بين أدراج الفهارس الطولانية ذات اللون البني الداكن والقبضة الصغيرة، تبحث "علا دنو" عن مراجع خاصة لإتمام حلقات بحثها في دراستها الجامعية للغة العربية، فهي ترتاد مكتبة المركز الثقافي العربي في "طرطوس" بشكل مستمر، وتتقن عمليات البحث اليدوية بين العناوين المدونة على أوراق صغيرة بيضاء، وتستمتع خلالها، فتمر الساعات دون أن تشعر.

ورغم أن عمليات بحثها يدوية ودقيقة وعميقة للحصول على العناوين المطلوبة، إلا أنها لا تأخذ منها الكثير من الوقت بل تدخلها بتفاصيل تبتعد بها عن الواقع، وكأنها أصبحت "أليس في بلاد العجائب"، على حد تعبيرها لمدونة وطن eSyria، فكل شيء منظم ومرتب ويذكرها بمواضيع ومضامين كثيرة جداً تدفعها للمزيد من المطالعة، فبعضها من قصص الواقع وبعضها من الروائي العالمي، وبعضها مرتبط بحكايا الشعوب والسياسة والحرب واللغة و(الاتيكيت) والحب والخيال، ناهيك بأمهات المخطوطات والكتب القيمة التي تشكل حلقة متصلة من العناوين، فالمكتبة غنية جداً وتعد أقدم المكتبات العامة بمحافظة "طرطوس".

كان يستخدم في البداية الفهارس الورقية ومن ثم طورت إلى فهارس باستخدام الحاسب والتقانة المعلوماتية، ولكن وبسبب الانقطاعات المتكررة للكهرباء عدنا وقراؤنا الأعزاء إلى الفهرسة الورقية الممتعة

24 ألف عنوان

تعد المكتبة جزءاً مهماً وأساسياً من المركز الثقافي العربي بالمحافظة، وهي ليست حديثة العهد وإنما يعود زمن تأسيسها لفترة تأسيس المركز عام 1968، حيث كانت البدايات متواضعة وخجولة وبعدد قليل ومحدود من العناوين، إلا أنها اليوم تحوي بحسب حديث "منار ميا" أمين مكتبة المركز الثقافي العربي في "طرطوس" لمدونة وطن، على حوالي /24636/ عنواناً وحوالي /39400/ كتاب، مما جعلها مقصداً مهماً لطلاب حلقات البحث الجامعية ومشاريع التخرج وكذلك طلاب الدراسات العليا، والقراء من المثقفين والأطفال المهتمين بالمطالعة والتثقيف الذاتي، حيث يبلغ عدد روادها شهرياً حوالي /30/ قارئ إعارة داخلية ضمن القاعات المخصصة للقراءة ضمن المكتبة، وحوالي /250/ قارئ إعارة خارجية للكتب التي يسمح بإعارتها خارجياً.

أمينة المكتبة منار ميا

ملجأ للقراء والباحثين

ضمن المكتبة

وفيما يخص العناوين وتميز المكتبة تتحدث "ميا" وتقول: «تختلف العناوين المطلوبة باختلاف القراء، فطلاب الجامعات يطلبون كل ما يخص أبحاثهم العلمية أو الأدبية أو التوثيقية أو ما يتعلق بالتنمية البشرية، أما القراء الدوريين غالباً ما يستعيرون روايات وكتباً أدبية أو تاريخية، فالمكتبة تميزت بالكم الكبير للعناوين والنوع للكتب، لاحتوائها على موسوعات علمية ومعاجم عربية وأجنبية، وتفاسير ودواوين أهم الأدباء والشعراء، فهي ملجأ القراء والباحثين وخاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي باتت فيها لقمة العيش طاغية على لقمة العقل».

وتتابع: «كان يستخدم في البداية الفهارس الورقية ومن ثم طورت إلى فهارس باستخدام الحاسب والتقانة المعلوماتية، ولكن وبسبب الانقطاعات المتكررة للكهرباء عدنا وقراؤنا الأعزاء إلى الفهرسة الورقية الممتعة».

جانب من المكتبة

إغناء وتجديد

عمليات إغناء متكررة للمكتبة لرفدها بالقيمة الفكرية والثقافية التي تؤسس لأجيال متنورة، كانت من بعض الشعراء والأدباء ومختصي اللغة العربية، ومنهم الشاعر "حامد حسن" الذي قدم في وصيته قبل وفاته مكتبته الشخصية هدية لمكتبة المركز الثقافي بحسب الحديث الخاص للدكتور "عدنان معروف" -والده الشاعر "حامد حسن"- والذي يقول: "تجاوز عدد الكتب المقدمة بحسب لجنة المركز الثقافي التي عاينت المكتبة مسبقاً، حوالي ثلاثين ألف كتاب، قدمت مع خزائنها الخشبية العتيقة التي صممت بشكل موحد بإشراف وتوجيه والدي قبل وفاته، علماً أن جامعة "تشرين" كانت وما زالت ترغب بالحصول على هذه المكتبة القيمة.. وأذكر أن المكتبة تم تجهيزها في البداية ضمن غرفة في منزلنا بقرية "حبسو" بريف مدينة "الدريكيش"، على مساحة حوالي /200/ متر مربع، حيث رافقته على مدار سنوات تجهيز المكتبة التي طالع جميع كتبها القيمة التي اقتناها خلال مسيرة حياته الفكرية، علماً أنه فُقد منها الكثير من العناوين نتيجة الإعارة للأصدقاء والأقارب والمعارف دون إعادتها لاحقاً، وهذا دفعني للتعهد لدى إدارة المركز بتقديم مبلغ مالي سنوي لشراء ما تحتاجه المكتبة من عناوين إضافية».

ويضيف: «شملت عناوين مكتبتي الكتب المختصة باللغة والأدب والتربية والثقافة بشكل عام، فهي محصلة الكتب التي اقتنيتها وشغفت بها خلال مسيرة حياتي منذ ستينيات القرن الماضي حيث كانت لي حاجة كبيرة لها دفعتني لتأسيسها، فزاد عدد عناوينها على تسعة آلاف عنوان».