ارتبطت كلمة المكتبة لدى البعض في زمننا الحالي، بصورة بيع مواد القرطاسية وتصوير الوثائق ورقياً، وغابت عن ذهن الكثيرين صورة المكتبة ومفهومها الصحيح، باعتبارها مصدراً لتعزيز ثقافة الإنسان وصقل شخصيته.

تربية وسلوك

يشير "بسام علوان" صاحب مكتبة "علوان" الشهيرة في مدينة "حمص"، والتي تأسست في منتصف أربعينيات القرن الماضي، إلى أن تراجع مفهوم المكتبة ودورها، ناجم عن تغييب الكتاب عن حياتنا، ليس فقط في بلدنا، بل في عموم الوطن العربي أيضاً.

لم أوجِّه أطفالي صوب القراءة بل اكتشفت فيهم هذه الرغبة وساعدتهم على تنمية موهبتهم فيها دون قيودٍ على نوعية الكتب التي يودون قراءتها، وتوفير البيئة المناسبة لاستمرارية علاقتهم مع الكتاب. لاحقاً، تكون المسؤولية على عاتق المدرسة، من خلال تفعيل حصص المطالعة وتحفيز الأطفال على القراءة لتصبح سلوك حياةٍ لهم في المستقبل لكن للأسف الشديد فإنَّ هذا الأمر مغيَّبٌ بشكلٍ كبير في معظم المدارس

ويقول: «هذا له أسباب عدَّة، لكنَّ أهمها هو النمط التعليمي الخاطئ والذي تتحمل وزره الجهات المنوطة بعملية التربية والتعليم، فالأطفال هم الفئة التي يجب العمل عليها من أجل غرس بذرة القراءة في نفوسهم، وتقع المسؤولية على الأهالي كذلك في تربية أطفالهم على حبِّ الكتاب وتشجيعهم على ضرورة ملازمته، من أجل تعزيز مقدراتهم وبناء سلوكياتهم بالشكل الصحيح الذي يضمن وجود جيلٍ واعٍ وفاعلٍ في المجتمع مستقبلاً».

بسام علوان صاحب المكتبة

الدور المهم..

الشاب سمير علوان

من وجهة نظر "بسام علوان" فإنَّ المرتادين للمكتبات، هم الأشخاص الذين يريدون تطوير ذاتهم وشخصيتهم لإدراكهم لمدى أهميَّة تثقيف الذات، ويرى بأنَّ الإقبال خلال السنوات القليلة الماضية قد ازداد على الكتب الفكرية والفلسفية -إن صحَّ التعبير- ومنها الروايات بطبيعة الحال.

وعن دور صاحب المكتبة يقول "علوان": «دوره مهمٌّ جداً من خلال معرفة اختيار الكتاب الجيد والمفيد للقارئ، وهذا يتولَّد من خلال الحديث الوديِّ الذي يدور بيني وبينه، والذي أعرف من خلاله ما هي توجهاته الفكرية ومستواه العلمي، وإن كانت هذه تجربته الأولى مع القراءة أم لا، وسوى ذلك من الأسئلة، فثقافة صاحب المكتبة واطلاعه على محتويات الكتب التي لديه لها الدور الأكبر في اختيار الكتاب الصحيح حينها، وهذا ما اكتسبته على مدى خمسين عاماً من المطالعة الدائمة، مذ رافقت والدي الراحل المؤسس لهذه المكتبة».

الطفلة بسمة أثناء زيارتها إلى المكتبة

غياب

ويتابع صاحب المكتبة حديثه بالقول: «تركت سنوات الحرب الماضية آثارها القاسية في مجمل حياتنا، وفيما يتعلَّق بالمكتبة فقد كانت الخسارة مرتبطة بفقدان روَّادها الدائمين، الذين واظبوا طوال عقودٍ على زيارتها، واقتناء الكتب التي شكَّلوا مكتباتهم الشخصية منها، هناك وجوه جديدة تزور المكتبة لديها الرغبة بتأسيس مكتبة خاصَّةٍ بها إنَّما نسبتها ضئيلةٌ جداً، إن دلَّ على شيءٍ، إنَما يدلُّ على غياب الكتاب عن حياة الناس واقتصار الأمر على النخب المثقَّفة غالباً، ولا شكَّ بأنَّ الوضع المعيشي الصعب، وغلاء الكتب نظراً لارتفاع تكلفتها، قد تركا أثرهما السلبي في حركة البيع والشراء، إضافةً لانتشار ظاهرة الكتب الالكترونية وسهولة الحصول عليها بلا مقابل ماديِّ».

