل أشكال الفنون من رسم ونحت وحفر واكتسبت خبرات فنية كبيرة وكونها تربت في بيئة فنية فوالدها الفنان التشكيلي والناقد "عبد القادر بطمان" الذي دعم خبراتها، وساهمت دراستها الجامعية بقسم الآثار والمتاحف بصقل موهبتها، ولها لوحات زيتية رائعة تمتاز بقوة تشكيلها وقوة خطوطها، موضوعاتها عن الطبيعة والأوابد التاريخية والطبيعة الصامتة، وكذلك رسوم على الفخار والأواني من صحون وصواني خشبية معتمدة على الزخارف النباتية وبعض الأشكال التجريدية ولها أعمال تراثية رائعة في فن القيشاني (تابلوهات وجدران) مكسية بالقيشاني، ورسمت على الصحون وفناجين الشاي، بتفاصيل جمالية تراثية غنية بالقيم التي تجلت من خلال نقوشها وزخارفها المستلهمة من الزخارف والزهور بتداخل زخرفي جميل جعلت منها تحفة فنية جمالية أصلية، أما في مجال الفسيفساء فقد نفذت أرضيات ومساحات كبيرة في البيت تحاكي بجمالها أرضيات الفسيفساء الأثرية السورية المكتشفة، حيث الزخارف النباتية والرسوم الحيوانية والإطارات الهندسية البسيطة المنفذة بدقة وذوق جمالي رائع، ولها تجارب لوحات شعبية "عبلة وعنتر" والزير "سالم".

"سهام منصور" فنانة تشكيلية ومدرسة في معهد إعداد المدرسين للفنون تشيد بجربة الفنانة "هدى بطمان" وتقول: <<"هدى" فنانة موهوبة، نفذت أعمالاً فنية تزيينية رائعة في مجال العمل اليدوي واهتمت بسيرة "عنترة" و "بني هلال" وبأعمال "أبو صبحي التناوبي" الدمشقي، واعتنت بالحصان المجنح ونفذته على الجرار الفخارية بالألوان الزيتية، كما اهتمت بالزخارف النباتية المتنوعة ونفذتها على صحون زجاجية وفخارية وخشبية وعلى الصناديق الخشبية للمناديل اليدوية، معتمدةً على الأسس الزخرفية التزينية المنقولة والتي تتوافق مع التقنيات الجمالية دون اعتمادها على الصياغات التشكيلة الإبداعية الحديثة، ومن جهة ثانية نفذت مع والدها أعمالاً شاقة (بالفسيفساء الأصيل)، أتمنى أن تقوم بمزاوجة بين معطيات الواقع الزخرفي المألوف مع الخيال لتصل إلى صياغات تشكيلية تجعلها أكثر انفلاتاً من قيود الزخرفة المألوفة في الأعمال التقليدية>>.

أجري هذا اللقاء في 1 أيلول 2022.