مكتبتها رفيقتها في رحلة عمرها، وحضور للماضي في الحاضر، كأنما هي سلسلة من ذرا شاهقة، تتجدد خضرتها وتتدفق ينابيعها ثقافةً ومعرفةً.. ذكرياتها لا تنسى، ففي كل صفحة من صفحات كتبها ذكرى، روحها تسكن في كل ركن وزاوية منها، فيها الأدب العربي والعالمي والفكر والفلسفة والاجتماع وعلم النفس.

ملاذي الآمن

تتحدث الأديبة "غادة اليوسف"، عن رحلتها مع الكتاب، وتقول: «لدي ما يقارب 5000 عنوان أو أكثر، علاقتي بها علاقة عشق وصداقة، إنها ملاذي وسقاي ولا أرتوي، وكم يؤسفني أن العمر محدود، ولا يكفي لأقرأ كل شيء، الكتب بحالة فوضى واضحة لأنها تتنقل بين قارئ وآخر من كل الأعمار، وأفرح حين يطلب مني أحدهم كتاباً للقراءة، فأختار ما يناسب مستواه الفكري، لكي أغويه بمتعة القراءة، التي لا تضاهيها متعة، وعلاقتي بمكتبتي كأنها جزء من سيرتي الذاتية، وتطوري الفكري، وتتضمن العناوين بعداً زمنياً، بعضها غارق في القدم، حتى اصفرت أوراقه، وأنا لا أذكر نفسي إلا وأنا أقرأ، منذ كنت صغيرةً، حيث كان يمتلك والدي مكتبة ضخمة، تحوي آداباً وفقهاً وأشعاراً قديمة، وروايات مترجمة عالمية، وهي التي شدتني، وكنت أجد نفسي بين الكتب أكثر من وجودي مع صداقات الآخرين، فأتخلص من إحساسي بالاغتراب، وأنا بين الكتب، الاغتراب الذي أعانيه منذ طفولتي، فكان عالم الكلمة يسحرني فأقرأ واقرأ، ومنها قرأت كتباً لم أكن أستوعبها في العمق، فتحرضني على السؤال والبحث، وهذا يدل على أن المعرفة تتنامى، وتخصّب ذاتها وتولِّد لدى القارئ قدرة على الاستيعاب باضطراد».

مع تطوري الفكري، وفي المرحلة الجامعية، تعرفت على الأدبيات "الماركسية"، في مرحلة صعود المدّ الماركسي، فقرأت "لينين" و"ماركس" و"أنكلز"، وأغلب النظريات "الماركسية"، فأثرت في توجهي، ولأن القراءة تخلق الإنسان، وتوجهه، اخترت دراسة "الفلسفة" شعبة علم "الاجتماع"، ما فتح أمامي آفاقاً واسعة للاطلاع على نظريات دراسة المجتمع البشري وتطوره، والظلم الذي هو تاريخ المجتمع البشري، ما جذبني بالاتجاه "الماركسي"، وساعدني ذلك بالنجاح بسهولة في الجامعة، ولكن ليس لأني درست المنهاج الجامعي، ولكن لأن لدي مخزوناً معرفياً متراكماً، بسبب القراءات المكثفة من كتب خارج المقررات

تساؤلات مبكرة

وعن تأسيس مكتبتها، تضيف: «بدأت بتأسيس مكتبتي، منذ كنت في بداية المرحلة الإعدادية، حيث كنت أجمع مصروفي، لأشتري الكتب، وعليّ الاعتراف بالفضل لمجلة "الهلال المصرية"، التي كنت اشتريتها من بسطة كتب، وكان سعرها آنذاك "فرنكين"، فأسست هذه المجلة لدي ثقافة واسعة منذ ذلك الزمن المبكر، وهي مجلة عريقة، كتب فيها قامات كبيرة، من عمالقة الأدب، كانوا يعدّون رموزاً للأدب والثقافة والفكر في زمنهم، وفيها تعرفت على كبار الفنانين والفلاسفة، تعلمت منهم الكثير، فكونت رصيداً ثقافياً وفكرياً، تساؤلاتي المبكرة حول الله، والوجود والحياة والموت والكون، سارت بي نحو الفلسفة، ولأنني أعشق الشعر، كنت أشتري الدواوين الجديدة، وأول ديوان اشتريته بعنوان "حبيبتي" للشاعر "نزار قباني"، ثم حفظت ديوان "عمر أبو ريشة" الموجود في مكتبة والدي، وكنت لا أتوقف عن شراء الكتب بأنواعها العربية والمترجمة، كنت أشتريها من بسطة كتب معروفة بأسعارها الرخيصة، فيها كل أنواع الكتب المهمة في كل المجالات، التي فتحت لي آفاقاً، فالقراءة هي المتعة الكبرى، صادقتُ أدباء عظماء عرباً وأجانب، فكنت أجد نفسي متأثرة بكتاباتهم، لدرجة أنها كانت تبكيني أحياناً، قرأت الأدب العالمي، سحرني "ديستوفسكي" بعوالمه المضطربة، وغيره من الأدباء والفلاسفة، وقد اتهمتُ بالتوحد والجنون، من شدة تعلقي بالكتب، لدرجة لقبوني بالأستاذ "علم"، وهو أحد شخصيات "حمص" المعروفة، والذي يشاع بأنه قد جنَّ من شدة علمه واطلاعه»..

