قَصَدَ القائمون على "الملتقى الثقافي اليسوعي" في مدينة "حمص" ألَّا يكون مجرد حالةٍ ثقافيةٍ مؤقَّتةٍ ومحدودة الزمان والمكان، بل مركزاً مستداماً لنشر الثقافة عموماً، ومساهماً ببناء الإنسان على أسسٍ متينةٍ تُمكِّنه من المشاركة لاحقاً ببناء مجتمعٍ سليمٍ ومحصَّن.

بصيص نور..

هذا ما عبَّر عنه "يزيد جرجوس" مدير الملتقى أثناء لقاء مدونة وطن "eSyria" معه حيث يقول: « فورَ تحرير أحياء "حمص" القديمة من الإرهاب، صيف عام 2015 كان الهدف الأساسي من الأنشطة التي أطلقها الملتقى مثل ورشات الرسم والنحت والمسرح ورقص الباليه، هو تشجيع الأهالي الذين هُجِّروا من بيوتهم للعودة إليها، وتثبيتها رغم كميَّة الدمار والخراب التي طالت أحياءهم، ومسح ما أمكن من آثار الحرب المؤلمة التي عاشوا قسوتها أينما حلَّت بهم الإقامة وتخفيف هول ما شاهدوه عند عودتهم. إيماناً منَّا كمؤسسين للملتقى بأنَّ وجود التعليم والثقافة بأجناسها المختلفة يساهم بعودة الروح لتلك الأحياء ويضيء شعلة نور وسط الظلام المخِيِّم عليها وإن كان ضئيلاً».

علامة تلقَّفها الطلبة والدارسون كملاذٍ آمنٍ لهم ومتنفس للتعبير عن آمالهم، وفعل ثقافي خارج من دخان الحرب والخوف والدمار المحيط بواقعهم، كنا نؤمن بأننا نعيد للمدينة ولو بشكلٍ رمزيٍ بعدها الثقافي والحضاري الذي طالما تمتَّعت به وجميع المشاركين بتأسيسه كانوا يعملون بشغفٍ وأمانةٍ وبلا مقابلٍ مادِّيٍ، وقد أثمرت ورشات العمل التي أشرفت عليها قيام معارض فنِّية عُرضت فيها نتاجات المواهب التي شاركت فيها، والتي بدورها أحدثت فعلاً ثقافياً ولو بسيطاً يعبِّر عن عودة الحياة لمدينة "حمص"

شراكة تفاعلية..

لم نشأ أن يكون الملتقى عبارةً عن نادٍ صيفيٍ وكفى، بل نظرنا إليه كحالة وطنية ثقافية تفاعلية مهمتها المشاركة مع الجهات المسؤولة عن الواقع الثقافي وعلى رأسها "مديرية الثقافة" في مدينة "حمص"، كما تابع الضيف بكلامه مضيفاً بقوله: «مهمة هذه الحالة أو هذا الكيان الثقافي هي بناء الإنسان فكراً وعلماً ليكون شريكاً ببناء المجتمع الذي يعيش ضمنه، هنا أذكر "معن الابراهيم" مدير الثقافة الذي كان شريكاً أساسياً معنا في انطلاقة أعمال الملتقى، من خلال التسهيلات التي قدَّمها إن كان على صعيد ترشيح المدَّربين المختَّصين كلٌّ بمجاله الفنِّي وكذلك باستخدام الصالات التابعة للمديرية كي تقام عليها فعاليات الملتقى المختلفة.. نهج العمل في مختلف الورشات التدريبية التي افتتحناها واللا محدودة بزمن استمراريتها اِعتمدناه أكاديمياً بحتاً، والأساس فيه هو انتقاء أصحاب المواهب وتمكينهم من أجل الوصول بهم لدرجة الاحترافية مهما استغرق ذلك من وقت دون التقيُّد بشرط العمر مطلقاً، حيث انضمَّ إلى بعض الأنشطة التي أقمناها مثل "اليوغا" أشخاص بلغوا الخمسين من العمر».

جانب من الأنشطة والدورات التي يقيمها الملتقى

شغف ولقاء

أمسية شغف 1

ويضيف "جرجوس": « تسمية "الملتقى الثقافي اليسوعي" جاءت كون الإشراف العام عليه والتمويل الأعظم لأنشطته يتِّم من قبل إدارة "دير الآباء اليسوعيين" الذي تقام كلُّ تلك الأنشطة في مقرِّه الكائن في حيِّ "بستان الديوان"، رسم الانتساب للدورات التي يقيمها الملتقى يعدُّ رمزياً مقابل التكلفة الكبيرة لها، لكننا أقريناه لترسيخ مبدأ الالتزام من قبل المنتسبين ليس أكثر. نتاج الملتقى لم يقتصر فقط على أنشطة الرسم والنحت والمسرح ودورات رياضة "اليوغا" فقط، بل كان للشباب الراغب باكتساب مهاراتٍ جديدةٍ إضافيةٍ تسمح له بإيجاد مكانٍ ما في سوق العمل، لذا فقد شهد الملتقى إقامة دوراتٍ تخصُّصية ومنها دورة قيادة "الحاسب" و"المحاسبة" إضافةً لتعلُّم أصول "التصوير الضوئي" ».

