لم تكن الجسور الرومانية القديمة المبنية من الحجارة البازلتية والمُشيدة بنائياً بخبرات فنية فوق أودية المياه منذ القرن الثاني الميلادي، إلا بمنزلة الأم الولّادة للجسور الإسمنتية الحديثة المكتوبة بلغة رملية بيضاء، وبين تلك الجسور وهذه اختلف الشكل وبقي المضمون، فظاهرها كان وما زال ممراً لعبور المشاة نحو بر الأمان، وباطنها المعبر المُنظم لجريان المياه عندما تجود السماء بخيرها على الأرض، فشهادة الميلاد التي حملتها الجسور الرومانية القديمة من الواضح أنها لا تزال متداولةً حتى تاريخه، حاملةً معها هويتها المناسبة لكل عصر وزمان.

2000 عام

الهوية المعمارية الممنوحة للجسور الرومانية الأربعة المشيدة ضمن ريف ومدن "السويداء" منذ حوالي ألفي عام لا تزال سارية المفعول حتى تاريخنا هذا، ويقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لمدوّنة وطن eSyria" إن أهم الجسور الرومانية التي ما زالت في حالة بنائية جيدة ومياه الأودية لا تفارقها طيلة فصل الشتاء، هو جسر قرية "نمرة" الأثري الذي ولد معانقاً لوادي اللوا الممتد من قرية "نمرة" شرقاً حتى قرية "الصورة الكبيرة" شمالاً، منذ عهد الإمبراطور "فيليب العربي" وذلك في القرن الثاني الميلادي، ليكون هذا الجسر بوابة عبور لمياه هذا الوادي نحو بحيرة سد شهبا التي أقيمت في ثلاثينيات القرن الماضي، إضافة لكون جسر نمرة معبراً للمياه فهو أيضاً بمنزلة العقدة المرورية التي كانت وما زالت الرابط بين مدينة "شهبا" بدءاً من بواباتها الثلاث وبين قرية نمرة والقرى المحيطة بها، وذلك لتسهيل مرور القوافل حينها، محققاً -أي جسر نمرة الأثري- معادلتين اثنتين معادلة تنظيم مجرى المياه ومعادلة المواصلات الطرقية.

جسر نمرة

ويضيف "كيوان" إنه وبالعودة إلى الحالة البنائية لجسر نمرة فمن الواضح أنه تفننت في بنائه أيادٍ ماهرة متمرسة في فن العمارة، فزائره سواءً أكان عابراً أم قاصداً يشعر كأنه يجالس التاريخ ليحدثه عن أيام زمان وموضة البناء أيامها، وكأنه حارس الحضارة ما زال مؤتمناً على حمايتها من عبث العابثين، والجسر ذو فتحة واحدة إلا أنه مشيد على ثلاثة قناطر غاية في الروعة والجمال، ترتفع عن سطح الأرض حوالي 70 سم، وهذه القناطر تعد الحامل الرئيس لجسم الجسر حيث تم بناؤها بحجارة مستطيلة غير منحوتة".

الجدار الشرقي المنهار لجسر نمرة

بوابات عبور

الدكتور نشأت كيوان

الباحث الأثري ورئيس دائرة الآثار الأسبق" حسن حاطوم" يبين أنه ورغم مضي ألفي عام على تشييده يبقى جسر نمرة الأثري العين التي ترنو إلى التلال المحيطة بالقرية، مستعداً لتنظيم مجرى المياه المنحدرة من هذه التلال كيلا تُحدث فيضانات هنا وهناك، ورغم هذا العمر الزمني للجسر إلا أنّ عوامل الطبيعة ويد الإنسان العابثة لم تنل إلا من جداره الشرقي ليبقى جداره الغربي محافظاً على متانة بنائه، إضافة لانهيار بعض البلاطات الحجرية التي كانت تغطي قناطره الثلاث".

ويضيف: "يوجد على ساحة المحافظة أيضاً ثلاثة جسور أخرى هي جسرا "خربا والطيبة" اللذان تم تشييدهما على وادي الزيدي المغذي لسد "سهوة خضر"، إضافة لجسر مدينة "السويداء" الذي يقع تحت الطريق المحوري والمشيّد على وادي "السويداء".

حسن حاطوم

وتابع "حاطوم" إن الجسور القديمة ما هي إلا بوابة افتتاحية للانطلاق نحو الجسور الحديثة التي أقيمت على الأودية لتسهيل الحركة المرورية أولاً وتنظيم مجرى المياه ثانياً، ولتبقى صلة الوصل ما بين الماضي والحاضر مستمرة دون انقطاع، وخاصة أنّ إقامة الجسور الحديثة المنتشرة في كل قرى المحافظة ما هي إلا عملية استنساخ للجسور الرومانية القديمة".