يرى المتابع للحركة المسرحية في مدينة "حمص" حجم النشاط الذي وصلت إليه بحسب رأي بعض المختصِّين، إلاَّ أنَّ ذلك لم يكن سوى حصيلة ميراثٍ كبيرٍ أورثه بناة المسرح الأوائل عبر عقودٍ زمنيةٍ سابقة.

رائد المسرح السوري!!

لم يكن "أبو خليل القباني" أباً للمسرح السوري كما هو شائعٌ لدى عامة الناس، لأنَّ ظهور ما يمكن تسميته بفنِّ المسرح قد بدأ في مدينة "حمص" قبله بسنوات، هذا ما جاء على لسان الممثل والمخرج المسرحي "حسن عكلا" أثناء لقاء مدوّنة وطن "eSyria" معه مضيفاً بقوله: «حصل ذلك في منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، من خلال بعض النشاطات الثقافية التي كانت تحصل في البيوت والمقاهي خوفاً من ملاحقة سلطات الاحتلال العثماني الذي كان قائماً حينها، والتي بمجملها حملت مضامين فكرية وتنويرية تهدف لعكس الواقع الاجتماعي والفكري السائد آنذاك، وهدفها الأول هو محاربة محاولات طمس الهوية واللغة العربية عند أهل المدينة، وبحسب الوثائق التي تناولت تلك الفترة فِّإنَّ أولى تلك المحاولات المسرحية – إن أمكننا تسميتها بذلك - قد أطلقها "سليمان صافي" الذي كان يعرض أعماله التمثيلية في حديقة بيته الكائن في حيِّ "الحميدية"، حيث قدَّم أول عملٍ مسرحي سنة 1860 كما هو موثَّقٌ، ولكن مسيرته تلك لم تكتب لها الاستمرارية؛ بسبب محاربة أصحاب الفكر المتشدِّد لها، كونهم اعتبروها نوعاً من الهرطقة ودعوةً للخروج على تقاليد المجتمع، هذا ما أدى إلى وأد حركته المسرحية بعد ذلك التاريخ بسنواتٍ قليلة».

هذا الشابان هما "داود قسطنطين الخوري" وزميله "يوسف شاهين" اللذان تحسب لهما عملية تطوير فنِّ المسرح في مدينة "حمص"، من خلال الأعمال المسرحية التي قدَّماها للجمهور والتي اتخذت من نتاج الأدب الروائي العالمي ركيزةً لها، نذكر مثلاً: مسرحية "مثال العفاف، للأميرة جيني فياف" والتي عرضت حينها في ساحة "المدرسة الغسانية الأرثوذكسية"، في حيِّ "بستان الديوان"، في حين، جاء "يوسف شاهين" بعده ليعمل باتجاه آخر حيث قام بكتابة بعض نصوص بعض المسرحيات الغنائية وإخراجها مثل "الملك كورش" وغيرها، تلك الفترة امتدت منذ عام 1890 وحتى مطلع القرن العشرين الماضي، لاحقاً ظهر اسم "محمد خالد الشلبي" الذي بزغ نجمه ما بين عامي 1910-1911 ومن أهم الأعمال التي وضعها نذكر: "الخلان الوفيان" و"جابر عثرات الكرام" وغيرها

"القباني" ضيف "حمص"..

في حيٍّ آخر قريب وبعد حوالي 10 سنواتٍ ظهرت حركة أخرى قادها الشيخ "عبد الهادي الوفائي" الذي عُرف بفكره التنويري والمنفتح، وهو المتابع لحركة سلفه "صافي" مستخدماً هو الآخر أحد البيوت الكائنة في حيِّ "باب التركمان" والمسمَّى "بيت المير" مكاناً لعرض أنشطته التمثيلية، مع مجموعةٍ من الشباب الذين اهتموا بهذا النوع الجديد من الفنِّ الذي حمله إلى المدينة لاحقاً بشكله الصحيح، بعد ملازمته للشيخ "أبي خليل القباني" في مدينة "دمشق" لمدة عامين تقريباً، حيث كانت له فرصة الاطلاع عن قربٍ على تجربته المسرحية، ومستضيفاً لها في وقتٍ لاحقٍ بعد حادثة حرق المسرح الخاصِّ بالشيخ "القباني" الشهيرة ولجوء الأخير للمدينة هرباً من محاربيه هناك، حيث استضافه الشيخ "الوفائي" لمدة سنتين، وفي ذلك الوقت كانت مدينة "حمص" تشهد ولادة حركات فكرية وأدبية؛ ما ساهم بنشوء حركةٍ مسرحية حقيقية قادها فيما بعد شابان من تلامذة الشيخ "الوفائي" الذين عملوا معه وتأثروا به. هذا ما ذكره الفنان "حسن عكلا" بحديثه المستمر لموقع مدونة وطن "eSyria"».

