انطلقت المخرجة "لميس محمد" مما امتلكته من أدوات تمثيلية وخبرة في التعامل مع الطفل، لخوض تجربتها المسرحية الأولى "المشاعر الخمس"، مقدمةً عرضاً مختلفاً عما سبق طرحه في مسرح الطفل برؤية إخراجية تحاكي عقل الطفل، وقد استطاعت بما امتلكته من تجربة في التمثيل والتي صقلتها لاحقاً بالدراسة الأكاديمية أن تقتحم عالم مسرح الطفل وبجدارة، لتقدم مشروعها الإخراجي الذي تركت من خلاله بصمة مميزة.

الإصرار والموهبة

مدوّنة وطن التقت الممثلة والمخرجة الشابة "لميس محمد" التي تأخرت في دراستها للتمثيل وحول المجالات التي عملت بها تقول: «دفعتني موهبتي في الرسم للاتجاه إلى الفن التشكيلي وطورت مهاراتي الفنية فشاركت بمعرضين فرديين بعنوان "نيجاتيف" و"انظر من بعيد"، إضافة إلى عدة معارض جماعية منها معرض "الرواق" على مدار سنتين مع الفنان "باسل الأيوبي"، ومعرض الشباب الجماعي في قصر "المؤتمرات" عام 2009، ثم عملت في مجال الرسم مع عدة شركات، كما خضت عدة تجارب تمثيلية في مسرح الشبيبة والمسرح الجامعي، ثم عملت كممثلة في التلفزيون في الأعوام 2013، 2014، 2015 وأثناء ذلك تأكدت من امتلاكي الموهبة والإحساس بالشخصية، لكنني شعرت بأن الدراسة الأكاديمية تنقصني فتوقفت عن العمل بالتمثيل واتجهت عام 2015 للدراسة في مدرسة "الفن المسرحي"، بإشراف الدكتور "سمير عثمان باش" وكان تحدياً بالنسبة لي لأنني كنت في التاسعة العشرين من العمر».

اختبرت قدرتي بأن أكون جزءاً من فريق إدارة العمل في عدة أفلام قصيرة، وكانت تجربتي الأولى كمساعد مخرج فيلم "المعركة الأخيرة" مع المخرج "ميار النوري"، وكانت هناك هارموني بين فريق العمل بكل تجربة من تلك التجارب

إغناء التجربة

تؤيد الفنانة والمخرجة الشابة "لميس محمد" فكرة تعدد الأكاديميات الخاصة بإعداد الممثل فتقول: «درست في مدرسة "الفن المسرحي" منهاجاً أكاديمياً لمدة سنتين ونصف بشكل مكثف، وعملت مدرساً مساعداً لمادة التمثيل مع د. "سمير عثمان باش" لمدة سنة ونصف السنة، بالإضافة إلى ورشات عمل تمثيلية للأطفال، وبعد المدرسة أصبحت لدي نقلة نوعية حيث اختبرت نفسي كمدرسة وشعرت أنني قادرة على إيصال المعلومة للطالب، واستمتعت جداً بهذه التجربة، وأكثر ما حاولت إيصاله للطلاب هو ضرورة العمل ضمن فريق واحد، لأن العمل التمثيلي والمسرحي بشكل خاص هو عمل جماعي».

أثناء الحوار

وتتابع عن تجربتها مع الأطفال: «بدأت العمل مع الأطفال منذ عام 2006 كمتطوعة في أكثر من جهة، وعملت في عدة ورشات عمل وفي المسرح التفاعلي وعدة دورات تدريبية مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال المعنفين، وإدارة مشاريع صغيرة دمجت من خلالها الرسم والتحليل النفسي عبر تحليل رسومات الأطفال من قبل فريق نفسي، وجلسات مع الأهالي حول الاستفادة المحققة، وخلال دراستي شاركت كممثلة في عرض مسرحي للأطفال بعنوان "من يوقظ الشمس"، ومن خلال "الفريق الأخضر" المسرحي قدمنا عروضاً مسرحية أحدها جال عدة محافظات، وبعد التخرج عملت مع مشروع "بكرة إلنا"، لأنني كنت بحاجة للاحتكاك مع الجيل الجديد لأفهم آلية تفكيره وكيفية اختلافه عن الأجيال الأخرى، خاصةً بعد الحرب وشكل محطةً مهمةً بالنسبة لي من خلال التعامل مع أطفال من بيئات وأعمار مختلفة من 6 على 18 عاماً، وكانت علاقتي بهم رائعة، دوماً هناك جديد نتعلمه من الطفل، فالطفل هو مادة خصبة والتعامل معه هو السهل الممتنع، ويجب أن نكون حريصين باختيار ما نقدمه له، وأثناء هذه الفترة شاركت بعدة ورشات تمثيلية بإشراف د."أسامة غنم"، وورشة إعداد وكتابة سيناريو وورشة إخراج بإشراف "يزن آنزور" و"فراس محمد" لتطوير قدراتي في الكتابة والإخراج».

مشاركات متدرجة

وعن عملها كمساعدة مخرج تقول: «اختبرت قدرتي بأن أكون جزءاً من فريق إدارة العمل في عدة أفلام قصيرة، وكانت تجربتي الأولى كمساعد مخرج فيلم "المعركة الأخيرة" مع المخرج "ميار النوري"، وكانت هناك هارموني بين فريق العمل بكل تجربة من تلك التجارب».

