بصمة تاريخية سجلها "اليونان والرومان والنبطيون والغساسنة"، وغيرهم من الحضارات التي تعاقبت على تل "جفنة" الذي لم تمحَ آثاره رغم مضي أكثر من ثلاثة آلاف عام عليها، فالمعالم الأثرية والنقوش الحجرية التي تركها قاطنو هذا التل لا تزال باقية تحكي قصة حضارات مرت من هنا.

التاريخ والطبيعة

يقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لمدونة وطن eSyria: "تكمن جمالية تل "جفنة" المعنون أثرياً منذ آلاف السنين، والمسجل حديثاً على لائحة السياحة الشعبية، بجمعه بين عراقة الماضي الذي أسس لها الأقدمون، وجمال الحاضر الذي صنعته يدُ الطبيعة، فهذا التل رغم تعدد الحقب الزمنية التي سكنته منذ آلاف السنين، إلا أن إظهار ما يختزنه من آوابد أثرية ومعالم تاريخية للعلن كان حديث الولادة، فالتاريخ المدفون في سفوح هذا التل، "نبش" حجارته ذلك النقش اليوناني الذي عثر عليه عند مدخل التل من الجهة الغربية، فقد بينت القراءة التحليلية لهذا النقش الذي، أعاد روح الحياة التاريخية للتل بعد موت سريري دام قرابة ثلاثة آلاف عام، أن التل وما يوجد فيه من أبنية قائمة هي بقايا ما يسمى "دير عطو"، وهو يؤرخ للتاريخ الذي يقع بين عامي 567 - 574 م وهذه الفترة تعود لحقبة الغساسنة".

موقع جغرافي

ويتابع "كيوان" بالقول: "إضافة لما ذكر يتمتع التل بموقع زراعي وجغرافي مهم، فأشجار التفاح والإجاص والكرمة تغفو على حكايا الماضي بحلوها ومرها، لتستفيق على إطلالة زارعيها، وعلى جبين الجبل الجنوبي طبعت المياه نبعها المسمى "بدر"، والذي ما زال يؤمن المياه للأهالي حتى هذا التاريخ، كما عُثر في محيط التل على أدوات صوانية يبدو أنها تعود لعصور ما قبل التاريخ، ناهيك بالأواني الفخارية والمقابر المؤرخة للفترة البيزنطية، وأوابد أخرى تركها صانعو تلك الحضارة، لتحكي قصتها للأجيال القادمة عبر المنحوتات الحجرية ذات الصبغة البازلتية، ولتبقى سجلاً دائم القراءة".

تل جفنة

ويضيف: "يُثبت تل "جفنة" الذي ما زال الحارس الأمين على الأطلال أن زراعة الكرمة في أرض جبل العرب قد غُرست جذورها به منذ تلك الحقب، وما معصرة العنب القديمة التي وجدت بالقرب من التل، إلا تأكيد تاريخي قاطع أن جذور تلك الشجرة ولدّت هنا وما زالت الولادة متجددة، فضلاً عن ذلك فارتفاعه الشاهق جعل منه مرصداً طبيعياً وبوصلة جغرافية، لكونه الرابط الذي يربط جغرافية "سهوة الخضر" بقرية "تل اللوز" امتداداً لقرية "سالة" شرقاً، عبر طريق معبد يمر من جهته الشرقية، ومن قمته ترنو عيون الزائرين إلى تل "القينة" شمالاً وتل "القليب" غرباً، وتل "اللوز" وتل "شعف" شرقاً".

مكتشفات

ويشير كيوان إلى أن التل يختزن بداخله الكثير من المعالم الأثرية منها ما كُشف النقاب عنه ومنها ما زال قيد الكشف، ففي أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وبحسب المشاهدات العينية الموثقة فأن جدران الأبنية التي كان يحتضنها التل كانت محفوظة بنسبة 75 % تقريباً، إضافة لذلك فقد تم العثور على خزان مياه في أعلى التل، وهذا يقودنا للعودة إلى كتب التاريخ لنستنتج منها أن خزان المياه يشبه خزانات المياه الصغيرة في الفترة النبطية".

نشأت كيوان

أصل التسمية

النقش الحجري الذي عثر عليه

يبدو أن إطلالة التل المشرفة على بساتين التفاح والعنب وينابيع المياه، إضافة لمخزونه الكبير من الهواء العليل خاصة في فصل الصيف، جعلت من التل وحسب ما قال "يعرب العربيد" مدير سياحة "السويداء" ملجأً للباحثين عن الراحة والهدوء بين أحضان هذا التل الجامع بين الماضي المفقود والحاضر المولود، فتوسطه لقرى "سهوة الخضر ومياماس والكفر" المتميزة بجمالها وارتفاعها، رشحه للانضمام إلى لوائح السياحة الشعبية، وخاصة أن التل حاضن للسياحة الطبيعية لجماليته والسياحة الثقافية، لكونه بمنزلة الأرشيف المملوء بتاريخ الأقدمين، وسمي بتل "جفنة" نسبة إلى بني جفنة وهو اسم متداول ومتعارف عليه أيام الغساسنة".

صخرة مجوّفة

ويضيف "العربيد" أن المتصفح للسجل التاريخي للتل والمتجول على سفوحه، سيرى أن ما تُرك لنا من قبل قاطني تلك المنطقة ما زال فك طلاسمها عصياً على باحثي الآثار والتاريخ، ومن الصخرة الجوفاء نبدأ والتي توجد في الجهة الشمالية الغربية التي كانت تُتستخدم على ما يبدو للحراسة، وعلى مقربة من هذه الصخرة التي تفننت في إبداعها أيادٍ ماهرة يوجد تكوين صخري يشبه المطخ حالياً، وعلى الأغلب كان ستخدم لسقاية المواشي".