في عام 2020 بدأت مؤسسة "هنا هويتي" التنموية نشاطها الهادف إلى إعادة ترابط نسيج المجتمع السوري المتنوع، وتعزيز هويته وانتمائه وحث طاقاته وتجذيره في أرضه عبر عدة برامج تتضمن مشاريع متنوعة، تركز بالدرجة الأولى -حسب قول القائمين على المؤسسة- على مفاهيم تعزيز الهوية والانتماء لدى جيل الشباب وتمكينهم اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً أيضاً.

الحاجة للتمكين

مدوّنة وطن تواصلت مع "ماريا سعادة" رئيس مجلس الأمناء في مؤسسة "هنا هويتي" والمؤسسة الأولى لها مع سبعة مؤسسين آخرين، والتي حدثتنا عن دوافع التأسيس بقولها: «الحاجة للتمكين الاجتماعي ووضع بنية قوية لجيل ما بعد الحرب هو ما دفعني لإطلاق المؤسسة، وبالنسبة لي أعتقد أن الحرب استهدفت ذاكرة الجيل الجديد، ومعرفته لتراثه والقيم المحيطة به وثقافته، أو بالمنتج الاقتصادي السوري الذي أصابه انهيار بالإنتاج سواء الزراعي أو الصناعي، والهوية التراثية التي تدمرت في مناطق الصراع وتأثر التراثين المادي واللا مادي، فجاءت فكرة المؤسسة من التركيز على الهوية وتعزيزها بشكل مبدع وغير تقليدي بعدة قطاعات».

قمنا بتجربة لمدة عام مع المدارس الخاصة، والمشروع سيطبق بالمدارس الرسمية، أصبحنا قادرين على الدخول للمدارس بمخطط واضح يلبي الحاجات لهذه الفئة العمرية

توضح "سعادة" أن تسمية المؤسسة جاءت "هنا" لتدل على المكان والزمان لأنه في كل مكان قصة، هوية وانتماء وعندما نريد تعزيز الهوية يجب أن نعزز صورة المكان الجغرافي في ذهن المجتمع، و"هويتي" لأن كل فرد يستطيع تشكيل هويته بشكل مختلف عن الآخر للوصول إلى هوية جمعية للمجتمع.

رئيس مجلس أمناء المؤسسة "ماريا سعادة"

وتبين "سعادة" لمدوّنة وطن أن أهداف المؤسسة ورسالتها كرؤية عامة تأتي من إعادة تمكين النسيج الاجتماعي الغني والمختلف بغناه الثقافي، وتمكين الشباب وإعادة تجذيرهم بأرضهم وتعزيز هويتهم وانتمائهم وتحويلهم إلى شباب فاعل، ومن ناحية الأهداف الخاصة فهي تتضمن استهداف وتمكين الشباب، تعزيز الانتماء والهوية وتعزيز الهوية الاقتصادية وإعادة نشرها، تمكين المجتمع الفاعل ضمن مشاريع هادفة والإضاءة على التراثين المادي واللا مادي.

