لا يزال اقتناء الكتب وتأسيس مكتبة شخصية يشكل هاجساً لكثيرين أحبوا المطالعة واستهوتهم الكتب، غير أن هذا الشغف يواجه في الوقت الراهن تحديات أهمها تلك التي فرضتها الحرب، وما خلفته من وضع اقتصادي صعب تراجع فيه الكتاب عن أولويات الكثيرين، بينما وجد البعض في الكتب الإلكترونية سبيلاً لتأسيس مكتباتهم الخاصة حتى وإن كانت إلكترونية، وبعضهم انطلق منها إلى تأسيس مشروعه الثقافي الخاص.

الشغف مستمر

بالنسبة للصحفي "ديب علي حسن" تُشكل مكتبته الشخصية الضخمة شغف عمرٍ، ورحلة تجاوز عمرها أربعة عقود، بدأها منذ كان في المدرسة الابتدائية، حينئذٍ تعلق بمكتبة أخيه التي كانت تضم روائع الروايات، ولاحقاً بدأ بشراء الكتب مما يوفره من مصروفه الشخصي وإن كان مبلغاً قليلاً، لكنه يكفي لشراء كتاب أو أكثر خلال العطلة الصيفية، وقد أخذ هذا الشغف يزداد خلال المرحلتين الثانوية والجامعية، وما يزال حتى الآن.

حالياً مكتبتي موزعة في أكثر من مكان، وقد أوصيت بها للأحفاد وجدتهم، فهم أحرار بها يوماً ما، لكنني أثق تماماً أنها بأيد أمينة

يقول أ. "حسن" في لقائه مع مدوّنة وطن: «كثيراً ما كنت أشعر بالجوع ولم أكن أشتري شيئاً لآكله حتى أوفر ثمنه لشراء كتاب، فكل كتاب أمتلكه له قصة، وأحياناً كثيرة غصة حرمان حتى صار في مكتبتي».

جانب من مشروع مكتبة هوامش

تحتوي المكتبة على كتب الدراسات الفكرية والسياسية والثقافية، والمعاجم والروايات والدواوين الشعرية وسلاسل الكتب التي كانت تصدر تباعاً، ولا يزال هوس امتلاك الكتب يرافقه حتى الآن، فيرفد مكتبته بكتب قد يشتريها أو تُقدم له كإهداءات من بعض دور النشر والهيئة العامة للكتاب وغير ذلك، بالإضافة إلى امتلاكه كتباً مهمة من مكتبة الرصيف موجود عليها إهداءات بخط مؤلفيها إلى أصدقاء لهم، وهذا يشكل ثروةً حقيقية بحسب تعبيره.

مكتبات الكترونية

ولأحفاد أ. "حسن" كذلك قصة شغف بمكتبة الجد الضخمة والقيّمة، حتى أن كل منهم بدأ بتأسيس مكتبته الصغيرة الخاصة به مقتدين بجدهم، ويقول: «حالياً مكتبتي موزعة في أكثر من مكان، وقد أوصيت بها للأحفاد وجدتهم، فهم أحرار بها يوماً ما، لكنني أثق تماماً أنها بأيد أمينة».

وفي زمن تتطور فيه الوسائل التكنولوجية بشكل مستمر، بدأت الكتب والمكتبات الإلكترونية تحجز لنفسها مكاناً على الساحة الثقافية وعلى أجهزة الحاسب الشخصية، عن هذا الجانب يقول أ. "حسن": «الكتاب الإلكتروني والمكتبات الشخصية الإلكترونية حقيقة وواقع، لكن لا يمكن أن تحل محل الكتاب الورقي، حيث يبقى للورق نكهته الخاصة وللونه حضوره الطاغي».

