تنطلق الخطوات الأولى للعديد من أساتذة الجامعات والبحوث العلمية، من بناء مكتباتهم المنزلية الخاصة من خلال الاحتفاظ بكتبهم الجامعية أولاً، ومن ثم برفدها وتوسعتها من خلال شراء كتب جديدة من المعارض التي تقام في رحاب الجامعات أو حتى من سوق المكتبات العامة، يضاف إلى كل ذلك كله حرصهم وحفاظهم على كتبهم التي درسوها في مرحلتي الماجستير والدكتوراه.

ولعل الملاحظ أن غالبية هذه المكتبات وفي أكثرها تأخذ الطابع العلمي البحت مع بعض الإضافات الخاصة بميول وهواية كل دكتور جامعي بعيداً عن اختصاصه.

مهما علا شأن الإنسان تبقى المكتبة هي مرجعنا العلمي الذي لا غنى لنا عنه، وجميعنا طلاب وأساتذة وباحثون معنيون بمتابعة أحدث الطبعات الصادرة عن دور النشر وبتكوين مكتبات منزلية علمية تقوي اختصاصاتنا

ثقافة مبكرة

موقع مدونة وطن "eSyria" زار مكتبة الدكتور "خالد الخضر" الذي تحدث للمدونة عن حبه وشغفه وعلاقته غير المحدودة بالكتب والمكتبات منذ أن كان طالباً يدرس المرحلة الاعدادية في مدينة "الرقة" في الستينيات من القرن الماضي ويقول: « شغفي وحبي للمطالعة بدأ مبكراً من خلال تشجيع والدي وعائلتي على القراءة باستمرار لزيادة ثقافتي وعلومي، وأثناء دراستي الإعدادية في مدينة "الرقة" ونظراً لنشاطي، عهدت إلي إدارة مدرستنا مهام المسؤولية الثقافية بغية مساعدة زملائي في استعارة الكتب من مكتبة المدرسة، ورغم صغر سني كنت مداوماً على قراءة الكثير من كتب الشعر والأدب العربي والعالمي، إضافة للكتب القديمة والمجلات مثل (مجلة عالم المعرفة السورية) والدوريات التي تصل إلى مكتبات الأسواق، حيث كنت أقتطع ثمنها من مصروفي الخاص، وفي عام 1975 سجلت بكلية الزراعة بجامعة "حلب" وهنا ازداد تركيزي واهتمامي أكثر نحو الكتب العلمية التي أدرسها، والملائمة لاختصاصي الزراعي، ولم أفرط بـ(نوتة) ولا كتاب أو بحث كان نتاج تجربة مخبرية درستها، إلا وأضفتها لمكتبتي الخاصة، مع استمراري بشراء كل ما يروق لي من الكتب الأخرى مثل كتاب "البؤساء" "لفيكتور هيغو" و"الحرب والسلم" لـ"تولستوي" وروايات "عزيز نيسين" و"نجيب محفوظ" و"توفيق الحكيم" (يوميات نائب في الأرياف)، والمجموعات الكاملة لـ"نزار قباني" وأخرى لـ"مظفر النواب" و"محمود درويش" و"طه حسين" و"أحمد شوقي" و"عبد السلام العجيلي"، وهذا الأخير ابن محافظتي "الرقة" كانت شخصيته الأدبية والعلمية محط إعجابي الخاص وأعده بمنزلة القدوة لي بما كان يحمله من علم وأدب وثقافة، ومؤلفاته القيمة مثل "السيف والتابوت والخيل والنساء"، حتى وصل عدد كتبي لأكثر من سبعمئة عنوان ومرجع ».

كتب ثمينة عن زراعة الفول والحمص والبقوليات

شهادات علمية

دكاترة كلية الزراعة "طاهر عنان، وليد منصور، عبد الله الأحمد"

ويتابع الدكتور "خالد" حديثه عن مشواره في التحصيل العلمي بعد التخرج من الجامعة بصفة مهندس زراعي، بعد نجاحه بكل الاختبارات تم إيفاده ببعثة لدراسة الدكتوراه في "ألمانيا" وتحديداً بجامعة مدينة "هالة"، وهناك مع دراسته التخصصية راح يركز اهتمامه أكثر فأكثر على اقتناء المراجع العلمية الزراعية باللغة الألمانية وبشكل خاص التي تقوي من اختصاصه الزراعي مع الشراء والتجميع الدائم لكل الكتب العلمية المهمة والقواميس التي كانت تقع تحت يديه بغية العودة بها إلى البلد.

العودة مع كتب علمية

في عام 1989 أنهى الدكتور "الخضر" إيفاده وعاد للتدريس بجامعة "حلب" محملاً بكل الكتب التي درسها واشتراها من حسابه الخاص هناك، ليضمها لمكتبته السابقة حيث قارب عددها الألف كتاب وعنوان شامل ومنوع وبكل الموضوعات، رغم أن طابعها كان علمياً وزراعياً وبثلاث لغات (العربية والإنجليزية والالمانية)، وتم وضعها في خدمة من يرغب من طلاب الجامعة والبحث العلمي والدراسات العليا.

