محطات فنية عايشتها الفنانة التشكيلية "حياة صقر"، من تدريس مادة الرسم وإعادة التدوير واستخدام الخيوط في اللوحة، مروراً بالمسرح المدرسي وتصميم الأزياء المسرحية وصولاً إلى معرضها الفردي الأخير "خيط"، وغيرها من المحطات التي تركت فيها بصمة فنية عنوانها التجديد والمغامرة وصولاً إلى الإبداع.

الفن حاجة

مدوّنة وطن تواصلت مع الفنانة "حياة صقر" التي تحدثنا عن محطات حياتها الفنية بقولها: «الإنسان بحاجة إلى الفن فهو مسألة بقاء، في طفولتي كنت أعيش في قرية لا توجد فيها وسائل ترفيه أو كهرباء بشكل دائم، لذلك كنت أصنع ألعابي بنفسي واحتجت لأدوات ومواد خام، وكانت الخيوط والأقمشة هي الوسائل الأنسب، وعندها اكتشفت موهبتي وميولي الفنية للحياكة فكنت أصنع الألعاب طوال الوقت، واكتشفت ميلي للرسم في مرحلة الدراسة المبكرة عندما كنت أزيّن دفاتري وكانت سعادتي تتحقق بالرسم وصناعة الألعاب».

شعرت أن فيه مساحة أكبر من الحرية، فيه بيئة وأدوات مختلفة، عملت فيه حصراً مع طلاب موهوبين وحققنا كثيراً من الإنجازات لأنه أتاح لنا مساحة من الجرأة والحرية دون شروط تقيدنا، وأنجزنا معاً أعمالاً مهمة لاقت اهتماماً كبيراً، بالإضافة إلى المشاركات الخارجية حيث ساعد على تشجيع المواهب لأن المواد كانت تقدم مجاناً

مهنة التدريس

حول تجربتها بالتدريس تقول "صقر": «كانت تجربة مهمة جداً، شعرت برغبتي في العمل كمدرسة رسم منذ الطفولة وكان لدي حب لهذه المهنة، في بداياتي عملت في تدريس الرسم لطلاب المرحلة الثانوية واستمتعت بهذه التجربة لأنني كنت قريبة من سن الطلاب، واشتغلنا على تعليم الرسم بشكل غير تقليدي، لم تكن حصة رسم عادية بل عملت على تنمية الثقافة البصرية والفنية لديهم، وقدمت هذه التجربة الكثير لي تعلمت منهم وعلمتهم وتركت أثراً طيباً لديهم وما زالوا يتواصلون معي حتى اليوم ويثقون بي، كنا نتناقش بعدة موضوعات وأعطيهم مساحة من الحرية، فشعروا بأهمية حصة الرسم كباقي المواد التعليمية الأخرى بل قد تفوقها أهميةً، ما كان يهمني هو مشاركة جميع الطلاب بالإضافة إلى اهتمامي بالطالب الموهوب، وكانت علاقتنا جيدة، درّست لسنوات طويلة في المدارس لكل الأعمار من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية، كما درّست بمعهدي الخاص الذي يرتاده الراغبون بتعلم الرسم من كل الأعمار».

من أعمالها

الرسم للمسرح

من تصميم الأزياء

انتقلت الفنانة "صقر" للمسرح المدرسي في مجال الرسم والأشغال الفنية كونها مدرّسة رسم وعن هذه التجربة تقول: «شعرت أن فيه مساحة أكبر من الحرية، فيه بيئة وأدوات مختلفة، عملت فيه حصراً مع طلاب موهوبين وحققنا كثيراً من الإنجازات لأنه أتاح لنا مساحة من الجرأة والحرية دون شروط تقيدنا، وأنجزنا معاً أعمالاً مهمة لاقت اهتماماً كبيراً، بالإضافة إلى المشاركات الخارجية حيث ساعد على تشجيع المواهب لأن المواد كانت تقدم مجاناً».

وتتابع: «عملت لمدة سنتين في تصميم أزياء المسرح في مسرحية "جثة على الرصيف"، كيف يقرأ الفرنسيون مسرح "سعد الله ونوس" مع مخرجة فرنسية، وعرض على مسرح "القباني" وفي مكان أثري جميل جداً هو "حمام صبحي"، حيث كان العمل بتصميم الأزياء والإكسسوار ممتعاً جداً بالنسبة لي رغم أنني نفذته بسرعة كبيرة إلا أنه لاقى نجاحاً كبيراً، لم تكن الأزياء كلاسيكية من حيث طريقة العمل بل كانت بحاجة للإبداع، قرأت المسرحية وأنجزتها بناء ًعلى ذلك اعتمدت البساطة والجانب الفني وأعطيت كل ممثل زياً يناسب الدور الذي يقوم به».

