من "عيون الوادي" يرسل الإزميل رسالته، يلمس الحجر والخشب، فيبدع قطعاً ومنحوتات فنية شكلت بمجموعها نواة لملتقى "سيلينا" الفني، الذي يطمح القائمون عليه للوصول به إلى العالمية.

عرّاب "سيلينا"

لكل فكرة عرّابها، وكان لمدوّنة وطن esyria لقاء مع عرّاب ومؤسس ملتقى "سيلينا" الثقافي الفني في عيون الوادي "ميشال الحجة" الذي يقول: "تستحق "سورية" أن نترجم عشقنا لها بالفعل لا بالقول، ومن هنا اجتاحتني فكرة تأسيس ملتقى "سيلينا" لإحياء روح الفن والثقافة، وأحاول جاهداً الوصول بالملتقى إلى العالمية بخطى ثابتة و مدروسة، فالحضارة السورية عريقة، ومعظمها دُّون على الصخر، ولقد أنعم الله على منطقتنا بدءاً من "صافيتا ومصياف إلى وادي النضارى والعيون" وغيرها، بأسماء لمعت في عالم الطب والهندسة والأدب والفن على مستوى العالم، ومن هنا كان قراري أن أهدي الجميع هذه الأرضية المرتبطة بالانتماء".

ويضيف: "فكرة المشروع هي تجميع أكبر عدد من التماثيل في العالم ونشرها في المنطقة، لذلك بدأ الملتقى بطرح إنتاجه الذي آمل أن يتحول فيما بعد إلى محطة ومتحف، فالبعد الحقيقي للملتقى في أن يتحول إلى معلم سياحي يستقطب السيّاح، ويُدرج ضمن خريطة السياحة في "سورية"، وبالتالي يخدّم المنطقة على جميع الأصعدة، ولحين جهوزيّة مخطط حديقة العمل والصالات، نحن مستمرون بنشاطات الملتقى الذي قد يتراوح عدد اللوحات الفنية فيه خلال السنتين القادمتين حوالي 200 لوحة فنية، وأكثر من 100 منحوتة، ونطمح إلى افتتاح المقر بكامل المقومات العالمية، وعلى مستوى واسع للدخول في كتاب غينيس لأكبر بانوراما بالوطن العربي، وحتى هذه اللحظة تسير كل الأمور بخير، هناك تحديات لكن نحاول التغلب عليها".

السيد ميشال الحجة

برنامج ونشاطات

الأرض الجديدة لملتقى سيلينا مستقبلاً

يؤكد "الحجة" دعم الملتقى للندوات الثقافية، وسيكون هناك كل أسبوع تكريم لشخصية فنية محلية أو عربية أو عالمية، ومن خلال زيارته العديد من الملتقيات الفنية التي اختلفت غاياتها، يرى "الحجة" أن 80 % من الملتقيات أصبحت تجارية تنهض على كتف الفنانين، وتستغل أعمالهم تحت مسمى "ملتقى"، لكن ملتقى "سيلينا" كما يؤكد بعيد عن هذا البازار، وتفاعل الفنانين والزائرين بكل حب هو دليل المصداقية .

سار العمل على فترات متلاحقة، وحسب قول "الحجة" : "كان ملتقى "سيلينا" الثقافي الفني الأول 2019، الذي أسميناه "أبجدية الجسد"، والملتقى الثاني "الحب في زمن الكورونا" عام 2020، وكان الثالث "بصمة عمر" 2020 أيضاً، فالرابع وكان بعنوان "أنين الشجر" عام 2021".

صخر وخشب

في هذا السياق يقول "الحجة": "الفرق بين النوعين أن الصخر جماد بالأصل، بينما الخشب فكان شجراً أي كائناً حياً، وبالتالي فهو أكثر حميمية، ومن هنا أسمينا أحد الملتقيات بـ"أنين الشجر" فالشجر يتألم كالإنسان، والأنين هو الصراخ الذي يخرج لحظة العطش.. إزميل النحت يمشي بسهولة أكبر في الصخر، وهذا ما لا يعرفه كثيرون، فصعوبة النحت بالخشب تكمن في التعامل مع روحه".

