تعد أبواب "الحلس" المبنية من الحجارة البازلتية، اللغة التي عنّونها قاطنو منطقة جبل العرب على مداخل بيوتهم منذ عصر البرونز، والتي ظلت باقية رغم تعاقب العديد من الحضارات على هذه المنطقة وصولاً إلى سكانها الحاليين، وبمسحٍ ميداني للبيوت الأثرية القديمة وما أكثرها على ساحة المحافظة، نرى أن حارسها الأمين وحافظ أسرار بواطنها، تلك المنحوتة البازلتية التي خطّت حروفها أيادٍ متمرسة ماهرة والتي تدعى باب "الحلس" الذي ساد المنطقة في ظل غياب الأبواب الحديدية والخشبية، وليبقى شامخاً محتفظاً بما كان يخفيه وراء دفتيه من أسرار مالكي هذه المنازل، والتي لم تزل مؤرشفةً في خزائن ذكريات التاريخ، وخاصة أن قسماً كبيراً من هذه الأبواب ما زال ضمن دائرة الاستخدام في ريف المحافظة.

ذاكرة الماضي

يقول حسان غانم لمدونة وطن eSyria": "يحتفظ جيل الثلاثينيات والاربعينيات امتداداً لجيل الثمانينيات بأرشيف مملوء بحكايا الحقل والبيدر وقصص الزير وعنتر، فتاريخها المكتوب في العصر الثاني الميلادي ما زال يُقرأ بوضوح رغم مضي حوالي ألفي عام على ولادته، وأسرار الحقب الزمنية المدفونة خلفها ما زال فك طلاسمها عصياً على باحثي الآثار والتاريخ، ومنذ أن وطأت أقدام أبائنا وأجدادنا هذه المنطقة، كانت بوابة عبورهم للبيوت القديمة تلك أبواب "الحلس" التي لم تغادر مداخل المنازل، إلا بعد أن شهدت قرى وبلدات المحافظة نهضتها العمرانية الحديثة، ولتبقى استخدامات هذه الأبواب قائمة لكن بشكلٍ محدود لدى عدد من أهالي ريف المحافظة".

ويضيف: "هناك الكثير من مداخل البيوت غابت عنها أبواب الحلس، لكن علامات ارتكازها ما زالت موجودة رغم استبدالها بالأبواب الحديدية، إضافة لذلك ولجماليتها الأثرية لا يزال هناك الكثير من أبناء المنطقة يحتفظون بهذه البوابات ضمن منازلهم القديمة بعد أن أزالتها يد الحضارة".

حسان غانم

2000 عام

باب حلس

تؤكد المكتشفات الأثرية التي قامت بها البعثات الوطنية على ساحة المحافظة أن الاستخدامات الأساسية لأبواب "الحلس" كانت مع بداية عصر البرونز، حيث يقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" إنه رغم أن شهادة الميلاد التي تحملها هذه الأبواب والتي يتجاوز عمرها الألفي عام، إلا أنها لا تزال الناطق الرسمي باسم الحقب الزمنية التي تعاقبت على هذه المنطقة حتى هذا التاريخ، فالماضي ما زال يحاكي الحاضر وصلة وصلهما هي بوابة الحلس، والمتصفح لأرشيف البيوت القديمة في المحافظة سيلحظ أن العديد من بواباتها المنحوتة بالبازلت احتفظت ولا تزال بأسرار الأقدمين، إذ تتألف أبواب "الحلس" من دفتين في الأغلب، وتختلف أطوالها من بوابة لأخرى فهي تتأرجح من المتر والنصف متى وحتى المترين.

ويتابع "كيوان" حديثه بالقول إن استخدام هذا النوع من البوابات مرده لكونها ذات متانة عالية، وتشكل نقطة أمان للسكان، ويتم إقفالها بالخشب أو الحجارة وهي أقفال مخصصة لهذه الغاية، علماً أن الكثير من هذه الأدوات لا يزال مُحتفظاً به حتى يومنا هذا ، إضافة لذلك فقد استخدمها المتعاقبون على المنطقة، إضافة لوظيفتها الأساسية كبوابة، وكعنصر تزيني على مداخل بيوتهم لذلك نرى أن معظم أبواب الحلس عنوانها الأبرز الزخارف المنقوشة عليها بإتقان، والتي تحاكي واقع هذه المنازلْ ما أعطى المكان لمسة جمالية، لذلك نراها دائمة الحضور على أبواب القصور والمعابد، حتى امتدت لتستخدم على أبواب المقابر، وهناك العديد من المكتشفات تؤكد ذلك".

د.نشأت كيوان

يضيف" كيوان": "هناك الكثير من البيوت التي ما زالت مسكونة ولا سيما في ريف المحافظة لا تزال مداخلها تزينها تلك الأبواب البازلتية، المحتفظة بجماليتها الأثرية لتاريخه.