تعدُّ مكتبة الأديب الناقد الراحل "محمد رضوان" واحدة من المكتبات الشخصية التي حملت التنوع الثقافي والفكري وزادت على أحد عشر ألف عنوان، فقد حجز لها في منزله غرفة خاصة بها وحملت حكايته مع الأدب والنقد، وبناها على حساب رغيف الخبز.
لم تكن المكتبة بالنسبة له سوى الرفيق والأنيس والحاضنة لهمومه الفكرية والأدبية، إذ كثيراً ما تراه يحمل بين يديه أكياساً محملة من الفاكهة والخضار، وفي اليد الأخرى الكتب الجديدة الصادرة في المكتبات واتحاد الكتاب والمؤسسات الثقافية.
مكتبة مرجعية
يقول الكاتب "اسماعيل الملحم" عضو اتحاد الكتاب العرب لمدونة وطن إن الراحل "محمد رضوان" كان زميلاً في الاتحاد وهو ناقد وروائي مميز، ويملك مكتبة شخصية مرجعية مهمة في الأدب وأجناسه المتنوعة، إضافة لكتب الفلسفة والتاريخ والشعر والدراسات والبحوث، وأهم ما كان يصر عليه في البحث بين بطون مراجعه المتنوعة، الوقوف على حقيقة واقعية في دراسة رؤية نقدية معينة كما فعل في كتابه "التجريب وتحولات في السرد الروائي"، حيث درس أكثر من خمسين رواية وفق مرجعية علمية كانت تحتويها مكتبته التي عاش معها عقوداً، ورفدها بكل ما هو جديد من العناوين النقدية والروائية والأدبية والدراسات والبحوث وسلاسل من الإصدارات، والدوريات الشهرية مثل سلسلة عالم المعرفة والمعرفة والعالم والموقف الأدبي والتراث العربي والوحدة وغيرها.
ويضيف: "كنا إذا ما احتاجت دراسة لنا لمرجع علمي في التربية أو في علوم أخرى، نجدها في خزائن الراحل "محمد رضوان" لحبه وشغفه في اقتناء الكتب المرجعية".
ثلاثة مستويات
ويتابع "الملحم" بالقول: "لقد تناولت مكتبته ثلاثة مستويات، منها ابتكار عوالم متخيلة جديدة لا تعرفها الحياة العامة ولم تتداولها السرديات السابقة، مع تخليق منطقها الداخلي وبلورة جمالياتها الخاصة، وذلك بوجود كتب ذات علاقة بما يهدف وفق منهج خطه لنفسه، ثانياً توظيف تقنيات فنية محدثة لم يسبق استخدامها في نوع أدبي معين، مع ملاحظة أن وجود بعضها في ثقافات أخرى لا يسلب منها الطابع التجريبي للمغامرة، بمعنى أنه كان يقتني الكتب الخاصة بذات المنهج والتي تناقضها، وثالثاً اكتشاف مستويات لغوية في التعبير تتجاوز نطاق المألوف في الإبداع السائد، وخاصة في حضوره للمعارض الثقافية التي تراه يأتي منها بأمهات الكتب المهمة، فضلاً عما كان يتكأ عليه عبر الشابكة من التعالقات النصية التي تتراسل مع توظيف لغة التراث السردي أو الشعري أو اللهجات الدارجة أو أنواع الخطاب الأخرى لتحقيق درجات مختلفة من الثقافة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى النزعة البحثية التي هي الجزء الأهم في حياته ومسيرته في دعمها بالكتاب، وإسنادها لمراجع موجودة بمكتبته، ولهذا ومن خلال متابعته للحركة النقدية والروائية شكل مرجعية في عناوينه التي نافت على عدة آلاف".
تفاصيل حياة
الأديب "محمد جابر " يستعرض تفاصيل من حياة الناقد "رضوان" وتاريخ مكتبته العريقة ويقول: "يستقبلك بابتسامته المعهودة وظرفه الرائع النابع عن ثقافة، وحين تدخل منزله تجد غرفة مكتبته المستقلة، التي لم يستثمر بها سوى المعرفة والأدب، بحيث ترى مكتبته منسقة ومرتبة ومجهزة بفضاء تُشعر زائرها أنه يقتحم عالم كاتب ذي خصوصية وعلاقة مع كتبته وأدبه وفكره".
ويؤكد "جابر" أن ثمة تنوعاً تراه في مكتبته الغنية، كذلك تنطوي القراءات المرجعية العديدة على تناول أعمال روائيين لهم الحضور الثقافي على الساحة الأدبية عامة والروائية خاصة، وأفكار وتجارب في أي فن من الفنون وجنس من الأجناس الأدبية القابلة للتجريب، بحيث يحمل الغرائب والعجائب والمتخيل والسرد ومقومات العمل السردي.
ويضيف: "ما قدمه الراحل "محمد رضوان" في إصراره على تكوين مكتبة شخصية هي فريدة من نوعها في"السويداء"، ليس لأنها غنية بالمحتوى فحسب، بل لأن صاحبها تماهى معها أدباً وثقافة وسلوكاً معرفياً... والباحث في دراساته وبحوثه النقدية المنشورة في الدوريات وكتبه يتلمس ذلك بمكتبته الشخصية المتنوعة التي تحوي العناوين والمؤلفات المرجعية العلمية وترتقي به إلى مستوى الشخصيات الثقافية المعدودة في "السويداء" المزينة في العناوين الثقافية".
في لقاء سابق
وفي لقاء سابق مع الراحل "محمد رضوان" أكد على أهمية العلاقة بينه وبين الكتاب، وأن مكتبته بناها على حساب رغيف الخبز، بحيث لا تقع عينه على عنوان إلا ويشتريه، وغالباً لا يحمل بين يديه من المواد الغذائية بقدر ما كان يغني مكتبته بالغذاء الفكري بشراء الكتب، معتبراً أن الكتاب ليس فقط خير جليس بل هو الرفيق الذي لا يخون ولا يخان قطعاً، ولا يمكن أن يفارق وسادته قبل النوم وعند اليقظة، بل عمد إلى بناء علاقة وصلت لحد العادة في اقتناء الكتب وخاصة الأدبية والنقدية والدراسات البحثية إضافة للدوريات المعروفة.