أسماء كبيرة من النحاتين أغنت ملتقى "سيلينا" بالأعمال الرائعة نذكر منهم "لطفي رمحان، أكثم عبد الحميد، أكسم السلوم، أبيّ حاطوم، علاء محمد، محمد بعجانو، أسامة عماشة، الدكتور سمير رحمة، حسان حلواني، مصطفى علي، إياد بلال، وائل الدهان"، وغيرهم، وكان للعنصر النسائي وجود مثل "أمال زيات، ميسون حبل، رنا حسين" و غيرهم وأيضاً كوكبة من الفنانين المشاركين بالرسم ومنهم "بسيم الريس، ريم طراف، عمران يوسف، نزار صابور، عدنان حميدة، طلال معلا، غسان نعنع" والقائمة تطول.

سمة الاختلاف

النحات "علاء محمد" مؤسس ومشارك في عدة ملتقيات مهمة في سورية ولم تقتصر مشاركته على النحت فقط بل كان المشرف الفني على جميع ملتقيات النحت، إلى جانب الفنان "موريس الريس"، المشرف الفني على الرسم .

يشير "محمد" إلى أن تنوع الأعمال والخامات هو بسبب تنوع أفكار وخبرات النحاتين ومدارسهم الفنية، ففي الملتقى الأول تم العمل على الحجر التدمري، وتتالى حضور الحجر في الملتقيين اللاحقين، ونفذ الفنان "محمد" أحد أضخم الأعمال النحتية البانورامية على مستوى الوطن العربي، أما الملتقى الرابع فكان على الخشب بمشاركة مجموعة من النحاتين المحترفين الذين يحملون هوية وطابع فن النحت السوري المعاصر.

ويتابع "محمد" حواره مع eSyria بالإشارة إلى أن أسباب تنوع المنحوتات هو اختلاف المدارس الفنية بالإضافة إلى التنوع الجغرافي المهم في عيون الوادي، والتفاعل بين النحاتين و هذا ما ميز الأعمال الفنية بالروح والجمالية التي انعكست على نجاح ملتقى "سيلينا"، ويلفت أيضاً إلى ذهنية القائمين على الملتقى، من خلال العناوين المتنوعة التي أعطت غنى للأفكار الداعمة للهدف الأساسي، وهو تزيين المنطقة بالأعمال الفنية بطابعها الجمالي والفكري والثقافي المحمل بالكثير من الرسائل.

ويرى أن ملتقى "سيلينا" من أهم الملتقيات في سورية، ففي عام 1998انطلقت ظاهرة الملتقيات في جميع دول العالم و أيضاً في سورية. فكان الملتقى الأول في "دمشق" ثم استقطبت هذه الملتقيات كوكبة من النحاتين المحترفين، الذين عملوا مع مجموعة من الشباب على تبادل المعارف والخبرات.

يقول "محمد": "تميز ملتقى "سيلينا" بطابع خاص بسبب الموقع الجغرافي، والدعم الذي أتاح حرية التعبير المطلقة للفنان، ومشاركة معظم النحاتين السوريين، فانطلق عنان أفكارنا وكان التميز سيد النتائج، خاصة في الملتقى الرابع والتفوق المذهل بالنحت على الخشب بأحجام كبيرة ( أول مرة تحصل في سورية)، حيث كان ارتفاع الأعمال من 3 حتى 4 أمتار".

و من أهم أعمال النحات علاء محمد في ملتقى سيلينا منحوتة (بصمة عمر) و تعدُّ من أضخم أعمال النحت في الوطن العربي.