أجندة العمل

وبحسب "سعادة" تنقسم برامج عمل المؤسسة إلى خمسة برامج هي برنامج "أجيال" الذي يركز على تمكين الشباب، وبرنامج "الأرض" الذي يهتم بموضوع الزراعة وكل منتج زراعي ونشر ثقافة الزراعة مجدداً لأنها الاقتصاد الأول في "سورية"، البرنامج الثالث "مدينتي والبيئة" الذي يركز على علاقتنا كمجتمع مع البيئة ومع ثقافة التنمية المستدامة، النظافة، الابتعاد عن التشويه البصري، والبرنامج الرابع "تراث" الذي يربطنا بالتراثين المادي واللا مادي ويعززهما لدى الجيل الجديد، والبرنامج الخامس" مجتمع فاعل"، ويتناول أي قضايا ملحة حالية وأي موضوع يمكن تناوله من خلال نشاطات، جلسات حوار، حملات.. تقول "سعادة": «بدأنا مع برنامج "أجيال" وأول مشروع فيه هو "يافعين فاعلين" يستهدف الفئة العمرية من 15 إلى 18 عاماً، هذه الفئة تضررت بسبب الحرب وينقصها التعرف أكثر على هويتها وعلى الجغرافية السورية، الذاكرة لديها هي ذاكرة حرب لذلك لا بد من العمل على هذه الفئة العمرية لتعزيز انتمائها وهويتها، ويتضمن المشروع خمس مراحل، الأولى تدريبية وتتضمن برنامجاً تدريبياً لاكتشاف المهارات والقدرات لدى اليافع، وتحويله لعنصر فاعل وتعزيز شعوره بالمسؤولية الاجتماعية وقدرته على تحديد مسار حياته بشكل يتناسب مع مهاراته، وبعد المرحلة التدريبية يأتي التحضير لمشروعه ثم تحويله لشخص فاعل من خلال نادي "أجيال"، الذي يستطيع الانتساب له مع مجموعة من الأصدقاء لتطوير المشاريع والقيام بنشاطات لتوسيع ثقافتهم ونشرها، والمرحلة الأخيرة هي برنامج التوجيه التخصصي الذي تقدمه المؤسسة ليتعرف الشباب على التطورات في مجالات العمل والدراسات والاختصاصات المختلفة في العالم لتحديد مسارهم المهني».

الشباب من الفئات المستهدفة في المشاريع

نادي "أجيال"

"مها سابا" مدربة ومديرة مشروع

حول نادي "أجيال" تكمل "سعادة" بقولها: «يحاول الشباب تطوير المشاريع التي قاموا بها، ودور المؤسسة هو مساعدتهم لتحقيق مشاريعهم من خلال دورات خاصة لتنفيذها، وتأمين رعاة لتمويلها، وهذه المشاريع ترتبط بالبرامج الأخرى سواء بالتراث أو البيئة والمدينة، حيث يتم تطوير مشروعين بهذا المجال إلى جانب مشروع يستهدف الأطفال»، وتضيف بأن أول مشروع ضمن برنامج "الأرض" هو "زيتوناً وسلاماً"، وتشرح لنا عنه "سعادة" بقولها: «يشجع المشروع على ثقافة الزراعة لدى الشباب الجامعي الموجود بالأرياف لاستثمار الطاقة لديهم وتحويلهم للزراعة، وتنمية الحقول المحروقة أو المهملة لتحويلها لمنتجة، وتجذيرهم بأرضهم وتطوير مهارات ما بعد الزراعة من تسويق، بيع، وكل ما يتعلق بالزيتون الذي يحمل رمزية السلام والعمل بالأرض خاصةً في مناطق الأرياف».

تشبيك وتعاون

وتوضح "سعادة" أنه تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بما يخص برنامج "أجيال" ومشروع "يافعين فاعلين" مع وزارة التربية، للدخول إلى المدارس وتقول: «بدأنا مع المدارس الخاصة كمرحلة أولى والتي ترفدنا بمجموعة متمكنة للدخول إلى المدارس العامة، وقمنا بنشاطات مع الطلاب وذويهم، لتمكين العلاقة مع الأهل، ونشاطات مع الطلاب والمدرسة فالدخول لعالم اليافعين ليس أمراً سهلاً ولدينا مجموعة من الخبراء في علم النفس وعلم الاجتماع والمدربين والأطباء، وهناك اتفاقية مع المركز الثقافي الروسي الذي أتاح إمكانية استخدام جزء من المكان للتدريب وتحقيق اللقاءات الفاعلة للشباب، وإحدى الفعاليات التي قمنا بها مع السفارة "الفلسطينية" التي أهدتنا شتلة زيتون كانت بداية لإطلاق مشروع "زيتوناً وسلاماً"، تمت زراعتها بجانب كنيسة "الزيتون"، وهنا تبرز رمزية المكان كأرض للزيتون والسلام، وأنجزنا دراسة تفصيلية لهذا المشروع للبدء به على أرض الواقع».

