التراث الكردي في منطقة الجزيرة مثله مثل تراث سائر شعوب العالم مليء بالنتاج الفكري والوجداني والثقافي، وهو نتاج خبرة طويلة من بين الفنون الجميلة التي امتلكها كأغاني الملاحم والعشق، وألوان الفنون الأدبية، إضافة إلى الحكم والأمثال الشعبية التي تعد ومضة مشرقة وعذبة حملت العبرة المفيدة والزاخرة بمعانيها والحكمة العميقة.

الكنوز الثمينة

جسدت الحكم والأمثال عند الأكراد في منطقة الحزيرة كما يقول الباحث في التراث "محمد بيري"، جميع الاتجاهات ومناحي الحياة وسلوك الأفراد ونمط الشخصية، وتعدُّ الحكم والأمثال الشعبية كنزاً ثميناً كونها عصارة فكر الأجداد وإبداع الأسلاف.

هناك أمثال وحكم كثيرة عن المرأة حيث تعطيها قيمة، وتعدّها جزءاً أساسياً من المجتمع إلى جانب الرجل، ومن شروط الحكمة والمثل أن يسردها شخص ظريف وذكي ليصبح مثلاً شعبياً

ويضيف : «تتحدث الأمثال عن الشهامة والبطولة والكرم والأخلاق وفصول السنة، فضلاً عن السلوكيات السيئة، وقد احتلت المرأة مساحة كبيرة في الأدب الكردي ولا سيّما الأمثال، ومنها على سبيل المثال (الشخص الشجاع يبقى شجاعاً، امرأة كانت أو رجل)، و(الأب ظهر، والأم كل شيء)، (هناك نساء يجعلنك وزيراً وهناك من تجعلك رزيلاً).. (أعطوا الفتيات للرجل لا للذهب)».

الباحث محمد بيري

ويقول: «هناك أمثال وحكم كثيرة عن المرأة حيث تعطيها قيمة، وتعدّها جزءاً أساسياً من المجتمع إلى جانب الرجل، ومن شروط الحكمة والمثل أن يسردها شخص ظريف وذكي ليصبح مثلاً شعبياً».

حالات اجتماعية

من جانبه يقول الموسيقي والباحث في التراث "جمو سعيد": «تراثنا مليء بالأمثال التي جسدت حالات اجتماعية مختلفة منها مثلاً (أجل طعامك إلى الغد ولا تؤجل عملك) ويشير إلى قدسية العمل، وفي هذا السياق أيضاً (الأيادي المرتاحة حتماً على البطون الخاوية).. (حين لا تسوّد الأكف لا تستلذ الأفواه بالطعام)، (البعض يتلذذ بطعم العسل والبعض يتلقى إبر النحل).. (البطون الممتلئة لاتعرف شيئاً عن البطون الخاوية)».

الموسيقي جمو سعيد

ويتابع "جمو" حديثه قائلاً: «هناك العديد من الأمثال الشعبية عند أكراد الجزيرة أكثر عمقاً، ومن الواضح بأنها من تأليف أشخاص أذكياء وذوي معرفة فلسفية، لأنها جاءت في إطار تعبيري أدبي بشكل مبدع، ويمكن إسقاطها على جوانب متعددة حيث صياغة الفكرة، وتالياً نستطيع أن نضع هذه الأمثال والحكم ضمن سياق الأدب الرفيع والموروث الثقافي ذي القيمة الفنية، ومنها مثلاً، (الحياة وردة، استنشقها وأعطها لصديقك)، (حجرة واحدة تكفي لطرد مئة غراب)، (السيف لا يقطع غمده)، (الخوف مقبرة الذئب)، (لا تستطيع سلخ جلدين من دب واحد)، (الخروف اليتيم لا يصبح كبشاً)، (لتكن ديكاً ليوم واحد خير من دجاجة طوال عام)، (الفارس على جياد الآخرين يمشي على قدميه دائماً)».

موسيقا متجانسة

ويقول الدكتور "محمد تركو" أستاذ في جامعة "دمشق": «الأمثال الكُردية تحاكي جوانب الحياة بمجملها، ضمن إطار تعبيري أدبي ونماذجها مختلفة ذات سمات فنية وشاعرية وجيزة، منها ما جاءت على شكل مواعظ وإرشادات، ومنها أتت أحياناً بشكل نقد لاذع وساخر، وكل ذلك من خلال إيقاع خاص وموسيقا ووزن متجانسين، وهي بسيطة ولذلك بقيت إلى يومنا هذا يتم تناقلها جيلاً بعد جيل».

الدكتور محمد تركو

وعلى لسانه نختار: (القلب مقبرة لأحاديث لم تفصح بعد)، (العقل تاج من الذهب لا يملكه الجميع)، (لا تنزلوا إلى قاع بحبال الأغبياء)، (كلام جميل ولكن لا أصدقه)، (أبواب القلوب لا تفتح بالضرب)، (ليعشق قلبك حتى لو أصبحت متسولاً)، (القلب الخائف لن يرى الصدور الشقراء)، (الأب الجيد يعيش ولده باسمه مئة عام)، (أعداء الأب لا يصبحون أصدقاء الابن)، (ينبغي أن تسأل العقلاء وتخاف من الأغبياء)،

(الحمار الميت لا يخاف من الذئب)، (القطيع من دون راعٍ يتنزه بينه الذئاب)، (كن عصفوراً في الوديان ولا دجاجة بين المنازل)، (الرجل الشهم صندوق مقفل)، (إذا واجهتك مصيبة ما فأسند ظهرك إلى صخرة كبيرة).

أخيراً نقف عند تعريف الكثير من اللغويين والباحثين "الحكم والأمثال" وأعتقد بأن تعريف "الفارابي" هو الأجدر عندما قال "المثل ما تراضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه، حتى ابتذلوه فيما بينهم، وفاهوا به في السراء والضراء، وهو من أبلغ الحكمة، لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصر في الجودة أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة".