استطاع الباحث الأثري الدكتور "خالد كيوان" -نتيجة لبحثه العلمي الأثري- أن يكشف النقاب

عن الأعمال الزراعية التي كانت سائدة في "جبل العرب" في عهود تاريخية قديمة، تعود إلى عصر "الهلنستي" أي إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وذلك في دراسة توصل فيها إلى نتائج بحثية تدلل على الأهمية الزراعية للمنطقة وانعكاسها على الاقتصاد ككل.

مذكرات "زينون"

يرى الباحث "كيوان" مدير فرع جامعة دمشق في "السويداء" في حديثه لموقع مدونة وطن eSyria، أن المنطقة الجنوبية كوّنت أهمية في عالم الزراعة وتاريخها، وأصبحت "سورية" الجنوبية في العصر "الهلنستي" بلداً مهماً للزراعة والبستنة، وقد بدأ التقدّم في هذه الأمور في عهد "البطالمة" ولا سيّما في الجزء الجنوبي من "سورية" والمدن الفينيقية و"فلسطين"، بينما كانت "مصر" خاليةً من الأشجار حينذاك وتعتمد على شجر أرز "لبنان" الذي كان تابعاً لملكية الملك، وعلى شجر البلوط من "جبل العرب".

الأستاذ الدكتور خالد كيوان

ويوضح "كيوان" بأن أهم مصادر دراسة الزراعة وما يرتبط بها من تجارة في جبل العرب بالعصر الهلنستي، تتجلى في مذكرات "زينون" وهي عبارة عن مذكرات إدارية وتجارية تؤرخ لمنتصف القرن الثالث ق.م جاءت على ذكر حوران، ومن الأهمية الإشارة إلى وجود الأنباط في جنوب "سورية في جبل العرب وحوران"، إذ كان لهم نمط إنتاج واستهلاك غذائي معيّن، فكانت معظم بلادهم تنتج الثمار ما عدا الزيتون، فاستخدموا بديلاً عنه زيت السمسم الذي كان يزرع في "فلسطين" وأجزاء من "الأردن" في ذلك العصر، كما أشار إلى ذلك "استرابون" في كتابه "جغرافية استرابون" ووردت كلمات نبطية مرتبطة بالزراعة والثمار مثل: "كروم/ ك ر م ي ن"، "زيت/ م ش ح"، "التين البري/ ش ق م ي ن"، "التمور/ ت ر ع ا".

في موقع "سيع"

يشير الدكتور "كيوان" إلى أن أهمّ مثال عن الزراعة وبحسب المصادر الأثرية والتاريخية، ما وجده "دنتزر" مدير البعثة الأثرية الفرنسية العاملة جنوب "سورية"، في موقع "سيع" وهو عبارة عن قاعدة تمثال يذكر منطقة "الأورانتيس" (حوران) ويؤرّخ إلى القرن الأول ق.م، حيث تعدُّ أفضل منطقة للدراسة، تلك الواقعة بين "السويداء" حتى الهضاب نحو "سيع" جنوباً وعلى طريق "السويداء"، قنوات والمملوكة من قبل الدولة، وهي عبارة عن منطقة صغيرة مملوءة بالأشجار النباتية من البلوط، وتشير إلى وجود نسيج ريفي متميز بالمرتفعات والمزارع والقرى الصغيرة المنعزلة وخزانات المياه ومنشآت زراعية مثل معاصر العنب وهي من الفترة الرومانية، كما تعدُّ المنطقة الواقعة غرب جبل العرب والقسم المركزي منه غنية بالحقول الزراعية.

الباحث الأثري نايف الجباعي

سر المياه

من الصور الأثرية

وحول أنواع الزراعات التي سادت يشير الآثاري الدكتور "كيوان"، إلى آثار المعاصر والمطاحن المؤرخة من القرن الأول ق.م والقرن الثاني الميلادي، والتي تمَّ العثور عليها من المصادر المهمّة في دراسة الإنتاج النباتي لدى مناطق انتشار الأنباط جنوب "سورية"، والتي اختلفت تضاريسها بين سهل وجبل وبادية وتباين مناخها ما أثّر في الزراعات التي تمّت دراسة أنواعها والأساليب المتبعة في الزراعة بالمنطقة وهذه الأنواع هي الزراعة المكثفة التي انتشرت في مناطق توفر المياه السطحية والمياه الجوفية كالينابيع، وتمّ تكثيف الزراعة في هذه الأراضي لتلبية احتياجات السكان، وكذلك الزراعة المختلطة والمقصود بها الزراعة التي يرافقها تربية الماشية والأغنام بهدف توفير المنتجات الحيوانية اللازمة وكان شائعاً هذا النمط في منطقة حوران، وهناك الزراعة البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار فهي تشكل المصدر الوحيد للزراعة، والزراعة بنظام المصاطب حيث تتحوّل المنحدرات إلى مصاطب بشكل مدرجات ذات أسطح مستوية صالحة للزراعة لتقليل انجراف التربة.

قيمة بحثية

بدوره يبين الباحث التاريخي "نايف الجباعي" أن الدراسة التي قام بها الدكتور "خالد كيوان" والمتضمنة الإشارة إلى تاريخ الزراعة في جبل العرب ومنطقة الجنوب السوري ولا سيما "حوران" و"السويداء"، تجعلنا أمام مرجع علمي تاريخي أثري مهم، إذ استطاع تحديد الأنماط الزراعية وأنواعها في دراسته، وتحديد المواقع والأماكن والقيم الإنتاجية التي أثرت في الاقتصاد المحلي في القرن الأول قبل الميلاد أي في العصر "الهلنستي"، وهو عمل ذو قيمة مضافة علمياً وتاريخياً في اكتشاف طبيعة المنطقة، فضلًا عن ذلك فقد استند "كيوان" في دراسته على المراجع العلمية المبنية على الدراسات الآثارية التنقيبية، وكذلك على الرسومات والمنحوتات الحجرية في عملية التوثيق، ما أعطى الدراسة بعداً أكاديمياً موثوقاً.