الفنان المسرحي حسن عكلا

روَّاد حداثيون

مسرح قصر الثقافة في حمص

يتابع ضيف مدوّنة وطن "eSyria" حديثه قائلاً: «هذا الشابان هما "داود قسطنطين الخوري" وزميله "يوسف شاهين" اللذان تحسب لهما عملية تطوير فنِّ المسرح في مدينة "حمص"، من خلال الأعمال المسرحية التي قدَّماها للجمهور والتي اتخذت من نتاج الأدب الروائي العالمي ركيزةً لها، نذكر مثلاً: مسرحية "مثال العفاف، للأميرة جيني فياف" والتي عرضت حينها في ساحة "المدرسة الغسانية الأرثوذكسية"، في حيِّ "بستان الديوان"، في حين، جاء "يوسف شاهين" بعده ليعمل باتجاه آخر حيث قام بكتابة بعض نصوص بعض المسرحيات الغنائية وإخراجها مثل "الملك كورش" وغيرها، تلك الفترة امتدت منذ عام 1890 وحتى مطلع القرن العشرين الماضي، لاحقاً ظهر اسم "محمد خالد الشلبي" الذي بزغ نجمه ما بين عامي 1910-1911 ومن أهم الأعمال التي وضعها نذكر: "الخلان الوفيان" و"جابر عثرات الكرام" وغيرها».

مخاض جديد..

توقفت الحركة المسرحية في مدينة "حمص" حتى مطلع عشرينيات القرن الماضي حيث ظهرت الشخصية الأهمُّ والتي كان لها دورٌ كبيرٌ في رسم ملامح جديدةٍ للمسرح فيها، ألا وهو "مراد السباعي" الذي كانت بدايته كممثِّلٍ ومن ثمَّ انتقل لكتابة المشاهد المسرحية القصيرة وظهر إلى جانبه عددٌ من المسرحيين الشباب أمثال: "محمود طليمات" وماهر عيون السود" وآخرون.. رافق ذلك ظهور بعض الأندية الفنِّية المهتَّمة بالمسرح والموسيقا، ويعدُّ نادي "دوحة الميماس" أقدمها وأكثرها شهرةً، وما زال قائماً حتى يومنا هذا، "السباعي" أسس لاحقاً فرقة "مسرح حمص" على خشبة "المركز الثقافي العربي" الكائن حينها في حيِّ "جورة الشياح"، والتي قدَّمت فنَّ المسرح بعناصره الكاملة، ويمكننا القول بأنَّ فترة الثلاثينيات والأربعينيات شكَّلت مرحلة مخاضٍ لولادة مسرحٍ جديدٍ كلياً في مدينة "حمص"، بزغ نجمه على مدى عقدين لاحقين منتجاً كمَّاً جيداً من المسرحيين بمختلف اختصاصات عملهم، سواءً من ناحية التمثيل والكتابة والإخراج وحتى التلحين الغنائي وتصميم الديكور المسرحي ومختصِّي المكياج كذلك».

تقييمٌ وأهداف..

يرى الفنان "حسن عكلا" بأنَّ مدينة "حمص" عاصمةٌ للمسرح السوري ورائدة الحركة المسرحية الجادَّة على مستوى "سورية"؛ كون المسرح فيها لم ينحَ صوب الهزلية والسطحية وتابع قائلاً: «بل تبنى في أعماله قضايا تعكس هموم الإنسان الحياتية، إضافةً لقضايا فكرية ووطنية جادَّةٌ بمضامينها أكسبته مكانةً، وشهرةً على المستوى المحلِّي والعربيِّ ودون مبالغة، الحركة المسرحية تطورت بشكلٍ مضطَّردٍ رغم التوقفات التي شهدتها وخاصَّةً خلال سنوات الحرب العشر التي شهدتها البلاد وهي ماضيةٌ في مسار تطورها من خلال الأنشطة الدائمة التي تقام على مدار العام، ومن خلال عودة المهرجانات المسرحية والثقافية المعروفة ومنها: مهرجان "حمص" المسرحي صاحب التاريخ الطويل والذي احتفلنا بدورته الرابعة والعشرين في العام الفائت، نحن كمسرحيين قدامى، وبما نملكه من خبرةٍ طويلةٍ امتدت لعقودٍ نعمل على جذب الشباب المحبِّ لهذا الفنِّ النبيل واكتشاف المواهب منهم، وصقلها من خلال ورشات العمل التدريبية المختَّصة بفنِّ الأداء المسرحيِّ والتمثيلي التي أقرَّها "فرع نقابة الفنانين" في مدينة "حمص" والتي كُلِّفتُ شخصياً بالإشراف عليها، وذلك بهدف الحفاظ على استمرارية المسرح هنا في "حمص" وتطوُّر الحركة المسرحية وازدهارها».

ننوهُ أخيراً بأنَّ لقاء مدونة وطن "eSyria" مع الممثل والمخرج المسرحي "حسن عكلا" قد جرى في مبنى فرع "نقابة الفنانين" بتاريخ 14 نيسان 2022.