ويتابع بالقول: « نتاج الملتقى لم يقف عند هذا الحدِّ بل كان لنشر الثقافة العامَّة جانبٌ من أنشطته تمثَّلت بالعديد من الأمسيات الموسيقية والمحاضرات الأدبية التي كان يقيمها بين الحين والآخر ومنها مثلاً: أمسية "شغف 1" التي التقى فيها الشعر مع الموسيقا والغناء بأسلوب جديدٍ كلِّياً والتي عُرضت على مسرح "قصر الثقافة" في مدينة "حمص" عام 2019، والنجاح الذي حققته دفعنا لتكرار عرضها على خشبة مسرح المركز الثقافي في بلدة "مرمريتا" تحت مسمى "شغف 2". "حوارٌ مع المتنبي" عنوان أمسيةٍ اجتمع فيها الشعر مع الأدب بأسلوبٍ فريدٍ قدَّمها المفكِّر والباحث "عطية مسوح" إلى جانب الشاعر "حسن بعيتي" بقالبٍ يقدَّم لأول مرَّةٍ في المدينة، وأعيد إقامتها في مدينة "طرطوس" نظراً للأثر المميز الذي أحدثته، هذه النتاجات يمكن اعتبارها مخاضَ جلساتِ "جدل" والتي تعقد بين الفينة والأخرى في رحاب مركز الملتقى والتي يشارك فيها 15 شخصاً من مؤسسيه وأصدقائه. أيضاً هناك نتاجٌ أخر تمثَّل بتأسيس فرقة "كورال" خاصة بالملتقى حملت اسم "لقاء"، وتدريباتها قائمةٌ وتضُّم في قوامها مجموعة من الشباب المتنوِّع الانتماءات الفكرية والاجتماعية والدينية ومن مختلف مناطق مدينة "حمص" مثلهُ مثل جميع المنتسبين لأنشطة الملتقى الأخرى التي ذكرناها، ومن هنا تكون رسالتنا التي نحملها منه قد أدَّت مهمتها».

قاعات التدريب على الموسيقا وعلوم الحاسب

علامة فارقة

تجربة الملتقى بالنسبة لي كشريكٍ مؤسِّسٍ له أعدّها علامةً فارقةً في مدينة "حمص" أعادت إنتاج العلاقات الثقافية والاجتماعية كما ذكر "إياد البلال" النحَّات العالمي والذي يضيف : « علامة تلقَّفها الطلبة والدارسون كملاذٍ آمنٍ لهم ومتنفس للتعبير عن آمالهم، وفعل ثقافي خارج من دخان الحرب والخوف والدمار المحيط بواقعهم، كنا نؤمن بأننا نعيد للمدينة ولو بشكلٍ رمزيٍ بعدها الثقافي والحضاري الذي طالما تمتَّعت به وجميع المشاركين بتأسيسه كانوا يعملون بشغفٍ وأمانةٍ وبلا مقابلٍ مادِّيٍ، وقد أثمرت ورشات العمل التي أشرفت عليها قيام معارض فنِّية عُرضت فيها نتاجات المواهب التي شاركت فيها، والتي بدورها أحدثت فعلاً ثقافياً ولو بسيطاً يعبِّر عن عودة الحياة لمدينة "حمص"».

شريك آخر في انطلاقة الملتقى "سامر أبو ليلى" يعدُّ مشاركته فيها مميزةً لسببين أولهما الفترة الزمنية التي بدأ فيها مسيرته يعد تحرير أحياء حمص القديمة بوقتٍ قريب، وهذه الفترة الحساسة تطلبت وجود مشروع ثقافي يهتم بالأطفال واليافعين ويشجع الأهالي للعودة سريعاً إليها، أضف على ذلك رمزية المكان الذي احتضن الملتقى وجمع المنتسبين إليه دون وجود حواجز تتعلق بالبيئة الاجتماعية والانتماء المذهبي، فشكلوا في خليطهم لوحةً فسيفسائية ثقافية ودافعاً لنا كمدرِّبين نعمل بشغفٍ دائمٍ معهم لنؤدي رسالة الملتقى التنويرية والتعليمية التي حملها في فكرة تأسيسه.. الأنشطة التي أقامها الملتقى والمستمرة إلى يومنا هذا تقدِّم برأيي ثقافة نوعية احتاجتها المدينة بزمنٍ صعب وما زالت».

يقدِّم الملتقى أنشطة دورية للعموم تتمثل بالعروض السينمائية ذات المضمون الهادف والقيمة الفنِّية العالية التي يقدِّمها النادي السينمائي التابع له في يوم "السبت" من كلِّ أسبوع، إضافة لفعالية سينما الهواء الطلق التي تجري خلال فصل الصيف.

ننوه أخيراً إلى أنَّ اللقاءات قد جرت بتاريخ 15 حزيران 2022.