"الدكتور خضر" يقلب أحد كتبه عن التحسين النباتي

الحرب حرقت مكتبتي

وفي حسرة ولوعة يتذكر الدكتور "الخضر" كيف خسر كل مقتنيات مكتبته أثناء الحرب فيقول: « بدأت بعد عودتي من الإيفاد بفهرسة عناوين المكتبة وتجليدها وزدت في عملية الشراء، وأصبح لدي مكتبة معقولة ورغم صغرها لكنها كانت غنية وثمينة ووافية بالمعلومات التي أرغبها، ومع بدء الحرب التي حلت على بلدنا، وبعد أن أصبح الحي الذي أقطنه في "مساكن بستان القصر" وسط الحرب، أقفلت باب منزلي على عجل وتمكنت من نقل أكتر من مئتي كتاب من العناوين المهمة التي أحتاجها إلى مكتبي بالجامعة، لكن عقلي وقلبي بقي معلقاً بالجزء الأكبر المتبقي من مكتبتي المنزلية على أمل العودة إليها مجدداً، ولكن المفاجأة والخسارة التي لا تعوض بثمن قد وقعت وما كنت أخشاه حدث، فبعد التحرير والعودة للمنزل في عام 2016، كان أول ما بحثت عنه كتب المكتبة، ومع الأسف لم أجد لها أي أثر، بل وجدتها محروقة ورماداً أسودَ مع كل مقتنيات المنزل الأخرى، وشكلت لي هذه الحالة صدمة وحزناً عميقاً على مكتبة علمية جمعتها عنواناً تلو آخر، وحزنت على مجموعة مؤلفة من أكثر من سبعين عنواناً اشتريتها بالتقسيط من راتبي من إحدى دور النشر، وكذلك على كتب زراعية عن الأمن الغذائي والمناخ والتحسين الوراثي للكائنات الحية للإنسان والنبات».

ويختم الدكتور "الخضر" حديثه بالقول: " الكتاب العلمي صديقي الذي رافقني في مسيرتي العلمية الطويلة، له وزنه وقيمته، ومعلوماته موثقة أكثر من المعلومات الموجودة في بعض المواقع الالكترونية، ومن جديد سأعيد بناء وترتيب مكتبة منزلية علمية شاملة، وستكون إحدى محطاتي القادمة كي أهبها في نهاية المطاف لأبنائي وأحفادي وطلبة الدراسات والبحث العلمي".

شهادات مكتبية

الدكتور الجامعي في الكلية "طاهر عنان" يقول: « احتوت مكتبة الدكتور "خالد الخضر" على كتب علمية ثمينة وقيمة، كان قد وضعها في خدمة طلاب الكلية من دون أي مقابل، وللأسف ضاعت محتوياتها في زمن الحرب، وذات الأمر بفقدان جزء كبير من مكتبتي أيضاً، بالمجمل الكتاب هو الصديق الوفي الذي لا يكذب ولا يبدل في أقواله ويمنحك علوم الحياة من دون أي مقابل، ومن هنا تأتي أهمية المكتبات من كونها ترقى بالمجتمع من الناحية الفكرية والعلمية وتعد المكتبات من أهم المعالم التي تدل على مستوى التقدم الحضاري والثقافي والعلمي لدى شعوب العالم المتحضرة، فهي كنز المعلومات الثابت الذي يمكن الرجوع إليه في أي وقت نشاء».

بدوره يقول الدكتور "عبد الله الأحمد" : « مهما علا شأن الإنسان تبقى المكتبة هي مرجعنا العلمي الذي لا غنى لنا عنه، وجميعنا طلاب وأساتذة وباحثون معنيون بمتابعة أحدث الطبعات الصادرة عن دور النشر وبتكوين مكتبات منزلية علمية تقوي اختصاصاتنا».

الدكتور "وليد منصور" قال: «أولينا في كليتنا اهتماماً خاصاً بالمكتبات بشقيها العام والشخصي، وقمنا بتكليف أحد الطلاب بإعداد مشروع التخرج له وكان عن أتمتة أربع مكتبات منزلية خاصة لدكاترة من كليتنا قاموا بإهداء كل محتوياتها لمكتبة الكلية، ما يدلل على أهمية وقيمة المكتبات في تطوير البحث العلمي من جميع جوانبه المفيدة».

وسيكون للمدونة لقاء خاص في مادة قادمة مع الطالب المهندس "باسل قريد" للحديث أكثر عن العمل الذي أنجزه حول المكتبات الأربع التي قام بأرشفتها على الحاسوب من حيث عددها وعناوينها وأسماء الدكاترة المتبرعين بها.

بقي أن نذكر أن الدكتور "خالد الخضر" هو من مواليد 1956 في مدينة "الرقة" ويحمل شهادة الدكتوراه من "ألمانيا" باختصاص تربية النبات، وأستاذ المادة في جامعة "حلب".

تم إجراء اللقاء والتصوير داخل كلية الزراعة بجامعة "حلب" بتاريخ السادس من شهر حزيران لعام 2022.