العلاج بالفن

اتجهت الفنانة "صقر" للعلاج عن طريق الفن من خلال معهدها الخاص بتعليم الرسم وحول تطوير أدواتها في هذا المجال تقول: «وجدت أنني قادرة على تحسين سلوك الأطفال عن طريق الرسم لأنني مؤمنة به، ونتيجة ملاحظتي مع الأهل لتغيير سلوك أبنائهم وتحسين إمكانياتهم الدراسية قرأت وبحثت أكثر عن الموضوع، ووجدت أن العلاج عن طريق الفن له علاقة بتحسين الصحة النفسية وتنمية القدرات، وشاركت في مؤتمر وورشة عمل في "الدانمارك" لها علاقة بالعلاج عن طريق الفن، كانت مهمة جداً بالنسبة لي وتطورت إمكانياتي من خلالها بالعمل مع مختصين وعندما عدت طبقت ما تعلمته، وفي "ألمانيا" زرت مشفى يعتمد العلاج عن طريق الفن واستفدت جداً من الخبراء الموجودين فيها، كما كانت لدي تجربة في "بولونيا" استفدت منها وانعكست على عملي الذي أحاول تطويره دائماً من خلال البحث والمتابعة لكل جديد في هذا المجال الذي وجدته من أكثر الأشياء أهمية، لذلك أقدمه بحب كبير وأعطيه قيمةً كبيرةً، كانت تجربة مهمة لكل الأعمار ولاحظ رواد المركز من الكبار والصغار النتائج الإيجابية من خلال العلاج عن طريق الفن».

إعادة التدوير

فيما يتعلق بموضوع إعادة التدوير تقول: «فن الكولاج وإعادة التدوير كان حاضراً في المسرح المدرسي وفي الحياة العادية، وقبل زيارتي الأخيرة إلى "سورية" لإقامة معرضي الفردي، نفذت مشروعاً ضخماً في المنطقة الشرقية في "السعودية" مع مجموعة من السيدات وقدمنا أعمالنا في معرض لاقى صدى كبيراً هناك، حيث حولنا العبوات البلاستيكية لأعمال فنية ضخمة ولوحات كبيرة الحجم».

معرض "خيط"

وحول مشاركاتها ومعرضها الفردي تقول: «شاركت بعدة معارض جماعية بأعمال بالألوان المائية والإكريليك، ودوماً كانت لدي الرغبة بتقديم معارض فردية خاصة بي لكن انشغالي بعائلتي حال دون ذلك، كما كانت لدي الرغبة بتقديم أفكار جديدة غير مستهلكة، وجاءت فكرة معرضي الفردي "خيط" لأنني نشأت في الريف الذي خلق مخيلتي، وموضوع الخيط جاء من الذاكرة فكانت لدي خيارات عديدة من ناحية الخامة والطرق والتكنيك مما جعلني اتجه للخيوط».

مشاعر بالخيوط

و عن علاقتها باللوحة والخيوط توضح: «ينسق الوعي الباطني ألوان الخيط وأشكاله ويحددها على سطح اللوحة، وهنا تكمن أهمية اللوحة بإظهار الإحساس العالي بالأداء والشعور، والعمل بالخيط يستدعي إيقاظ جميع الحواس ويعتمد على أن يصغي الفنان لإيقاعه الداخلي بشكل كبير وكانت اللوحة مساحة جذابة وصعبة للغاية، وتركت لمشاعري مساحة من الحرية لتصيغ الفكرة بعفوية التلاعب بالخيط، لدرجة أنني أحببت هذه الخامة ومنحتها حساً إنسانياً عالياً فمنحتني أسرارها ومفردات تشكيلها، وكانت العلاقة بيني وبينها علاقة حميمية، وكانت هذه الأعمال سبيلاً لتحرير الروح من تأثير الواقع الصعب الذي نعيشه».

