لاحظ الحرفي "بشار محمد جودت الحلبي" الاهتمام العالمي بالعود الدمشقي ووجوده في المتاحف العريقة في أوروبا، في حين لا يحظى بالاهتمام نفسه في موطنه الأصلي ما دفعه لتكريس حياته كلها من أجل الحفاظ عليه، وإعادة الألق لهذه الآلة الموسيقية التي أبت إلا أن تظل شرقية.

50 عاماً

يقول الحرفي "الحلبي" الشهير "أبو خالد": «أمضيت في هذه الحرفة مدة خمسين عاماً، حيث بدأت منذ كان عمري ثلاثة عشر عاماً، وكان أول عود صنعته صغيرا جداً من بقايا الأخشاب في ورشة أبي، وعموماً لا يمكن تقدير الوقت الذي بدأت فيه تعلم الحرفة لأن الطفل منذ صغره يكون مع أبيه في الورشة ويتعلم تلقائياً العمل.. كانت عائلتي تعمل في مجال النجارة، وتخصص والدي في صناعة العود الدمشقي عندما تعلم على آلة العود في المعهد العربي الإسلامي في منطقة "العفيف" منذ بداية الثلاثينيات».

الأعواد الأصلية غالية الثمن وتسمى دمشقية، على عكس بعض ما هو موجود في الأسواق حالياً بأصوات مشوشة غير واضحة مع أنها تقدم بأنها عود طربي، بعض التجار يمدحون صانعاً معيناً يتعاملون معه لأنه تربطهم معاً مصالح مشتركة ولو كانت الصناعة دون الجودة المطلوبة، بالمحصلة البضاعة الجيدة عموماً لا تحتاج لإعلان

بداية الحرفة

ويضيف "الحلبي" : «أسس"عبدو جرجي النحات" معمل نجارة حديثة عام 1880 المعمل الأساسي لصناعة العود، وهو شيخ كار مهنة صنع العود الدمشقي، وعلم ابنه وأولاد إخوته، وعملوا بحرفية عالية وجودة ومواصفات وصوت مميز للعود، لكنهم احتكروا الحرفة ولم يعلموها لأحد، وكان هناك اشخاص عاصروهم ومنهم أبي، ووصلوا لحد معين من حرفيتهم، وقداستفدت كثيراً من صيانة وتصليح العود واطلعت على صناعته وجودته وعرفت الفرق في الجودة، وأصبحت قادراً على إحياء تراث صناعة العود الدمشقي بقياساته وقالبه، وصوته المتميز والمتوازن، وعملت عليه سنين ووصلت للنتيجة المطلوبة، وتتالت صيانة الأعواد والاطلاع على العديد منها، وأوقفت كل شيء لا يخص العود وصناعته وصيانته».

عود خلال مرحلة الصنع.

ويتابع الحرفي بالقول: «أقدم عود قمت بإصلاحه يعود تاريخ صناعته لعام 1881 م أي بعد عام من تأسيس ورشة "النحات"، وتوجد أعواد مزورة لأن العود القديم الأثري غالي الثمن، وأصبحت قادراً على التمييز بين الأعواد الأصلية والمقلدة، واستفدت من الأعواد من حيث المواصفات والدقة المصنوعة بها، ولاحظت بأنه يوجد اهتمام أوروبي وعالمي بالعود الدمشقي، وهو موجود في الكثير من المتاحف العالمية».

الأصلي يبقى أصلي

يرفض "الحلبي" فكرة إدخال تحديثات على آلة العود، فالعود حسب قوله لا يحتمل التحديث ، فالتراث يبقى تراثاً لا يدخل فيه مصطلح التطور، ويقول: "كان عودي دقيقاً وقوياً ونظيفاً وبإنتاجية عالية، ولم يشكو منه أحد لا تجارياً ولا من ناحية العزف والصوت.. أنا أملك أخشابا عمرها من عمر صناعة العود، وعندما أصلح عوداً أضع الخشب المناسب لعمره والمتطابق مع الأصل، ولكن بسبب الأوضاع في "سورية" فقدت أخشابا قديمة لا تقدر بثمن كنت جمعتها من بيوت قديمة عند بيعها، وأنا أحب أن أعطي كل شيء حقه من الجودة، وأستطيع بيع الأخشاب بأغلى من تركيبها حسب قدمها وجودتها».

ياسر حمزة

الأصلي والتقليد

اعواد جديدة قيد التصنيع

تستعمل في صناعة الأعواد أخشاب الغوطة مثل خشب الجوز والمشمش والكينا والسرو، أما لصدر العود فيستعمل خشب الشوح حصراً، واستخدم مادة الغراء البلدي التي كانت تستعمل قديماً، أما الغراء الأجنبي فهو مادة مطاطية عند استخدامها تقوم بسحب الصوت الذي هو مجموعة ارتدادات.

يشير الحرفي إلى أن كل صانعي الأعواد تقريباً يشتركون في الشكل ذاته، أما في صناعته فما زلت استعمل القواعد التي كان يستعملها صانع الأعواد الأول "عبدو النحات".

وعن المدة التي تحتاجها صناعة العود يقول: "يحتاج صنع العود مدة عشرة أيام إلى شهر، لترتيب الجفاف وليرتاح الخشب، أما بالنسبة للزخارف فذلك حسب مستوى الزخرفة وما تحتاجه من عمل، بالنسبة لي أصنع العود بشكل كامل يدوياً في كل مراحله لا أستعين بأحد والعمل اليدوي في كل دول العالم أغلى من صنع الآلات الحديثة».

ويتابع "الحلبي" حديثه بالقول : "الأعواد التقليدية ذات صوت رديء وهي منتشرة بكثرة وهي أرخص من الأصلية، فعندما يريد شخص ما التعلم على آلة العود يذهب لاقتنائها ويسأل البائع عن الأفضل، وطبعاً ينصحه بالآلات التقليدية التي يبيعها، وليس من مصلحة التاجر وجود الأصلي لأنه يلغي التقليد تلقائياً، كان أبي يقول لا يعرف المرء في عصره، فالآلة مع الزمن تصبح تراثا وتعرف قيمتها الفنية.. وبرأيي الموضوع ليس له علاقة بالأمور المادية، يهمني رضا الزبون».

بدوره يقول العازف "محمد ياسر حمزة": « الأعواد الأصلية غالية الثمن وتسمى دمشقية، على عكس بعض ما هو موجود في الأسواق حالياً بأصوات مشوشة غير واضحة مع أنها تقدم بأنها عود طربي، بعض التجار يمدحون صانعاً معيناً يتعاملون معه لأنه تربطهم معاً مصالح مشتركة ولو كانت الصناعة دون الجودة المطلوبة، بالمحصلة البضاعة الجيدة عموماً لا تحتاج لإعلان».

تمت اللقاءات لصالح مدونة وطن بتاريخ 20 آذار 2022.