دفع حب القراءة والاهتمام بالكتاب العم "محمود حسن" الملقب "أبو مؤيد" إلى العمل ببيع الكتب فوجد فيه فرصة تتيح له قراءة أي كتاب يرغب به، وتحقق له في الوقت نفسه مردوداً مادياً.

تحت جسر الرئيس

يقول العم "أبو مؤيد" الذي يبيع الكتب منذ عشرين عاماً تحت جسر الرئيس لمدونة وطن: «في السابق كنا (نبسط) بالكتب على الرصيف ثم نظمت المحافظة هذا المكان عند إحدى الزوايا تحت الجسر، وأحضرت كل الأشخاص الذين يبيعون الكتب على الأرصفة، وتم جمعهم في مكان واحد بشكل لائق ليبدو كسوق للكتب القديمة المستعملة، والذي يضم أربعة عشر بائعاً، نبيع فيه آلاف الكتب المستعملة بجميع أنواعها التاريخية، الفلسفية، الأجنبية، الدينية، لأن الزبائن يطلبون كتباً متنوعة إلى جانب الروايات، وكتب الشعر والأدب وبإمكان الباحث عن الكتاب أن يجد هنا معظم الكتب المطبوعة في "سورية" وخارجها، وبعض البائعين يبيعون كتباً ذات إصدار حديث كالروايات أو تلك التي لها علاقة بالتنمية البشرية».

أصبحت الأسعار مرتفعة وأرخص كتاب ثمنه خمسة آلاف ليرة سورية أو أكثر، لكن رغم ذلك يبقى شراؤه مع البسطة أوفر من شرائه من المكتبات وهي نسخ أولى عن الكتب الأصلية

كتب مستعملة

وحول مصدر الكتب يقول "حسن": «هي أساساً لأشخاص تخلى عنها أصحابها لأسباب كثيرة أو لظرف ما كالسفر أو غيره، أو أنهم يريدون بيعها وشراء غيرها، وبالتالي نشتريها منهم ونعرضها للبيع، إضافة إلى حصولنا على كتب من بعض الشاحنات التي تجول في الشوارع لشراء الأدوات المستعملة حيث يقوم بعض الأشخاص ببيع الكتب فيحضرها الباعة بدورهم لنا».

الكتب على الأرصفة في الحلبوني

خلال عشرين عاماً ونتيجة الأزمة التي حدثت في "سورية" اختلف الاهتمام بالكتاب بحسب "حسن" الذي يقول: «قل الاهتمام بالكتاب نتيجة ضعف الإمكانات المادية والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولم تعد لدى الناس القدرة على شراء الكتب كالسابق، وتغير الزبائن أنفسهم فبعضهم سافر أو توفي، وانعكس الوضع الاقتصادي العام سلباً على سوق الكتب كما انعكس على غيره من الأسواق».

الكتب المطلوبة

فيما يتعلق بنوعية الزبائن يقول "حسن": «هناك أشخاص لا يستطيعون التخلي عن القراءة واقتناء الكتاب وهم قلة من كبار السن أو الذين بينهم وبين الكتاب علاقة روحية، وهناك جيل من القراء الشباب الذين يطلبون في الغالب الروايات وخاصةً الحديثة، أما الروائيين القدماء مثل "حنا مينة"، "نجيب محفوظ" وغيرهم فقد أصبحت قلة قليلة تطلب كتبهم وأصبح الغالب هو البحث عن أقلام جديدة، إضافةً إلى طلاب الجامعات كطلاب الماجستير والدراسات العليا الذين يأتون باحثين عن كتاب أو مرجع معين، ويجدوه لدينا بعد بحث طويل بالمكتبات دون جدوى، بل أحياناً ينصحهم أصحاب المكتبات بالشراء من البسطات هنا، وخلال عملي أستفيد من الزبائن الذين يأتون باحثين عن الكتب عند طلب عنوان بعينه خلال اليوم نفسه أو خلال أسبوع، أو عندما يكون الطلب على المؤلف نفسه من قبل عدة زبائن، فتتشكل لدي رغبة لقراءة هذا الكتاب وأقوم بعملية البحث عنه مع الزبون».

"حسين حاج حسن" بائع كتب

أسعار مقبولة

الكتب تحت جسر الرئيس

وفيما يتعلق بالأسعار يرى "حسن" أنها مقبولة حيث تتراوح أسعار الكتب المستعملة على البسطات بين خمسمئة وحتى عشرة آلاف ليرة سورية.

ويعود ذلك بحسب "حسن" إلى نوعية الكتاب، أهميته، ندرته، ومؤلفه، ويقول: «نتيجة عملنا بالكتب نقدر سعر الكتاب القديم، لكن رغم ذلك تبقى أسعارنا مقبولة مقارنةً بالمكتبات التي تتعامل بناء على التكلفة، سعر الورق العالمي، والأحبار وعملية طباعة الكتاب التي أصبحت مكلفة جداً، وغالباً الكتب الحديثة لا تصل إلينا بسبب الحصار الاقتصادي ولو وصلت تكون بأسعار باهظة، أما بسطات الكتب فلا تحدد أسعارها بناء على تلك المعطيات، وفي النهاية نحن نعيش في مجتمع وبحاجة لتلبية الأوضاع المعيشية الحالية والاستمرار بالحياة لذلك رفعنا الأسعار بشكل طفيف جداً».

ويعتقد "حسن" بأن ثورة التكنولوجيا أثرت في اقتناء الكتب حيث أصبح بإمكان مستخدمها الاطلاع على آخر الإصدارات الحديثة من الكتب بكبسة زر، ولعبت دوراً في تراجع الاهتمام بالكتاب لكن ليس بالنسبة للأشخاص المعتادين على القراءة بالكتاب الورقي والذين لا يمكنهم أن يتأثروا بها.

في "الحلبوني"

في شارع المكتبات بمنطقة "الحلبوني" التقينا "حسين حاج حسن" بائع الكتب على إحدى البسطات الذي يعمل ببيع الكتب منذ سنتين يقول: «هذه البسطة موجودة منذ أكثر من ثلاثين عاماً لكن صاحبها غير موجود حالياً، نبيع جميع أنواع الكتب دينية، ثقافية، روايات، علمي، تطوير الذات، تنمية بشرية، كتب الأطفال وأكثر الكتب طلباً هي الروايات الحديثة مثل روايات "أدهم شرقاوي"، والزبائن هم من فئة كبار السن والشابات اللواتي يتفوقن على الشباب بطلب الروايات والكتب».

ويرجع بائع الكتب الشاب العشريني "حسين حاج حسن" تغير الإقبال على الكتب إلى الظرف الاقتصادي الحالي والغلاء فيقول: «أصبحت الأسعار مرتفعة وأرخص كتاب ثمنه خمسة آلاف ليرة سورية أو أكثر، لكن رغم ذلك يبقى شراؤه مع البسطة أوفر من شرائه من المكتبات وهي نسخ أولى عن الكتب الأصلية».

"حسين" الذي يقرأ الأدب الروسي المترجم للكاتب "دوستويفسكي" ينصح بعض الزبائن في اختيار الكتاب المناسب، بينما يأتي بعضهم الآخر لطلب كتاب محدد ويقول: «لدينا خدمة استعارة وبإمكان الزبون تبديل الكتب بعد شراء الكتاب لأول مرة بشرط أن يحافظ عليه ثم يعيده ويأخذ غيره ويدفع ألف ليرة سورية فقط لتبديل كتاب وهكذا نضمن استمرارية ارتياد الزبون للبسطة».

نشير إلى أن اللقاءات جرت بتاريخ 12 نيسان 2022.