مع الممثلين من مسرحية "المشاعر الخمسة"

وعن تجاربها كممثلة تضيف: «لدي تجارب قليلة في السينما منها عام 2013 مع المخرج "باسل الخطيب" في فيلم"الأم" وفيلم "أهل الشمس"، ومشاركة أخرى في فيلم "ليليت" إخراج "غسان شميط"، وفيلم لبناني بعنوان "وحدن"، وفيلمي "ندى" و"رؤى" القصيرين من إخراج "آلاء موسى"، وأفلام "في حارتنا فانكوخ" من إخراج "ندى الغنام، و"رمانية" إخراج "رؤى كيلاني"».

رسائل

وحول دوافعها للتوجه إلى مسرح الطفل تقول: «أعتقد أنه بعد الحرب وكل ما مررنا به إذا أردنا أن نغير شيئاً علينا التوجه للجيل الجديد، منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم هناك أطفال ولدوا وعاشوا كل سنوات حياتهم في الحرب، ومشاعر الخوف والحزن مسيطرة على الجميع كباراً وصغاراً، وعلينا التوجه إلى الطفل لمعالجة ما يمر به ولتوجيهه للطريق الصحيح، حيث إننا في العالم العربي لا نعطي الفرصة للطفل ليعبر عما يريده بل نربيه كما نرغب نحن، في حين يجب أن يختبر بنفسه ما يحب ويكره، والمسرح هو مجال يعطي مساحة للطفل ليعبر ويختبر أدواته، وهناك نظرة سائدة لعروض الأطفال بأنها أقل أكاديمية من العروض الموجهة للكبار وهذا أمر غير صحيح بل هي تحتاج للتعاطي معها بجدية أكبر لحساسية الجمهور الذي نتوجه له».

"المشاعر الخمسة"

وعن مسرحية "المشاعر الخمسة" تقول: «هي مشروعي مع فريق العمل من ممثلين تتراوح أعمارهم بين (أربعة عشر وسبعة عشر عاماً)، بدأنا العمل عليه منذ أربعة سنوات، وأردنا تقديم فكرة المشاعر الخمسة وهي (الغضب، الحزن، السعادة، الاشمئزاز، الخوف) الموجودة لدى كل إنسان، وكان هدفي أن أوصل فكرة مفادها أن علينا تقبل مشاعرنا على اختلافها، وأن أقول للطفل مشاعرك من حقك يمكنك التعبير عنها والتحكم بها، ووجدت أن عروض الأطفال تكون أكثر فاعلية عندما نستعين بممثلين من الأطفال أو اليافعين، وحالياً لم أفكر بمشروعي المسرحي القادم لأن الممثلين هم طلاب منشغلون بالدراسة وأتمنى أن نقدم تجربة ثانية، حيث قدمت عرض "المشاعر الخمسة" برعاية "دار الأوبرا" والمايسترو ومدير عام دار الأوبرا "أندريه معلولي"، الذي أعطانا الفرصة لتقديمه من خلال مشروع الطفل في الدار الذي يهدف لرفع مستوى الثقافة لديه».

وترى "لميس محمد" أن مسرح الطفل في "سورية" ينقصه الجدية والعمل الأكاديمي ولا سيّما أن الميزانية المقدمة لعروض الأطفال أقل بكثير من تلك المقدمة لعروض الكبار.

وبين مواهبها المتعددة تفضل "لميس محمد" التمثيل لأنها تحب أن تعيش الشخصية، وترى أن تجربتها في الإخراج لا تزال في بداياتها.

رأي نقدي

من جهتها تقول الباحثة والشاعر الدكتورة "ندى الكحال" وهي المحاضرة سابقاً في المعهد العالي للفنون المسرحية: «عرفت المخرجة الشابة الجادة "لميس محمد" من خلال باكورة أعمالها مسرحية "المشاعر الخمسة"، حينما اصطحبت حفيدي لحضورها سألته: (أي المشاعر الخمسة أفضل برأيك؟ أجابني نحن تماماً كما ورد في المسرحية مزيج من كل المشاعر معاً)، حيث تعرفت إلى المخرجة "لميس" في دار الأوبرا ولفتت نظري بهمتها ونشاطها واهتمامها بكل شاردة وواردة، لغتها الإخراجية مختلفة عن سواها فهي ترقى بمستوى التفكير عند الأطفال واليافعين وتمتلك الكثير من بعد النظر، لا تستجدي ضحكاتهم أو دموعهم بشكل مصطنع، بل رؤيتها الإخراجية متطورة تواكب التقدم التقني للعصر وتتماشى مع أفكار أبناء الجيل الجديد، حيث جاءت بفكرة مبتكرة في مسرحيتها».

وترى د."الكحال" أنه إذا أردنا بناء جيل يطمح لمستقبل مشرق فمن واجبنا أن نقدم له مسرحاً يتماشى مع تطلعاته ويواكب أحلامه مع الحفاظ على براءته وغرس القيم النبيلة في أعماقه، مبينةً أن المخرجة "لميس محمد" ذات بصمة متميزة، حريصة على النجاح وتقديم أسلوب لم نشهده من قبل من خلال تحفيز ذكاء الطفل وتعليمه على التحليل والاستنتاج من دون تلقين.

نشير إلى أنّ "لميس محمد" من مواليد "دمشق" عام 1986 تعود أصولها إلى الجولان السوري المحتل، وجرى اللقاء بتاريخ 19 أيلول 2022.