لم تقف سنوات عمره الصغيرة عائقاً أمام العمل في واحدة من أصعب المهن، فقد بدأ "كورية حنا رشو" ابن مدينة القامشلي، العمل في مجال الحديد وهو في العاشرة من عمره، ليتدرج في العمل بالمهنة حتى صار واحداً من شيوخ كارها ودخل عالمها من أبوابه الواسعة.

الحاجة أم النجاح

تنقّل "كورية" بين المهن واتجه للعمل باكراً، ليؤمن لقمة العيش، فلم يهنأ بطفولته ودراسته وشبابه، قضاها بين الحديد حتّى يومنا هذا حسب كلامه. يتذكر طفولته بكل تفاصيلها المتعبة، ويقول: «فقدت والدي وعمري أربعة أشهر، كنت مضطراً للعمل قي سن صغيرة، لذلك لم أتقدم في دراستي كثيراً لحجم الصعوبات، وحاجة أسرتي لعملي، كنتُ عاشقاً للحديد ومهن الصناعة، لذلك كانت حقيبتي تتناثر فيها قطع الحديد المختلفة، كثيراً ما لاحظ مدرسي ذلك، فوجّهني لتعلم مهنة صناعيّة، طبعاً بذلك التشجيع كان في داخلي طموح الاعتماد على الذات، وتأمين لقمة العيش.. أتذكر أنني وعندما كنت في عمر 8 سنوات كنت أتجول بين محلات الصناعة، لألملم قطع الحديد لبيعها، عملي هذا كان يبدأ من الفجر الباكر، قبل أن تفتح المحلات، وقيمة تلك القطع التي أبيعها أضعها بيد والدتي، هذا الأمر شجعني على تعلّم كار الحديد، إلى جانب تعلّم تصليح صناعة العربات، والدهان بمختلف أنواعها، للسيارات والمنازل، وفي عمر ال9 سنوات اتجهت لتعلّم مهنة حدادة السيارات براتب شهري بلغ حينها 28 ليرة».

سمعت وشاهدت الكثير من القيم الطيبة للعم "كورية" سمعت من الكبار أنه أحد أمهر الصناعيين، علّم المئات من الشباب ليصبحوا معلمين صناعيين، قدم الكثير للمنطقة الصناعية، له مواد مهمة مصنوعة من يديه تخدم الصناعة، الأجمل أنه كافح ليكوّن اسماً جميلاً، فقصته محط تقدير واحترام كل من سمع به، يملك رصيداً اجتماعياً كبيراً، فكما أسلفت خدماته منتشرة في عموم المنطقة

تجربة مبكرة

بعد فترة قصيرة عُرض عليه عمل مهم براتب أعلى، وهو ما كان يطمح إليه، لأن متطلبات الحياة وأسرته تتطلب منه ذلك، يقول عن خطوته تلك: «أحدهم عرض علي العمل مع عائلة "أصفر نجار"، إحدى أعرق الأسر العاملة في مجال الزراعة، لم يكن عمري حينها يتجاوز 10 سنوات، كان الأمر جدياً، ومن مكتب لآخر للحصول على الموافقات، أغلبهم كان معترضاً على قبولي لسني الصغيرة، وعدم وجود ثقة بقدراتي للتصدي لتصليح آليات تلك العائلة العريقة والضخمة، المهم وضعوني في تجربة في بلدة "رأس العين" تحديداً منطقة "مبروكة"، حملت عدة النوم والطعام والشراب للمنطقة، بعد إقناع الوالدة بعد جهد كبير، فقد كان تعترض وخائفة علي وأنا في سن صغيرة جداً، حتّى في "مبروكة" استغرب المشرف على تلك العائلة، نظراً لصغر سني وصعوبة المهمة، لكنه وافق بعد أن عرض علي تجهيز وصناعة قوس لكنيسة المنطقة، نجحت في الاختبار، ومنحني كامل العمل للإشراف على حدادة أكثر من 40 آلية فيها، كنتُ أستغرق ساعات وأحياناً أواصل الليل بالنهار لإنجاز العمل، أبهرت الجميع بالعمل المتميز، أصبحتُ من أهم معلمي الحدادة، الأهم أن راتبي وصل إلى 175 ليرة سورية شهرياً، انطلقت مع تلك الأسرة في أصعب فترة، لأن الفترة كانت زمن حصاد المحاصيل الشتوية، والعمل كان مجهداً، لكن نجحت في العمل مع أعرق الأسر الزراعية».

مواد صنعها بيديه باقية في المنطقة الصناعية

سنوات مع الحديد

لا يفارق الحدادة

بعد التجربة الناجحة مع عائلة "أصفر نجار" كان إصرار والدته على البقاء قريباً منها والعمل في مدينة "القامشلي" فاتّجه "كورية" للعمل في ورشة خاصة بالآليات المختلفة.

يقول عن تجربته الأخرى: «اشتغلتُ بشكل كبير في تلك الورشة، خاصة ما يتعلق بتصليح وصيانة الحصادات، دخل اسمي في قائمة المميزين بمجال الصناعة، قررتُ بعدها فتح محل خاص وذلك بتاريخ 6 كانون الثاني 1965، باشرت العمل بحماس وحيوية، فلم أعد عاملاً عند أحد، يتواصل معي الكثير من أبناء المنطقة القريبة والبعيدة، لثقتهم بعملي تم منحي لقب الصناعة الأول "أبو حديد"، عندما انتقلت المنطقة الصناعية إلى محلها الحالي عام 1993 انتقلت معها، وأنا مع الحديد حتّى قبل فترة قصيرة حيث أرهقتني سنوات العمل فأصابني ديسك الظهر ونقص السمع، ووجع الرجلين، وأنا حالياً أول من بقي من الجيل القديم في الصناعة، تخرج المئات من تحت يدي، لدي الكثير من القطع الصناعية والأدوات المساعدة للعمل في مجال الحدادة، وهي من صنع يدي، حتّى اليوم أنا مواظب على الدوام في محلي للحديد والذي لا غنى لي عنه».

مع مراسل مدونة وطن

شيخ كار

يدين العديد من أهل المنطقة الصناعية بالأفضل لـ"كورية" في تطوير الصناعة، هذا ما قاله أحد العاملين بالصناعة الشاب "لازكين عمر"، وأضاف: «سمعت وشاهدت الكثير من القيم الطيبة للعم "كورية" سمعت من الكبار أنه أحد أمهر الصناعيين، علّم المئات من الشباب ليصبحوا معلمين صناعيين، قدم الكثير للمنطقة الصناعية، له مواد مهمة مصنوعة من يديه تخدم الصناعة، الأجمل أنه كافح ليكوّن اسماً جميلاً، فقصته محط تقدير واحترام كل من سمع به، يملك رصيداً اجتماعياً كبيراً، فكما أسلفت خدماته منتشرة في عموم المنطقة».

"كورية رشو" من مواليد "القامشلي" 1943، أجري اللقاء مع مدونة وطن بتاريخ 29 أيار 2022.