أخذته الصدفة في سنِّ اليفاعة صوب عوالم القراءة واقتناء كتب الأدب وعلوم اللغة العربية وغيرها؛ مما حدَّد وجهة سير حياة الباحث والناقد "عرفان الأشقر"، لاحقاً ليصبح واحداً من أبرز مدرِّسيها ومن مؤلِّفي كتب البحث والنقد، ومالكاً لمكتبة كبيرة تتميَّز بالنوع والكمِّ.

حبُّ الاكتشاف..

مدونة وطن "eSyria" زارت الباحث والناقد "الأشقر" في منزله الكائن في حيِّ "الوعر" لتتعرُّف إلى مكتبته الشخصية التي بدأ بتشكيل نواتها الأولى في عام 1963، حينما كان طالباً بالمرحلة الإعدادية حينها.

القراءة ليست كغيرها من المواهب التي تبزغ لدى الأطفال واليافعين مثل الرسم والموسيقا وغير ذلك، بل هي نتاج اهتمامٍ فردِّيٍ يعكس رغبة الاكتشاف لعوالم جديدة يبغي الإنسان التعرُّف عليها، وانعكاس لطبيعة شخصيته، إضافةً لدور البيئة المساعد على تعزيز تلك الرغبة، من هنا انطلقت حكاية رحلتي مع المطالعة والتي تمثًّلت بقراءة سلسلة القصص العالمية القصيرة التي ما زلت أذكر سعر الواحدة منها بمبلغ 10 قروش، إضافةً للمجلَّات العربية مثل "العربي" و"عالم المعرفة" اللتان كانتا رائجتين يومها

يقول "الأشقر" : «القراءة ليست كغيرها من المواهب التي تبزغ لدى الأطفال واليافعين مثل الرسم والموسيقا وغير ذلك، بل هي نتاج اهتمامٍ فردِّيٍ يعكس رغبة الاكتشاف لعوالم جديدة يبغي الإنسان التعرُّف عليها، وانعكاس لطبيعة شخصيته، إضافةً لدور البيئة المساعد على تعزيز تلك الرغبة، من هنا انطلقت حكاية رحلتي مع المطالعة والتي تمثًّلت بقراءة سلسلة القصص العالمية القصيرة التي ما زلت أذكر سعر الواحدة منها بمبلغ 10 قروش، إضافةً للمجلَّات العربية مثل "العربي" و"عالم المعرفة" اللتان كانتا رائجتين يومها».

إحدى المكتبات الفرعية في المنزل

صدفة الكتاب الأول..

قسم آخر من المكتبة مع بعض مؤلفاته

يستذكر ضيف مدونة وطن "eSyria" أول كتابٍ اشتراه من أحد زملاء الدراسة وبمبلغ 3 ليرات حينها، وهو عبارة عن مجلَّدٍ كبير الحجم حمل عنوان "مجموع مهمات المتون" يتناول من خلال القصائد التي يتضمنها شروحات مبسَّطة لمنظومات الشعر والأحاديث الدينية والفلسفية والتاريخ كذلك، استهواني ذلك الكتاب كثيراً وربما كان سبباً فيما بعد لتحديد توجُّهي صوب قراءة المؤلَّفات المتخصَّصة بعلوم اللغة وآدابها بشكلٍ أساسيٍّ واختيار التخصُّص بدراسة "الأدب العربي" في جامعة "دمشق" سنة 1967 بعدما كنت طالباً بكلية "العلوم" لأشهرٍ قليلة... "رغبتي بحفظ ذلك الكتاب البسيط بغلافه دفعتني صوب "أحمد علوان" الذي كان من أمهر المجلِّدين في مدينة "حمص"، ولاحقاً من أشهر بائعي الكتب ضمن محلّه المتواضع الكائن عند أطراف حيِّ "الحميدية"، استهوتني كمية الكتب المعروضة لديه ونوعية مضامينها المتنوعة ما بين الأدب والفلسفة والتفاسير الدينية وكتب التاريخ أيضاً، وقد ساهمت شخصيته الدمثة وسعة اطلاعه وثقافته في تحفيز حُبِّ المطالعة لديَّ أكثر فأكثر حتى أصبحت زبوناً مياوماً عنده وتوطدت علاقة صداقة متينة بيننا استمرت نحو 30 عاماً، شكَّلت بنتاجها مكتبتي الشخصية هذه».

مصادر أخرى...

