تقف الحجارة القديمة في تلال جبل العرب تناشد الزمن الغابر عن عمق تجذرها في الأرض وتاريخها، وكيف استطاعت أن تحتضن بين حناياها خفايا تاريخ وحضارة تعود إلى العصر البرونزي وغيرها من العصور، بحيث حافظت على مكانتها بين الصخور والأبنية السكنية، بانتظار من يجتهد أكثر في اكتشاف المزيد من مكنوناتها الأثرية.

منذ عصر البرونز

يؤكد الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" في حديثه للمدونة أن فنون العمارة والعناصر المعمارية المكتشفة في تلال جبل العرب، شكلت الاهتمام الأول للباحثين في تاريخ وآثار المنطقة الجنوبية عامة و"السويداء" على وجه الخصوص، حيث تمت دراسة عدد من هذه المباني المعمارية في جبل العرب في مختلف العصور، لكن كان لا بدّ من الإضاءة على فن معماري متأصل في تراث المنطقة المعماري في عصور "البرونز"، وذلك من خلال بعض المواقع والتلال الأثرية التي ضمت في جنباتها العديد من الفراغات المعمارية التي حددت وظيفتها، إما كمساكن أو معابد أو مدافن وقبور، أي تنوعت بين مدنية ودينية.

ويضيف الباحث "كيوان" : "يعدُّ "تل دبة بريكة" الذي يقع شمال مدينة "السويداء"، من أكبر التلال في جنوب "سورية"، وتعود معظم مبانيه وآثاره المكتشفة حتى الآن إلى عصور "البرونز"، حيث دلت الأبحاث والتنقيبات الأثرية فيه على وجود عمائر مدنية ودينية، تمثلت بسور يحيط بالتل تتخلله أبراج دفاعية ووحدات معمارية ضمن التل، تحتوي بيوتاً سكنية ومستودعات المؤن ومدافن دلت على طرائق وطقوس الدفن في هذه المنطقة، ويحتاج العمل فيه لسنوات طويلة قادمة لمعرفة أكثر عن ماهيته وهل هو المقصود بمملكة "دوبو".

الباحث الدكتور نشأت كيوان

ويشير "كيوان" إلى أن هذه الوحدات المعمارية تذكرنا بوحدات اكتشفت في "تل ظهير" بالقرب من بلدة "الكفر" جنوب شرق مدينة "السويداء"، وبلغ عددها أكثر من 87 وحدة لم يتم تحديد وظائف الكثير منها، لكن معظمها يغلب عليه الشكل المستطيل، أما في "خربة دبب" التي تقع داخل "تلول الصفا" شمال شرق جبل العرب فقد عثر على بيوت سكنية متلاصقة بجانب بعضها البعض، وبيوتاً مستطيلة ودورة بقطر 5 أمتار وكهوف طبيعية استغلها الإنسان، ويعتقد أن هذه الخربة تعود إلى النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد.

خِرب من التاريخ

بدوره يشير الباحث الأثري "خلدون الشمعة" إلى أنه بالقرب من هذه الخربة توجد "خربة الامباشي" التي تعود آثارها إلى عصور مختلفة بدءاً من عصور البرونز، وأهم آثارها السور والسد القديم، ويوجد خمسة أحياء في الموقع ووحدات معمارية تعود لعصور مختلفة ومقبرتان، والقرية الجنوبية في "الامباشي" تعود لمنتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وبجوار هذه الخربة يوجد موقع "الهبارية" الذي يحوي على حي بني بطراز معماري مشابه لأحياء خربة "الامباشي" وفيه أيضاً مدافن عثر فيها على أكداس عظام حيوانات.

تل الهيبارية

ويتابع الباحث "الشمعة" بالقول إنه عثر في جزء من موقع "تل القراصة" شمال غرب "السويداء"، على آثار معمارية تعود لفترات البرونز بالإضافة للفترة الكوفية الأقدم، وفي أعمال المسح الآثري في منطقة اللجاه عثر على عدة خرب وتلال تحتوي وحدات معمارية أو مبانٍ منفردة مثل موقع "لبوة"، وهي عبارة عن قرية صغيرة مؤلفة من أربعة أقسام خصص قسم منها للمعابد وأخرى لسكن الحكام والبيوت السكنية، وقسم رابع يقع خارج سور القرية الذي يحتوي بوابة.

عمائر وحصون

وحول ما تميزت به تلك التلال يوضح الباحث الأثري "حسن حاطوم"، أن العمائر في جبل العرب في عصور البرونز تميزت بعدة صفات مثل توثيقها كمستوطنة مسورة، بعضها تتخلله أبراج دفاعية هذا من ناحية التحصين، ومنها ما بني بحجارة مشذبة أو منحوتة وأخرى بحجارة كبيرة، والعديد من هذه المواقع كان يقع ضمنها أو بالقرب منها مصادر مياه للشرب والسقاية مثل الآبار والبرك، وتوجد مواقع أخرى مثل موقع "خربة مساكب وتل كوم الصوان"، الذي يقع شمال غرب "تل دبة بريكة"، وموقعا "المرصرص ورحم العيش"، اللذان يقعان على طريق "دمشق السويداء" بالقرب من مدينة "شهبا"، وهناك مواقع تنتظر البحث والتنقيب الآثري مثل "تل حبكي ونجران" وغيرها.

الباحث حسن حاطوم