ظهرت ملامح موسيقا "الجاز" - التي في الأصل أفريقية - في بدايات القرن العشرين من خلال مزج بين عناصر من الموسيقا الشعبية للزنوج والموسيقا الأمريكية التي تتضمن ملامح كثيرة من الموسيقا الشعبية الأوروبية، تعتمد موسيقا الجاز على عنصرين أساسيين هما الارتجال والإيقاع حيث يشكل الارتجال الحجر الأساس في تقنياتها، كما يلعب الإيقاع دوراً كبيراً في تشكيل خصوصيتها وتالياً تتقاطع بهذين العنصرين مع الموسيقا الشرقية، لذلك انجذب الكثير من الموسيقيين العرب نحو مزجها مع أعمالهم ومنهم الموسيقيين السوريين.

تقاطعات

هذا ما يؤكده الموسيقي "دلامة شهاب" أحد أبرز العازفين السوريين على آلات النفخ النحاسية، حين يقول: «موسيقا "الجاز" هي موسيقا عالمية تعتمد على الارتجال، وهي نقطة اللقاء مع أنواع الموسيقا الشعبية ومنها العربية والسورية، بناءً عليه ولوجود نقاط تشابه بين نوعيّ الموسيقا العربية والجاز حيث يلتقي النوعان في مجال الارتجال، لذلك يمكن للموسيقا العربية أن تستفيد من الجاز وإغناء اللحن العربي بتآلفات الموسيقية للجاز».

اوركسترا الجاز السورية قدمت أعمالاً خاصة بها تعبّر عن هويتها كأوركسترا جاز سورية وعربية، وصاغت قطعاً موسيقية خاصة بها من قبل موسيقيين سوريين وأجانب، وعملت على إعادة توزيع أعمال من التراث الموسيقي العربي والعالمي، مثل أغنية "هالأسمر اللون" و"جفنه علم الغزل"

المزج بشروط

ثمة من يعدّ المزج ما بين التراث الغنائي والجاز بأنه ليس تشويهاً، بل إن الارتجالات الموجودة في الجاز تتقاطع مع الارتجال في موسيقانا وخاصة إذا قدم بتوزيع مدروس وبقاء الجملة الشرقية في مكانها، وهناك من يرى فيه نوعاً من التجريب الذي هو حق مشروع في الموسيقا.

أوركسترا النفخيات السورية

يقول "علي أحمد" مؤسس وقائد أوركسترا "الشام الإيقاعية": «لا مانع من أن نعزف الموسيقا الشرقية ونضيف عليها جزءاً صغيراً من ارتجالات الجاز، فذلك شكل من أشكال التطور بشرط أن لا يؤثر في مضمون القيمة الفنية التراثية، فمجرد إضافة "أكوردات" الجاز للتراث نخشى الوقوع في إشكالية التشويه، وهناك وجهات نظر كثيرة بموضوع التشويه..أنا مع موضوع الحداثة ولكن من دون تغيير اللحن الرئيسي، وأن لا تكون الارتجالات المضافة بعيدة عن اللحن الذي يعزف».

أوركسترا الجاز السورية

وجدت موسيقا الجاز في "سورية" منذ ثمانين عاماً تقريباً وبرزت أكثر في بداية الثمانينيات، ومن المغنيين السوريين الذين عملوا في هذا السياق المغني المغترب "جوان حاجو" الذي مزج اللحن الكُردي مع "الجاز"، ولاقت تجربته استحساناً من المتلقي على الأقل في الجزيرة السورية، و شهد هذا الشكل الموسيقي الانتعاش والانتشار في السنوات الأخيرة، إثر ازدياد الفرق السورية منها أوركسترا "الجاز السورية" التي ساهمت بزيادة الاهتمام بها، حيث قدمت بعض الأغاني السورية التراثية من خلال توزيع جديد ممزوج بالجاز، وعن هذه التجربة يقول "إيهاب القطيش" مؤسس وقائد أوركسترا "النفخيات": «اوركسترا الجاز السورية قدمت أعمالاً خاصة بها تعبّر عن هويتها كأوركسترا جاز سورية وعربية، وصاغت قطعاً موسيقية خاصة بها من قبل موسيقيين سوريين وأجانب، وعملت على إعادة توزيع أعمال من التراث الموسيقي العربي والعالمي، مثل أغنية "هالأسمر اللون" و"جفنه علم الغزل"».

أوركسترا الشام الإيقاعية

أغانٍ بأسلوب الجاز

من عروض الجاز في دمشق

ويتابع "القطيش" قائلاً: «أيضاً نحن في "أوركسترا النفخيات" قمنا بتوزيع أعمال موسيقية سريانية صاغها موسيقياً الفنان "ناريك عبجيان"، هذه الموسيقا التي نعدّها سورية بحتة، وقدمناها بأكوردات وتآلفات موسيقية هارمونية مع آلات النفخ بالإضافة إلى أغنية "يا محلا الفسحة"، وهكذا أعتقد بأنه يجوز هذا الخلط، ولكن يبقى الذوق الموسيقي للموزع وأسلوبه وكيفية نسجه مع الجاز».

ويذكر الباحث الموسيقي "صميم الشريف" في كتابه "الموسيقا في سورية- أعلام وتاريخ" بأن أول احتكاك غير مباشر لمدينة "دمشق" بموسيقا الجاز كان في الثلاثينيات من القرن الماضي، وفي عام 1947 أسس الموسيقي "حسن ركزنلي" أول فرقة موسيقية حقيقية للجاز، ظلت تعمل بقيادته حتى وفاته عام 1968، وقد سبق أقرانه في "مصر" و"لبنان"، وعاشت الفرقة عشرين عاماً، وكانت تقدم حفلاتها في الأماكن العامة والإذاعة والتلفزيون.