جو أسري

بدوره النحات "أكثم عبد الحميد" في حواره مع مدوّنة وطن eSirya يقول: "كان لي شرف المشاركة في ملتقى "سيلينا" الفني الثقافي بالنحت على الرخام والحجر، تميزت ملتقيات "سيلينا" بالطابع الثقافي والفني والسياحي والاجتماعي، وكانت بالفعل تجربة رائعة لأنها نشرت الثقافة البصرية، في منطقة ما زالت طبيعتها عذراء، لم تجتاحها الثقافة الإسمنتية بشكل جائر".

ويؤكد النحات على تنوع أفكار الأعمال التي تعود إلى ثقافة كل فنان ومخيلته، ولعل أكثر ما تميز به الملتقى هو الجو العائلي البسيط الذي كان قاسماً مشتركاً بين الجميع، ويضيف: "لقد شاركت بالكثير من الملتقيات العالمية التي تعد بوابة لأعمالنا الفنية، ولتبادل التقنيات والثقافات، لكني أميل إلى الجو النموذجي العام الذي لمسته في ملتقى "سيلينا" الذي يعدُّ حافزاً بحد ذاته للمشاركة".

ويشير "عبد الحميد" إلى البعد المعنوي للملتقيات المحلية، "فسنوات الحرب أثرت في الملتقيات بـ"سورية"، ومن المهم قيامنا بأي نشاط على أرض الوطن نقدم فيه نتاجنا بهذا الكم من الحب، ويلفت إلى إدارته لعدة ملتقيات محلية ودولية، وتنظيمه لملتقيات في "إسبانيا" بصبغة سورية، حيث ابتدأ المشروع في الأندلس عام 2005 وانتهى 2010، ودُعي عدة نحاتين سوريين إلى "إسبانيا" ليعرضوا نتاجهم في أهم الشواطئ والحدائق، حتى أنهم أطلقوا على إحداها اسم الحدائق النحتية السورية، كما سميت إحدى الساحات "بساحة دمشق"، ويشبه ملتقى" سيلينا" ما ذكرته بسعة الأفق في حرية التعبير للفنان واختياراته.

بصمة فنان

الفنان التشكيلي "عصام درويش" الذي كان حاضراً في أحد الملتقيات، تاركاً بصمته الاحترافية في الملتقى يقول لـ eSyria: "شاركت بملتقى "سيلينا" الأول مع كبار الفنانين والأصدقاء في النحت والرسم.. البيئة والظروف تؤثر بطريقة ما في عمل الفنان، وبالوقت نفسه تلغي حسه الفني الذي اختمر خلال تجربته الطويلة، لقد اختارت ريشتي تجسيد جسد وروح المرأة على القماش، بداياتي كانت باستعارات تمثلها كالزهور أو الملابس المتروكة تحت مسمى حضور الغياب، لتصبح المرأة عنواناً لمعظم لوحاتي، لقد استمتعت كثيراً في ملتقى "سيلينا" من خلال جو الألفة العائلي السائد، هذا المجتمع الراقي الذي ترك أثراً رائعاً في اهتمام الناس باللوحة وأخذ الصور التذكارية قد عزز من رؤية الفنان لنفسه".

ويضيف: "رغم الطبيعة الرائعة في الملتقى والألفة كانت هناك غصة لم تغادرني بعد، هي تداعيات الحرب التي نحتاج إلى فترة زمنية طويلة للخروج منها وهذا ما ظهر جلياً في لوحاتي المعروضة في الملتقى برسم المرأة القلقة أو المتألمة".

تبقى الإشارة إلى أنّ العديد من القنوات والمواقع العربية والعالمية غطت نشاطات ملتقى "سيلينا"، منهم منظمة ISSA العالمية ومقرها "الصين" المتخصصة في فن النحت، ونشرت منحوتات الملتقى على موقعها الرسمي، وعدت الملتقى حدثاً استثنائياً لأنه الملتقى الوحيد في العالم الذي استمر بنشاطاته بزمن الكورونا متحدياً كل الصعوبات.