وتتابع: «اعتمدت اللعب بالخيط على مساحة ثابتة والجرأة على الخامة، وكان المتلقي شريكي بالعمل، تركت له المساحة ليكمل العمل من خلال الخيوط الحرة على اللوحة وأي تفسير لها من قبله كان صحيحاً، لأن اللوحة غامضة والخيط يأخذني إلى مكان وقد يأخذ المتلقي لمكان آخر، واستغرق التحضير للمعرض وقتاً طويلاً أكثر من عام، وتميز أسلوب العمل بالعفوية والبساطة وكان هدفي أن أقدم عملاً يصل للمشاهد بسرعة، كنت أعمل بحس فني وأحرص على التأني للارتقاء بالعمل وأحياناً كنت أفك الخيوط وأعيد تشكيلها مرة ثانية».

وترى الفنانة "صقر" المولودة في "حضر" بمحافظة "القنيطرة" أن اللوحة بالنسبة للفنان نص بصري عليه أن يعكس الواقع من خلالها، مبينةً أنها لم تعمل على الناحية الجمالية فقط بل أرادت أن يكون عملها محملاً بالمشاعر ليرتقي نحو الأفضل، فهي لا تميل للمبالغة الفكرية التي تجعل من اللوحة عقيمة، والفن برأيها هو قوة مؤثرة بصمت دون ضجيج، وأي عمل فني غير مدهش هو تجربة غير مثمرة.

التجديد والمغامرة

من جهته "أديب مخزوم" فنان وناقد تشكيلي ومؤرخ موسيقي يقول: «تعرفت إلى التشكيلية "حياة صقر" لأول مرة حين زارت برفقة الكاتبة "رباب هلال" معرضي الفردي في دار الأوبرا صيف عام 2016، أسلوبها ينتمي إلى الفن النسيجي الذي عرفته معارض "باريس" في الربع الثاني من القرن العشرين، وخاصةً من خلال أعمال الفنان الفرنسي "جان لورسا" الذي كان من أوائل المجددين في فن البسط والسجاد، هذا الفن الذي وصل إلى حدود الأسطورة من خلال حكايات بساط الريح، في مجمل لوحاتها لا تعتمد التشكيلية "حياة صقر" على الشكل الطبيعي أو الواقعي، بل تستبدل ذلك كله بالأثر الذي يعبِّر عن مغامرتها التشكيلية، كل ذلك بحسّ فطري لا يترك أي أثر للعمل النسيجي التقليدي أو الحرفي، وهذه الإشارات المجسدة في لوحاتها بحس طفولي وفطري وبصدق ومحبة وثقة تمثل عودة إلى منطلقات الفنون الحديثة وما فيها من إشارات ورموز وأساليب شكلية وتقنية واختبارات ومغامرات فنية، وعلى هذا الأساس فهي ترتبط بإيقاعات تشكيلية حديثة، حين تذهب إلى مثل هذا التبسيط والتحوير والحرية، في خطوات التعبير المختلفة عبر ملامح الوجوه وتعابير العيون، فتحول مساحة اللوحة إلى فسحة للتشكيل الحر مهتمة باستقلاليتها وبما يجري داخل مساحتها من تعابير وجدانية عميقة».

ويتابع عن معرضها "خيط" بقوله: «هي تغامر في تقديم أجواء تقنية وتشكيلية غير مألوفة وغير مستهلكة، بل وتذهب قبل أي شيء آخر إلى سبر أغوار ذاتها وحبها المطلق لعملها، ولعل هذا الإيقاع أو تلك الرغبة البادية في ابتداع تكوينات جديدة خاصة بها وحدها، تتهافت بعفوية وبحرية وبمغامرة كاملة، وعلى الصعيد التشكيلي، اعتمدت في لوحاتها النسيجية (وربما عن غير قصد) أسلوب العمل الفني المتجاوب مع الفن الحركي، لأنها تركت في اللوحة مجموعة من الخيوط الصوفية المتهدلة أو الحرة والتي يمكن أن تتحرك، وبذلك يتبدل وضع بعض العناصر البصرية، وتتبدل الألوان وفق حركة تموجات الخيوط والأضواء في الفراغ المحيط باللوحة، وتلك التبدلات اللونية والضوئية تتناغم وتتحاور مع الطبيعة اللونية المضافة على الكانفاس، الشيء الذي يجعلنا نتذكر نوافذ الفن الحركي ومن هنا تأتي أهمية تجربتها القائمة على تشكيل الوجوه والعناصر الأخرى المبسطة بالخيوط الملونة والمتحركة».