تحمل الأغاني التي اعتاد الفلاحون ترديدها في مرحلتي الحصاد والرجاد، قيماً إنسانية واجتماعية في تراث "السويداء"، وحالةً من التكافل الاجتماعي فرضته طبيعة الحياة، بتنوع الأغاني والأهازيج ولعل الفن الجميل تنتج عنه لحظات فنية تخدم اللحظة، إذ لكل مرحلة من مراحل الزراعة مكونات فنية بألحانٍ متعددة تخدم طبيعة العمل.

الحصاد وأغانيه

ولعل المواسم الزراعية ومناخ المكان والفضاءات الواسعة في الحقول والاستمالة نحو تفريع شحنات الإبداع، جعلت الفلاح والمزارع يبدع أشياءً تتلاءم مع تفكيره ورؤيته.

يقول الباحث التراثي "سلمان البدعيش" عضو اتحاد الكتاب العرب لموقع مدونة وطن eSyria: "أثناء موسم الحصاد تقسم أراضي القرية إلى عدة "واجهات" أي مواقع، كأن يقال الواجهة الشمالية أو الغربية، وقد يطلق اسم على كل واجهة، ويجب أن يكون البدء بالحصاد في واجهة واحدة بالنسبة لجميع الملاك، ويسمى البدء في حصاد كل واجهة "الهَدّه"، ولا يسمح بالبدء بالحصاد بشكل فردي إلى أن يعلن عن موعد الهدّة وموقعها بين الواجهات، أي المواقع، وكانت عملية الحصاد تتم يدوياً، يرافق عملية الحصاد بعض الغناء الخاص بهذه المناسبة، فيقال للتشجيع على العمل:

الباحث سلمان البدعيش

طمّن واحنيلي ظهرك يا بعد ظهيري ظهرك

أو يغنون ما يروّحون به عن النفس:

الباحث محمد طربيه

محرمة الدبكه محرمتي.. بالسوق ضاعت محرمتي

وعليها ببكي محرمتي..

محبوكه حبكه محرمتي

محرمة الغِيّه محرمتي.. بيد النشميه محرمتي

الاستاذ سلمان البدعيش

من الحميدية محرمتي

وهنا ممكن أن يغني أحدهم مقاطع الأغنية بينما يرد الآخرون بكلمة محرمتي".

ويتابع الباحث "سلمان البدعيش" بالقول : "عندما يتعب الحصادون ويملون من العمل يغنون:

يا إماني ريتك بور ريتك مرعى للزرزور

والزرزور ياكل علّه تطلعلو جوا البلعوم

يا إماني ليّليه لا بحصد ولا فيّي

غيري بياكل الغلّه وانا التعثير عليي

عْطيني إيدك يا خيي عالحصيدة بدرية

ويشير الباحث "البدعيش" إلى أن المقصر أو من تخلف عن زملائه في الحَصاد يهجا ببعض الأغاني التي تحثه على بذل مجهود أكبر ليلحق بزملائه حيث يتم الغناء له قائلين له:

اللي مقصر يا ذلّو هاتو الحبل لنجرّو

أغاني الرجاد

وعن اغاني الرجاد يبين الباحث "البدعيش" أنه بعد حصاد القمح كان يحمّل القش على الجمال، وينقل إلى البيدر بواسطة الراجود الذي يركب حماراً ويقود جملاً أو أكثر وربما قافلة من الجمال، ويكدّس القش فوق بعضه في كومة واحدة تسمى "الكديس" تمهيداً لدرسه، ويغني الراجود بعض الأغاني مسلياً بها نفسه في ذهابه وإيابه بين الحقل والبيدر:

يا سهام الغله هيّ نحنا جينا

هيّ حتى نشيل حمالك دين علينا

عيب علينا نخلي حمالك تشكي الهم

ونحنا رجالك يا سهام الغله نِلِم

كرمالك يا سهام الغلة نحنا جينا

جودي يا سهام الحصادي الواحد ميًه

والزوادي مثل العادي هيّ هيّ

لا تخافي من الحصادي ان مالوا عليك

صالوا وجالوا يا سهام الغله فيك

وكرمالك يا سهام الغلة نحنا جينا

وفي هذين البيتين يصف الراجود قافلة من الجمال تعود لمالكها (البروتي) نسبة إلى "بيروت":

حمل وشال البروتي ع سبع جمال البروتي

عينك ما تشوف البروتي من هني بجنب البروتي

علاقة إبداعية

بدوره يشير الباحث التراثي "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتاب العرب، إلى أن تبدد المساحات الواسعة في المناطق الريفية في جبل العرب، فرضت على المزارع أو الفلاح أن ينشئ بينه وبين الطبيعة علاقة إبداعية، ولأن طبيعة المنطقة المناخية للجبل ذات هواء نقي، فإنها تمنح الأفراد أصواتاً قوية وبطبقات قوية، حيث كان المزارعون حين يعملون بحقولهم وتبدأ أنغامهم وأصواتهم تعلو وتعانق الفضاء، يشعر المرء بأهمية دلالات تلك الأغاني والأهازيج المترافقة مع كل مرحلة من مراحل الأعمال الزراعية، بحيث حين يغني للحصاد هناك أنغام وربما مقامات موسيقية خاصة بها، وحين تبدأ مرحلة الرجاد يتم تكرار الجمل بإيقاعات سريعة ومنتظمة، وبالتالي يكون الإبداع فطرياً في تواتر اللحظة الانسجام معها.