شكّلت القناطر الحجرية المُلازمة لمُعظم البيوت القديمة في "السويداء"، والتي ولدت بناءً وإنشاءً في القرن الثاني ميلادي، بصمة معمارية لا تزال قائمة رغم مرور أكثر من ألفي عامٍ على بعضها، لتقص على من أتاها سائلاً، حكايا من كان في منازلها قاطناً، فعلى صفحات حجارتها البازلتية دوّن الأقدمون وبأزاميلهم الحديدية تاريخهم.

ركيزة وأساس

تلتقط كاميرا عين الزائر للبيوت القديمة في المحافظة صورةً لقناطرها النصف دائرية، والتي ما زالت أسقفها محمولةً على ركائزها الحجرية، وتعدُّ حسب الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" بمنزلة الركائز المُدعمة للبيوت ذات المساحات الواسعة، وقد خطَّ سطورها المكتوبة بطينة البازلت معماريون متمرسون، يجيدون لهجتها ويترجمون لغتها على شكل زخارف هندسية غاية في الروعة والجمال، تجيبك عن تاريخ من صفَّ حجارتها بمجرد النظر لها.

ويضيف" كيوان" في حديثه للمدوّنة: إنّ أوّل من خطَّ أبجديتها هم "الرومان واليونان"، حيث تزخر قرى وبلدات المحافظة بالكثير منها، ومن البيوت التي ما زالت روح الحياة تنبض بقناطرها منزل في قرية "ذكير" يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي.

قناطر من صما البردان

ويبين الباحث "كيوان" بأن هذه القناطر الحجرية لم تكن لمجرد الزينة، فمهمتها الأساسية تكمن في زيادة القدرة على تحميل السقف سواءً بالخشب أوالحجر، وتالياً تقليص المسافة بين "الربد" المُستخدم في تسقيف البيوت خوفاً من انكسارها، والمسألة المهمة أن هناك الكثير من البيوت المُحتضنة لهذه القناطر لا تزال الحياة تنبض في شرايينها، كونها لا تزال مأهولة حتى تاريخه، فحكايا من بنى وسكن ما زالت مدونة على حجارة تلك القناطر، لتقصها وترويها لمن سكنها بداية القرن العشرين.

لمسات إبداعية

وتشكل الطريقة البنائية للقناطر نصف الدائرية، فناً معمارياً يرتكز إلى الهندسة وعلومها، ويقول الباحث الأثري "حسن حاطوم": "قلما تخلو بيوت قرى وبلدات المحافظة من هذه القناطر، التي تفننت في بنائها أيادٍ ماهرة متمرسة، أضفت عليها لمسة إبداعية، ممزوجة بمهارةٍ بنائية قل نظيرها، وهذا ما أبقاها عصية على السقوط رغم تعاقب مئات السنين عليها، فماضيها ما زال يحاكي حاضرها، واللافت في بناء القناطر الحجرية، أنها مبنية من الحجارة الخالصة، دون استخدام أي نوع من أنواع الطينة، وهي الحجارة المتوافرة في المنطقة، التي تم تطويعها بما يتناسب مع نوعية البناء، حيث كانت القناطر تُبنى على قالب خشبي يتم فكه وإزالته بعد الانتهاء من البناء، معانقةً أعمدتها البازلتية، الداعمة لها بنائياً، بهدف استقرار القوس النصف دائري الذي تتميز به معظم قناطر منطقتنا".

حسن حاطوم

ويضيف: "معظم القناطر القديمة كانت تبنى من دون استخدام (الملاط أو المونة) الرابطة بين الأحجار، حيث تعتمد على الاحتكاك في نقل القوى والانتقال الميكانيكي للحمولات، والكثير من هذه القناطر لم تنل منها العوامل الطبيعية، فما زالت تصارعها محققة النصر عليها، وما بقاؤها على حالها طيلة هذه السنين، إلا دليل على متانتها وصلابتها".

بيت من بيوت قرية ذكير