لا أحد يدخل إلى منزل الأديب الراحل المهندس "جاد الله عز الدين"، إلا ويقف مندهشاً أمام مكتبته التي تجاوز عدد عناوينها المئة وثلاثين ألفاً، حتى صنفت أنها من أهم ثلاث مكتبات شخصية في "سورية" لتنوعها الثقافي ومحتواها وعدد عناوينها.

تأسيس المكتبة

يعود تأسيس المكتبة إلى أكثر من ثمانين عاماً، حين كان الراحل يدرس المراحل الأولى من حياته، بعد عودة الثوار من "وادي السرحان" في نهاية الثلاثينيات ومنهم والده المجاهد "سعيد عز الدين"، ومنذ بداية أربعينيات القرن الماضي بدأ يجمع بأمهات الكتب والمراجع والموسوعات والمجلات منذ صدورها حتى رحيله.

يقول المهندس "تيسير عز الدين" ابن شقيق الراحل المهندس "جاد الله عز الدين" لمدوّنة وطن: "لقد اعتاد عمي الراحل البحث والمطالعة منذ صغره بتشجيع من محيطه الاجتماعي، فقد درس في الجامعة الأمريكية في "بيروت" وكان شغوفاً بجمع الكتب من مكتبات "الشهداء"، الساحة المعروفة بوسط "بيروت" والمكتبات المحيطة بها، وقل ما كان يصدر كتاب جديد أو يسمع به إلا ويشتريه والأهم قراءته وتقديم ملخصٍ عنه لزملائه في الجامعة، هذا ما كان يؤكده لنا في جلساتنا الخاصة معه، ومن الجدير ذكره أنه قبل الوحدة بين "سورية ومصر" أمضى أربع سنوات في "القاهرة" وبعد الوحدة سنتين، حيث درس في جامعة "عين شمس"، ويذكر أنه عند كل صباح ينزل إلى ساحة "الأزبكية" التي كانت تغص بالبائعين وأمامهم العديد من الكتب يعرضونها للناس، وأكثرها من الطبعات القديمة ذات الورق الأصفر، ومنها ذات الورق الأبيض المصقول، والكتب كانت تباع بأسعار زهيدة، وظل يشتري من أمهات الكتب والمراجع، حتى كوّن مكتبة تحتوي على مجموعة من المعارف العلمية والثقافات العربية والعالمية، تجاوزت الآلاف وهو في "القاهرة" وكم عانى من نقلها إلى منزله في "السويداء".

م. تيسير عز الدين

صعوبة نقل المكتبة

صاحب المكتبة الراحل جاد الله عز الدين

يقول الراحل "جاد الله عز الدين" في حوار سابق معه في مدونة وطن في "القاهرة": "بتّ أصارع الوقت الذي يمرّ مرور السحاب، مواظباً على قراءتي لا أنقطع ولا أنشغل عنها، وقبل عودتي إلى وطني الأم "سورية"، أقمت محاضرة في جامع "الأزهر" تحدثت فيها عن التاريخ العربي الإسلامي، تلك المحاضرة التي نالت القبول بشكل كبير الأمر الذي زاد في مسؤوليتي بتمكين العلاقة بالثقافة أكثر رغم اختصاصي بالهندسة الزراعية، ولكني عانيت كثيراً وتعذر علي نقل الكتب بمفردي من "القاهرة" إلى "سورية"، لولا بريق الأمل الذي ولد من دائرة التفكير بعرض الأمر على السفير السوري "وديع تلحوق" واللبناني "مصطفي الشهابي"، وطلبت مساعدتهما في نقل مكتبتي من "القاهرة" إلى مطار "بيروت" ثم إلى "دمشق"، وفعلاً كان لهما الفضل الأكبر في ذلك، وعند عودتي بالكتب إلى "السويداء" عملت على إعادة تجليدها ودونت اسمي على كل مجلد، وبوبت كل مجموعة منها على شكل موسوعات، ورتبتها ضمن خزن خشبية ومعدنية ضخمة وأخرى معدنية، وهكذا حتى اكتمل الحلم وحصلت على مكتبتي الكاملة التي تحوي أكثر من مئة وثلاثين ألف كتاب، وما لم أستطع ترتيبه وضعته في سبعين صندوقاً متخمة بالكتب، غير تلك التي عملت على ترتيبها بشكل جانبي بحيث أفرغت في منزلي غرفتين للمكتبة وكذلك غرف الاستقبال والصالون".

أبواب المكتبة

يذكر الأستاذ المحامي "وسيم عز الدين" أن مكتبة الراحل الأديب المهندس "جاد الله عز الدين" ضمت أبواباً متنوعة من الآداب، في التراث العربي والأجنبي والديانات السماوية والمسائل الفقهية والقانونية، وبحوثاً خاصة بعلم السياسة والاقتصاد والفلسفة والبيئة، وأبحاثاً علمية عالمية تنم عما يجري في الواقع المعاصر جعلها في خزن منفردة عن المكتبة، ولديه أكثر من عشرة آلاف مطبوعة ما بين مجلة وصحيفة منذ عام 1927 وما أعقبها من السنوات إلى حين وفاته، ومن تلك المطبوعات أو الدوريات "الخدر" و"الصفا" و"اليسوعيين" و"المختار" و"العربي" و"المصور، وعالم المعرفة، وعالم الفكر، والمعرفة، والثقافة، وكانت "الخدر" تعد أول مجلة عربية من ذلك العام تصدر في "بيروت"، وهدفها الحديث عن قضايا الأدب وإبداعات الأدباء ولديه من العدد الأول لها، وخلال أربعين عاماً مضت ظلت الصحف والمجلات في مكتبته وبعضها نقل إلى دار أخرى، حيث أمضى أكثر من ستين عاماً وهو يقرأ ويبحث عن جديد في عالم المعرفة ومحيطه الثقافي والفكري، وكم كان يشعر بالسعادة حينما كان يقرأ ما هو جديد، إذ قل ما تجد كاتباً في "السويداء" أو باحثاً إلا وزاره واستفاد من مكتبته في بحثه واستقى مراجعه منها، وبالتالي فهي تحتوي على أبواب متنوعة في التاريخ والأدب والفلسفة والاقتصاد والسياسة والمعاجم والموسوعات وأمهات الكتب المعروفة في أشهر المكتبات العربية، والأهم المخطوطات القديمة التي كان يبحث عنها، وبالتالي ما إن تدخل منزله في وسط "السويداء"، حتى تقع عينيك على عشرات الخزن المعبئة بالكتب والمخفي منها في أماكن متعددة بالمنزل أكثر بكثير من الظاهر منها، حتى صنفت من أكبر المكتبات الشخصية في "سورية" ونالت المرتبة الثالثة وطنياً".

واحدة من العشرات في منزله