لم تكن بسطات الكتب ومكتبة صديقه "أحمد علوان"، المصدر الوحيد لتعزيز الباحث "عرفان الأشقر" لمكتبته الشخصية فقط، حيث استمدَّ قسماً لا بأس به من مصادر أخرى - بحسب كلامه - عرَّف عنها قائلاً: «مكتبة "طليمات" التي كان محلُّها في حيِّ "جورة الشياح" هي الأخرى أصبح تردُّدي إليها مستمراً، وكذلك الأمر فقد نشأت مع مالكها "عبد اللطيف طليمات" علاقة صداقةٍ أيضاً، وكانت مصدراً لاقتناء الكتب منها، إضافةً للمكتبة العامة الموجودة ضمن "المركز الثقافي" المعروف بموقعه الحالي، والتي حصلت منها على إصدارات مترجمة بنحوٍ خاصٍ من اللغة الروسية والموجًّهة بمضامين موضوعاتها المتنوعة للقرَّاء اليافعين، وبعض مؤلفات "علم النفس" لمؤلفِّها الدكتور "وجيه الأسعد"، ولاحقاً، وخلال الإقامة في مدينة "دمشق" تعززت مكتبتي من خلال ارتيادي لبعض المكتبات فيها، وزيارة المعارض التي كانت تقام بين الحين والآخر برعاية من بعض السفارات كالمصرية والإيرانية حينها، والتي كانت تمتاز موجوداتها بفخامة المضامين وجودة النوعية، إضافةً لسعرها القليل المغري لنا كطلبةٍ جامعيين نقتصُّ من مصروفنا الشخصيِّ لأجل الحصول على الثقافة والعلم».

جانب من محتويات مكتبته

دعمٌ متبادل..

في منتصف سبعينيات القرن الماضي بدأت رحلة التعليم عند الباحث والناقد "عرفان الأشقر" والذي أصبح فيما بعد من أهمِّ مدرِّسي اللغة العربية في مدينة "حمص" وموجِّهاً اختصاصياً لها، وتوازياً مع ذلك فقد بدأ رحلة التأليف الأدبيِّ والنقديِّ حتى العقد الأول من الألفية الثالثة وعن ذلك الأمر يقول: «كنت وما زلت مولعاً بعوالم الطفولة وما يختصُّ بها، لذا استثمرت ملكة الكتابة لديَّ بتأليف مجموعة قصص موجهةٍ للأطفال، إلاَّ أنَّ ذلك المشروع لم يبصر النور لأسبابٍ تتعلَّق بنشرها، لاحقاً، توجَّهت صوب الكتابة البحثية والنقدية، ففي عام 1981 نشرتُ مقالتي الأولى لصالح مجلة "مجمع اللغة العربية الأردني" تحت عنوان "نظرات في ديوان دريد بن الصمة"، ومجموعة مجلَّدات بلغ عددها خمسة تحت مسمَّى "معجم شعراء أساس البلاغة" حتى سنة 1991، إضافةً لتعاوني مع مجلَّة "مجمع اللغة العربية" في "دمشق" عبر مقالةٍ عنوانها "استدراك عن شعر اسماعيل بن يسار"، وكان لي حضورٌ في مجلة "المجمع العلمي العربي الهندي" ومقَّرُّه مدينة "عليكرة" الهندية من خلال بحثٍ عنوانه "القول في الاستعاذة" عام 1983، ونتاجي الأهم كان من خلال المؤلفات التي أنجزنها مع الباحث الراحل الدكتور "غازي طليمات"، والتي كانت في جلِّها لصالح "دار الفكر" بين أعوام 2002-2009 ومنها على سبيل المثال لا الحصر أذكر: "الشعراء في عصر النبوة والخلافة" و"الشعر في العصر الأموي". أمَّا عن الأطفال فقد صدر لي مقالان حملا عناوين "طبائع الأطفال في التراث العربي الإسلامي" و"من ألعاب الأطفال العرب في الماضي"، وقد نشرا في مجلَّتي "العربية" السعودية و"العربي" الكويتية عامي 1993و1991 على التوالي. الخلاصة من هذا التعريف المسهب - نوعاً ما - هو الدلالة على أهمية مكتبتي وغنى محتواها الذي نهلت منه الكثير كي أنجز ما ذكرت من مؤلَّفات والتي بدورها عادت لتغنيها بوجودها فيها».

شريط ذكريات..

يجهل الباحث والناقد "عرفان الأشقر" مصير مكتبته الضخمة الموزَّعة ضمن غرف منزله التي ناهز عدد موجوداتها من الكتب والمجلَّدات الكبيرة والروايات العربية والأجنبية المترجمة 3000 كتاب، وهو الذي كانت القراءة عنده قبل سنواتٍ تصل لحدود 10 ساعات يومياً، ولكنَّ التقدُّم بالعمر جعله مقِّلاً بذلك الأمر حالياً - بحسب قوله – وفي بعض الأحيان يجلس أمام مكتبته لبضعة ساعات مستعرضاً شريط ذكرياتٍ طويلاً معها وقصَّة كلِّ كتاب فيها كما ذكر في ختام حديثه مع مدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 7 حزيران 2022.