رئيسة فرع حمص لاتحاد الكتاب أميمة إبراهيم صديقة الأديبة غادة

وتتابع الأديبة بالقول: «مع تطوري الفكري، وفي المرحلة الجامعية، تعرفت على الأدبيات "الماركسية"، في مرحلة صعود المدّ الماركسي، فقرأت "لينين" و"ماركس" و"أنكلز"، وأغلب النظريات "الماركسية"، فأثرت في توجهي، ولأن القراءة تخلق الإنسان، وتوجهه، اخترت دراسة "الفلسفة" شعبة علم "الاجتماع"، ما فتح أمامي آفاقاً واسعة للاطلاع على نظريات دراسة المجتمع البشري وتطوره، والظلم الذي هو تاريخ المجتمع البشري، ما جذبني بالاتجاه "الماركسي"، وساعدني ذلك بالنجاح بسهولة في الجامعة، ولكن ليس لأني درست المنهاج الجامعي، ولكن لأن لدي مخزوناً معرفياً متراكماً، بسبب القراءات المكثفة من كتب خارج المقررات».

وعن أرشفة مكتبتها، تشير "اليوسف": «لم أقم بأرشفة الكتب وتبويبها، لأنني أقرأ كل ما أريد معرفته، فهناك العديد من الكتب والموسوعات "الفلسفية" وعلم "النفس" و"اللاهوت" وتاريخ "سورية" القديم ما قبل الميلاد بقرون، حقٌ أن يقال عنها إنها منبع الأبجدية والكلمة المكتوبة والمقروءة، وهذا ليس كلام شعارات، حين نقرأ تاريخها العظيم، هي الشمس حضارةً وقيماً ومعرفة، أشرقت على فجر الكون، في مكتبتي الكثير من الشعر، وككل أبناء جيلي كان توجهي للشعر في بداياتي، أما الرواية فكانت للمتعة والتسلية، والأدب عموماً في مكتبتي بالنظر لبقية الأصناف الموجودة فيها قليل، حيث يغلب عليها الفكر والثقافات والبحوث التاريخية والأساطير والنظريات الاجتماعية، وكتب التاريخ والفلسفة وعلم النفس والدراسات الاجتماعية، وكتب التصوف والروحانيات وأدب الأساطير عموماَ، وتحوي الكثير من الإصدارات الجديدة التي قدمها لي كتاب حديثون، فأقول كلمة حق، بعضهم يأخذ بها، وبعضهم يتنكر لها».

جزء من مكتبتها

5000 كتاب

الفوضى بين أركان المكتبة

وعن مكتبة "اليوسف" تقول صديقتها رئيسة فرع "حمص" لاتحاد الكتاب العرب "أميمة إبراهيم" : «تضم مكتبة الأديبة "غادة" ما يقارب 5000 كتاب، تمضي جلَّ وقتها متنقلة بين هذه الكنوز الوارفة، ناهلة من معينها الثر، إضافة إلى ما تمتلكه من روح مرحة محبة للدعابة حاضرة البديهة، تركض بلا توقف وراء الكلمة الجميلة والفكرة النابضة بالحياة، مكتبتها غنية بكل أنواع الكتب الفكرية والأدبية والسياسية والفلسفية، وهي قارئة نهمة، مكتبتها عبارة عن مركز ثقافي حقيقي، تحفل بكل ما هو شائق ومفيد ومهم، وتعدُّ "اليوسف" أديبة وباحثة تكتب القصة والرواية والشعر والبحوث مختلفة الموضوعات، التي نادراً ما يتصدى لها أحد، تكتب بصدق ومن خلال تجاربها ومعايشتها لكثير من الوقائع، وهي ناسكة متعبدة في محراب مكتبتها الضخمة».