منذ الصغر

بدورها تعدُّ الأديبة والروائية "منال يوسف" أن اقتناء مكتبة شخصية حتى وإن كانت بسيطة أو صغيرة من حيث الحجم هي حاجة لكل إنسان، لذلك حرصت منذ سن صغيرة جداً على امتلاك مكتبة أغنتها بكتب الأدب والفلسفة التي تحبها وتفضل قراءتها، وبحسب الكاتبة "يوسف" فإن المكتبة مهما كانت بسيطة وصغر حجمها فوجودها ضروري في كل بيت لما لها من دور عظيم وقيمة كبيرة، لكن في المقابل ترى "يوسف" أن شمس المكتبات الشخصية بدأت بالغياب عن معظم البيوت، فتقول: «للأسف تكاد تصبح المكتبات من عائلة كان وأخواتها، فذلك الزمن الذي كان يُبجل قيمة المكتبة والكتاب أصبح بعيداً، ويجب العمل على إعادته إلى سابق عهده، وإعادة الألق إلى الكتاب وما يحمله من قيم».

مشروع "هوامش"

شغف القراءة والدخول إلى عوالم الكتب دفع الشاب "حسن الهيفي" إلى تأسيس مكتبة شخصية "إلكترونية"، ولاحقاً استطاع تحقيق حلمه في تطوير مكتبته الشخصية لتصبح مشروعاً متكاملاً فافتتح مشروعه الخاص وهو عبارة عن مكتبة يشارك فيها الأجيال الشابة شغفه بالقراءة والكتب وأطلق عليها تسمية "هوامش"، وقد ساهمت دراسته في مجال الفلسفة، بالإضافة إلى خبرته المعرفية الواسعة بالكتب في جعل مكتبته الشخصية مشروعاً متميزاً على مستوى المحافظة، فاحتوت المكتبة على أشهر الروايات العالمية وعناوين فكرية وفلسفية وعلمية، بالإضافة إلى كتب الآداب كاللغة العربية وغيرها من اللغات والآداب الأخرى، والكتب التراثية كذلك.

بيع وإعارة

يقول "الهيفي": «خلال مدة قصيرة أصبح مشروعي الذي انطلق من مكتبة شخصية بسيطة، حديثاً للقراء على مستوى المحافظة، وذلك بسبب المتابعة الدائمة والانتقائية للعناوين المتميزة، سواء الروائية أو الفكرية أو العلمية، لكن إذا ما أردنا الحديث عن المشروع من ناحية اقتصادية، فهنا لا بدّ أن نطرح سؤالاً مهماً، هل سأتعامل مع الكتاب كسلعة تجارية أم لا؟ فإذا قمت باحتكار بعض العناوين وبيعها بثمن مرتفع، مستغلاً محبة القراء للكتب الورقية، ربما سأحقق مردوداً مالياً جيداً، لكنني من خلال مشروعي "هوامش" ألتزم دائماً بأسعار تشجيعية، حتى تتمكن أكبر شريحة من القراء من اقتناء الكتب وبالتالي تأسيس مكتبات شخصية في كل بيت، فبالنسبة لي الكفة راجحة دائماً لمكتبتي كمشروع ثقافي وليس تجاري بحت».

استطاع "الهيفي" من خلال مشروعه الخاص أن يخلق حالة اجتماعية بين زوار المكتبة من خلال تعارفهم وتبادل الآراء والنصائح حول أهم العناوين التي يطالعونها، كما أسس قسماً خاصاً للإعارة من مكتبته الشخصية ليتيح الفرصة للقراء الذين لا يمتلكون قدرة شراء كتاب ورقي، بالإضافة إلى مبادرة بيع الكتب المستعملة بأسعار أقل من سعرها الجديد بنسب تتراوح من 50 إلى 75 بالمئة، إلى جانب قيامه بمبادرات تشاركية تعاونية مع ملتقى "اقرأ معنا" ساهم من خلالها بتمكين أكثر من 100 قارئ لاقتناء الكتب.

يذكر أن اللقاءات أجريت بتاريخ 20 نيسان 2022.