استطاع المخرج "رفعت الهادي" والكاتب الأديب "منصور حرب هنيدي"، تشكيل مجموعة تعتمد على الارتجال في المسرح بعد إعداد الممثل إعداداً فنياً وثقافياً ودرامياً، ليصبح الارتجال ظاهرة جديدة تقتحم في معيارها الفني والثقافي تقنية الإبداع الارتجالي الذي يتكأ على ثقافة ومخزون الممثل في رسم مكونات النص والحركة والفعل، ووصولاً للمشهد الدرامي الحامل للفكرة وللرؤية الواقعية التي يجمع بها الواقع مع الخيال، إضافة إلى الثقة بالذات.

الرؤية في الارتجال

يبدأ المخرج المسرحي "رفعت الهادي" رئيس دائرة المسرح القومي في "السويداء" حديثه لمدونة وطن eSyria، بالقول : "لعل تجربة الارتجال في المسرح لم تكن موجودة منذ نشأة المسرح الملقب بأبي الفنون، وهو المنبر التجريبي الذي غالباً ما يرتقي على خشبته المبدع والمثقف، وإن جاء لينقل هموم المجتمع الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلا أنه يحتاج لتقنيات تجعل العاملين فيه يعيشون القلق الدائم، لذلك آثرنا بدورنا إعداد وتأهيل مجموعة من الشباب الراغبين في العمل المسرحي لإغناء محتوى المسرح بالارتجال، ليكون البادرة الأولى على خشبة مسرح "السويداء"، ينطلق منها إلى فضاء المسارح السورية".

خبرة وتجارب

يضيف "الهادي": "الارتجال تقنية يكتسبها الممثل وهي تحتاج إلى خبرات عديدة وتراكم معرفي، يتشكل من خلال البحث المستمر والتمارين الدائمة اليومية، والممثل القادر على الارتجال هو الممثل المحترف، فعملية الارتجال تخضع لمجموعة من القواعد أهمها الانطلاق من حالة حسية حقيقية، وامتلاك فكرة، ومتابعة أول مسألة تتبادر إلى الذهن، والبحث عن القضايا الواقعية، والتفكير في الزمان والمكان، وتصعيد الفكرة من الواقع إلى الخيال، والمزج بين الواقع والخيال، وخلق كذبة وتصديقها، وأخيراً التحدث دون قيود مما يؤدي للوقوف على بحر من الكلام، إضافة إلى ذلك معرفة الممثل واستخدامه لمهاراته الحركية والكلامية ومخزونه المعرفي، واستناده إلى الحدث الراهن في الشارع، كل ذلك يدعم قدرته على الارتجال، وبالتالي يساهم فيما يفكر فيه المتلقي من تصورات إلى واقع فني بعمل مسرحي".

المخرج المسرحي رفعت الهادي

يبدأ الارتجال حسب قول" الهادي" منذ اللحظة الأولى التي يقرر فيها الممثل أن يقوم بالتمرين، لأنه فرضية في التمرين، وعندما يبدأ الارتجال يحاول الثورة على ما هو معطى أو استنباطه واستكشافه، وهو مساحة عمل خلال التمرين، ويثبت الارتجال بعد معاناة مع الحدث ليصبح نتيجة، إذ غالباً ما يعمل الممثل المحترف ذو المخزون المعرفي على خلق إبداع على المسرح يتماهى مع متطلبات الجمهور برؤية فنية وحركة يخلقها هو بعيداً عن الإخراج.

الاقتباس التاريخي

وضمن العمل التجريبي في مسرح الارتجال يوضح الكاتب والأديب "منصور حرب هنيدي"، أن الارتجال هو فن موجود منذ القرن السادس عشر، إذ تتناول فكرة الارتجال العديد من الوقائع والأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبدورنا اعتمدنا في هذا الفن على كوميديا "ديلارتي"، التي تعود إلى أكثر من أربعة قرون في أوروبا، والتي ركزت على نقل هموم المجتمع وآلامهم، ولأنه يعتمد على الارتجال فإن قدرات الممثل الفردية هي الفاصل الرئيس فيها، وخاصة أن تعريفه هو فن الممثل المحترف، لأن الارتجال في المسرح يعتمد بالدرجة الأولى على ممثلين محترفين يمتلكون قدرات فنية كبيرة، إضافة لمخزون معرفي مميز من الأمثال والحكم والأحجيات والألغاز والحكايا والأساطير التي تساعد الممثل على تقديم العرض المسرحي الذي يرضي ذائقة الجمهور، وبعد منتصف القرن السادس عشر وانتشار هذا الفن في أوروبا وتحول نمطية هذا الفن من الشعبي إلى الفن الرسمي، واعتماده في البلاطات الرسمية لمدة زمنية، وذلك بعد أن تسلل الضجر إلى داخل تلك البلاطات من تقديم المسرحيات المكررة، فوجدوا في هذا الفن نوعاً وشكلاً جديداً يقدم المتعة والترفيه بعفوية وإبداع جديدين وحرفية ومهنية عاليتين.. وفي "السويداء" ضمن سياق التجربة تم تدريب وتأهيل فريق شبابي يتمتع بالخواص والمقومات المطلوبة من خلال التدريب الذي أشرف عليه المخرج المسرحي "رفعت الهادي" وتميزت إحدى الممثلات الشابات فيه بشكل مميز وإبداعي وهي "ليال الهادي" وقدمت عروضاً ارتجالية بعد تحديد الأفكار المطلوبة".

الأديب منصور حرب هنيدي

تجارب شبابية

الممثلة الشابة ليال الهادي

الفنانة الشابة "ليال الهادي" أكدت بدورها أن الارتجال يعتمد على أسس مهمة ليس فقط الثقافة والمخزون المعرفي والاتقان الفني والحركة والرشاقة المسرحية فحسب، بل يعتمد أيضاً على التركيز في منح الفكرة القدرة النصية والتعامل مع النص بروح الفن الدرامي، إضافة إلى المهنية العالية وسرعة التقاط اللحظة والنسج عليها نصاً وفعلاً درامياً حركياً على المسرح بغية إيصال الفكرة والهدف المطلوب للجمهور.