أفكار طموحة

شاءت المصادفة أثناء الحديث مع "بسام علوان" أن نلتقي مع "سمير" الابن البكر له والمواظب على زيارة المكتبة يومياً مذ سنوات طفولته وعلى القراءة اليومية، كما ذكر ردَّاً على سؤال مدونة وطن "eSyria" عن علاقته بالكتاب وبالمكتبة حيث يقول: «الأمر بالتأكيد مرهون بتربية الأهل وهم من يقع على عاتقهم الدور الأكبر بتنمية موهبة القراءة لدى أطفالهم وتشجيعهم على الاستمرارية بها، ما زلت أذكر مكتبة والدي الشخصية التي كانت تستحوذ على أكبر الغرف في منزلنا القديم الواقع في حيِّ "الحميدية" وتنتشر على جدرانها الأربع، والتي تربيت فيها على حبِّ قراءة الكتاب والاستمتاع به وبتشجيعٍ من والدي، بالنسبة لمستقبل المكتبة يمكنني أن أستفيد من تخصُّص "هندسة المعلوماتية والحواسيب" - الذي أدرسه حالياً – لإنجاز مشروعٍ يواكب التطور التكنولوجي السريع الذي نعيش عصره الحالي، والاستفادة من تجارب الشركات العملاقة مثل "أمازون" وغيرها، وإنشاء مكتبة الكترونية، ربما مستفيداً من هذا الإرث الكبير الموجود في هذه المكتبة».

مصادفة أخرى!!

حضرت السيدة "كنانة محمد" مع ابنتها "بسمة" من قبيل الصدفة أيضاً خلال زيارة مدونة وطن "eSyria" إلى مكتبة "علوان"، وهي زيارتهما الأولى إليها بعدما تفاجؤوا بوجودها وبكمِّ الكتب الكبير الذي تحتويه كما جاء على لسانها مضيفةً بقولها: «لم أوجِّه أطفالي صوب القراءة بل اكتشفت فيهم هذه الرغبة وساعدتهم على تنمية موهبتهم فيها دون قيودٍ على نوعية الكتب التي يودون قراءتها، وتوفير البيئة المناسبة لاستمرارية علاقتهم مع الكتاب. لاحقاً، تكون المسؤولية على عاتق المدرسة، من خلال تفعيل حصص المطالعة وتحفيز الأطفال على القراءة لتصبح سلوك حياةٍ لهم في المستقبل لكن للأسف الشديد فإنَّ هذا الأمر مغيَّبٌ بشكلٍ كبير في معظم المدارس».

من الذاكرة..

يستذكر "بسام علوان" أسماء المكتبات التي كانت قائمة في مدينة "حمص" خلال النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، ومنها: مكتبة "الشيخة" التي ظهرت في الأربعينيات منه وموقعها آنذاك في شارع "الحسبة" ومؤسسها "عبد المؤمن الشيخة" كان معروفاً بثقافته وسعة اطلاعه، وتجاورها مكتبة "عبَّارة" لصاحبها "زكريا عبَّارة"، لاحقاً ظهرت مكتبة "السباعي" التي أسسها "عبد السلام السباعي" في شارع "القوتلي" خلال فترة الستينيات، ومع نهاية السبعينيات افتتحت مكتبة "طليمات" الكائنة في حي "جورة الشياح"، ولكن جميع تلك المكتبات لم تكمل مسيرتها بعد وفاة مؤسسيها، فالورثة منهم من حوَّلها لبيع مواد القرطاسية والألعاب، وبعضهم للألبسة والتجهيزات الرياضية، ومن ثمَّ الإغلاق التام والغياب، أمَّا مكتبة "دار الإرشاد" التي أنشأها الراحل "عبد الجبار الجندلي" فما زالت قائمة ليومنا هذا وأثرها جليلً بتوفير الكتاب الجيِّد للقرَّاء».

الجدير ذكره بأنَّ الزيارة إلى مكتبة "علوان" جرت بتاريخ 23 نيسان 2022.