عن قرب

من جهتها "مها سابا" مدربة ومدير مشروع "يافعين فاعلين" الذي يندرج تحت برنامج "أجيال" تقول: «بدأت العمل مع المؤسسة منذ عام تقريباً، وكنت استشارية بمجال الدخول إلى المدارس لأن لدي خبرة بالتعليم لمدة خمسة وعشرين عاماً، نفذنا مشروع "يافعين فاعلين" مع المدرسة "الباكستانية" ومنذ فترة مع مدرسة "البشائر"، وبالإضافة لعملي كمديرة البرنامج أشرفت على مجموعات من الطلاب يتراوح عددهم من 15 إلى 20 وكنا نقيم دورات خلال الصيف بغاليري "مصطفى علي" وغاليري "زوايا"، وتم تخريج ست دفعات حتى اليوم».

تركز الدورات بحسب المدربة ومديرة المشروع "سابا" على الذكاءات المتعددة والذكاء العاطفي، ومنها إحدى المحاضرات عن القيم وربطها بالمشاريع التفاعلية على أرض الواقع وأخرى عن مهارات التقديم.

شاركت "سابا" مع المؤسسة في زيارة "صيدنايا" برفقة الأهالي وكانت مشرفة على مجموعة ومنظمة للمشاريع والهيكلية لبرنامج "أجيال"، وتشرف على "نادي أجيال" وهم مجموعة من الشباب يتابعون بعد انتهاء الدورة التدريبية بمشاريع تفاعلية على أرض الواقع، وحول ذلك تقول "سابا": «قمنا بتجربة لمدة عام مع المدارس الخاصة، والمشروع سيطبق بالمدارس الرسمية، أصبحنا قادرين على الدخول للمدارس بمخطط واضح يلبي الحاجات لهذه الفئة العمرية».

فوائد محققة

وحول أهمية المشروع تقول "سابا": «يستطيع الطلاب المشاركون بهذا المشروع المتابعة بنادي "أجيال" وتقديم مشاريع ذات قيمة لها علاقة بالخدمة التطوعية، ولهذا أهمية في حال رغبوا بالتقدم للدراسة في الجامعات الرسمية أو الخاصة المحلية والأجنبية، حيث لم تعد العلامات وحدها معياراً للقبول بل يتم النظر لما استطاع الطالب تحقيقه خارج المدرسة، وما هي النوادي أو النشاطات التي انتسب لها، نقدم لهم الدعم ليكونوا طلاباً متعددي المواهب، مشروع "يافعين فاعلين" يساعدهم على بلورة وصقل مواهبهم وقدراتهم».

أما الخدمات التي يتم تقديمها للطلاب بالمدارس التي يتم التعاون معها بحسب "سابا"، هي المتابعة ضمن توجه معين من خلال دورات تدريبية، وتطوير الذات بمجالات عديدة كالتصوير أو التصميم وحسب المهارات التي يكتسبونها من خلال نادي "أجيال" بمساعدة فريق من المحترفين.

وتقول: «كل ما يقوم به الطلاب على أرض الواقع يشكل تجربة مميزة لهم، لأنهم خلال الأزمة لم يتمكنوا من التفاعل مع العالم الخارجي، وكذلك يخرجون من العالم الافتراضي إلى ممارسة المهارات الاجتماعية، ويقدمون المشاريع المرتبطة مع الواقع، ويحصلون على شهادات مصدقة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ويمكنهم الاستفادة منها في حال رغبوا بالتقدم للجامعات».

وتوضح "سابا" أنه تم التعاون مع وزارة التربية في المشروع، ويتم حالياً التخطيط للتوجيه المهني بحيث تكون هناك منصات تضم الجامعات السورية الحكومية والخاصة والجامعات الأجنبية، تتضمن شرحاً عن الاختصاصات الجامعية للاطلاع عليها وبالتالي يصبح الطلاب مهيئين لدخول الجامعة بطريقة مدروسة.

وتبين أن ما يميز مشروع "يافعين فاعلين" أن هناك مجموعة للتواصل بين المراهقين وأهاليهم مثلاً فئة أولى من الطلاب يقابلها مجموعة أولى من الأهالي ويتم التقارب واطلاع الأهالي على ما يقوم به أبناؤهم.

نشير إلى أن اللقاءات جرت بتاريخ 20 آذار 2022.