يُعرّف الإعلامي والباحث " مازن الشاهين " التراث بأنه ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد الأصيلة، وهو ما ينتقل من جيل إلى جيل ويشمل كل الآداب والفلسفات والعلوم، والسلوك واللغة والعمران والفنون والمأثورات الشعبية، من شعر وغناء وموسيقا ومعتقدات شّعبية وقصص وحكايات وأمثال تجري على ألسنة الناس، وهو بشقيه المادي واللا مادي ذاكرة لأي شعب، وهو إذ خطّه في سنواتٍ ماضية فيما خصّ "دير الزور" في الكتب، إلى تاريخه، إلا أنه اليوم يعمل على مجاراة ما تفرضه التكنولوجيا، ليبدأ بها ومعها مشروعه للتوثيق الإلكتروني، وذلك عبر قناته التي سيطلقها قريباً على " اليوتيوب "، وهي تحمل اسم " خطوات".

" خطوات " .. قريباً

لدى " الشاهين " رصيدٌ من المؤلفات التي تُعنى بتراث وتاريخ محافظة "دير الزور"، ناهيك بمؤلفات أخرى ضمن هذا المضمار ، وستكون كتبه " ذاكرة الأيام "، ومعجم " العادات والتقاليد التراثية الفراتية" ، إضافةً ل" تاريخ محافظة دير الزور ".

يتابع" الشاهين" حديثه ل" eSyria " : " في ظل التطورات التكنولوجيا المُتسارعة ، وتغير عادات الناس في القراءة ، عدا عما يواجهه الكتاب من مخاطر الاندثار ، فإنني وجدت الأولى لحفظ التوثيق ضمن هذا المضمار، الولوج لوسائط النشر الإلكترونية، ولا سيما عبر المرئي منها ، فكانت الفكرة إطلاق القناة على "اليوتيوب".. بدأت منذ فترة قصيرة بتسجيل حلقات لبثها، سأتناول فيها تراث وتاريخ "دير الزور" بشقيه المادي واللا مادي ، أُعرف من خلالها الأجيال بهذا المضمون ، سواء أكان مدوناً ، أو حتى شفاهياً ".

الباحث والإعلامي مازن الشاهين

محتوى رقمي

الباحث سعيد حمزة

ويضيف : " سأعرض في " خطوات " العادات والتقاليد التراثية الفراتية عبر حلقات متنوعة ، إضافة لما كنت نشرته في كتابي " ذاكرة الأيام الديرية وتاريخ دير الزور" ، ، وما دونته في معجم " العادات والتقاليد التراثية الفراتية " ، ومما لاشك فيه هو أنّ التوثيق بشكل عام علم من علوم التاريخ لحفظ المعلومات وتنسيقها وتبويبها وترتيبها وإعدادها لجعلها مادة أولية للبحث والفائدة، وهو علم مهم لحفظ النتاج الإبداعي الإنساني ، و الأحداث التاريخية ، والتراث الإنساني بمختلف جنباته ، والتوثيق بواسطة الحاسوب هو أساس التوثيق الإلكتروني الرقمي ، وذلك عن طريق مواقع الإنترنت، فتُحفظ المعلومات باستخدام التقنيات الحديثة التي تستخدم في نقل وحفظ صورة طبق الأصل لمحتوى أية وثيقة باستخدام التقنيات الرقمية، بحيث يمكن الرجوع الى ذلك في أي وقت وبأي طريقة من طرق البحث المتعارف عليها، وبالتالي المساهمة في وضع حلول لمشاكل المحتويات الورقية للوثائق، فعندما يختزل التراث العربي كله بكتبه وشعره ونثره وقصصه بقرص (CD) تدرك تماماُ أهمية استخدام التقنيات الحديثة في عملية التوثيق للماضي والحاضر ".

عناوين للأرشفة

ويُوصّفْ " الشاهين " مزايا مشروعه الذي سيطلقه قريباً بكونه سيوفر إمكانية الحصول على المعلومة وتداولها ونقلها فيما خصّ محافظته : " بهذه الطريقة سنتخلص من مشاكل الوثائق الورقية حيث كميات كبيرة من الورق بحاجة لأماكن تخزين ، وكميات الورق تتعاظم وتزداد كل يوم والاحتفاظ بالنسخ نفسها في عدة أماكن ، وما تواجهه من مشاكل التصوير والطباعة والنسخ ، وهذا التوثيق يُمكن للجميع التعامل معه ومتابعة ما يطرحه ، كباراً وصغاراً ، مُتعلمين وحتى غير متعلمين إن أحبوا ذلك ، حال قدرتهم على التعامل مع تلك الوسائط ، كأن تتابع عادات وطقوس الزواج بمنطقتنا عبر مراحل ، أو أول طبيب وأول صيدلي مارسا المهنة ، قصة مكان معين ، تسميته ومن مر عليه ، بل كل ما يشد الإنسان " الديري " ليعرفه حول تاريخ وعادات أهله والتطورات التي حدثت ، وغيرها من أحداث مرت على دير الزور" .

رصيدٌ باقٍ

في مشروعه "خطوات" يكون "الشاهين" قد أضاف بُعداً حياً مباشراً لما كان خطه قلمه من مؤلفات خلال سني حياته، ومنها كتبه " أحداث خالدة في تاريخ دير الزور " الصادر في العام 2007 ، وكتاب " مفكرة الأيام الديرية " بإصداراته الثلاثة التي كان آخرها في العام 2012 ، و" شهداء دير الزور في سجل الخالدين " عام 2004 ، " وطني في ضمير الشعراء " ، و" معجم العادات والتقاليد التراثية الفراتية" الذي تم إنجازه ضمن عمله مع لجنة جمع وتسجيل وتوثيق التراث الشعبي في "ديرالزور" ، والذي حالت الأوضاع التي مرت بها المحافظة دون صدوره ، وسيجري بثه في حلقات القناة على "اليوتيوب" ، ولكونه يحمل الإجازة بالاقتصاد ، فإن تخصصه لم يغب عن مؤلفاته ، فكان كتابه "القيادة الإدارية " الصادر عام 2003 ، و"صناعة القرار" في العام 2005 ، و" كيف تبدأ مشروعك الصغير " العام 2020 ، وكان درّس في كليات جامعة الفرات، وعمل لسنوات عدة مديراً لمكتب صحيفة البعث بدير الزور، ويعمل حالياً بعد تقاعده مدرباً للتنمية البشرية وإدارة المشاريع الصغيرة ومهارات الحياة.

ويختم " الشاهين " حديثه قائلاً : " كمهتم بالتاريخ والتراث بالمنطقة ، فإنني أهدف عبر مشروعي إلى تشجيع أعمال التوثيق الإلكتروني للموروث التاريخي الفراتي ، مع التذكير هنا بأنّ "سورية" كانت السّباقة في العالم العربي بحرصها على استخدام التكنولوجيا في حفظ التراث من خلال استضافتها مؤتمراً عربياً بهذا الشأن في العام 2008 " .

توثيق نحتاجه

مما لا شك فيه أن إطلاق الباحث " مازن الشاهين " لقناته آنفة الذكر هو عملٌ مهم لمشروع نحتاجه، سواء أكنا أناساً عاديين نحب هذه الموضوعات أو حتى بالنسبة للباحثين ممن يطلبون مراجع ومصادر لأعمالهم ، وما طلبة الجامعات ، أو المدارس ببعيدين عن فوائد يوفرها ، يقول الباحث والفنان " سعيد حمزة " خلال حديثه ل" eSyria " : " إخلاص "الشاهين" لكل ما يتعلق بالفرات وأهله ماضياً وحاضراً، إضافةً لطموحه شكّلا لديه حافزاً ليبدع ما هو عليه وما يسعى إليه وما هو قادم لإنجازه ، هو يتحرك باتجاهات متعددة في مجال توثيق التراث اللا مادي وأكثره أنجزه ميدانياً محاولاً الوصول لحقائق الأمور وتوثيقها وإصدارها ، عمل بالصحافة وأبدع وكتب بمجال التطوير الإداري والقيادي، ويعمل الآن في مجال التنمية البشرية والتدريب ، يعرف أين يتجه ويجيد إدارة بوصلة حياته مستثمراً إمكانياته ومواهبه وتوظيفها بالشكل الأمثل ، وأعتقد أن ما أقدم عليه بهذا الصدد سيكون إضافة في هذا العالم الذي يشد الكثير من المهتمين".

فيما يرى الباحث بالتراث " غسان الخفاجي " أنّ المشروع يُشكل سابقة بالمحافظة ، سابقة جاءت من شخص مُختص وله رصيده الذي لا يُنكر في التدوين للتاريخ والتراث بكل أشكاله : " قدّم الأستاذ " الشاهين " الكثير من الأعمال التوثيقيّة التي رصدت تاريخ وإرث "دير الزور" الإنساني ، عمله جاء ممنهجاً علمياً ، اعتمد الرصد من أرض الواقع لا عبر ما كُتبَ سابقاً ، إلا في أمور قد تتطلبها ، مشروعه الراهن بلا شك هو إضافة جديدة ومبادرة في مكانها ، استلهمت الأدوات التكنولوجيّة ووسائطها إلكترونياً ، أتمنى له التوفيق فيما يُقدمه على هذا الصعيد ، مع التنويه إلى كون ما خطه منذ سنوات شكّل مرجعية مهمة للباحثين ، ومن يستهويه تراث المحافظة ، بل ومنطقة الفرات ككل".