يترافق الحديث عن "الأرصاد الجوية" عادةً، بروايتين تُرددهما أجيالٌ من السوريين، الأولى تعدهم جزءاً من المنظومة الإعلامية، وتُدينهم "بالكذب" في النشرة الجوية، والثانية عن رجلين، اعتدنا زمناً طويلاً، رؤيتهما بالبدلات الرسمية، يحملان "عصا" الإشارة، ويتحركان بهدوءٍ ورصانة، أمام الخريطة، تُوفي الأول "إبراهيم عبود" قبل أعوام، واستمر الثاني "عدنان حمدان" في عمله حتى تقاعد. هكذا، اختُزِلت جهود العشرات من العاملين في ميدان "الأرصاد الجوية"، وبقيت خبراتهم وإنجازاتهم بعيدةً عن العامة، في وقتٍ كان عملهم يتشعب، ليشمل معظم القطاعات في البلاد، بموازاة تطورٍ في الأجهزة والتقنيات، انعكس على كم المعلومات ودقتها وموثوقيتها.

تأسست المديرية العامة للأرصاد الجوية عام 1953، كهيئةٍ مستقلة تابعة لوزارة الدفاع، سرعان ما انتسبت إلى "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" في جنيف. تتألف من عدة مديريات فرعية، أهمها "مديرية الرصد الجوي والتنبؤات"، المسؤولة عن إعداد كل ما يتعلق بالنشرة الجوية والتنبؤات، يتبع لها 4 مراكز للتنبؤ "مركز مطار دمشق الدولي، مركز مطار حلب الدولي، مركز مطار الشهيد باسل الأسد الدولي، مركز طرطوس المختص بالشؤون البحرية"، إضافةً إلى مركز التنبؤ المركزي في المديرية العامة، كما تشرف على المحطات المطرية، والشبكات الموجودة في المحافظات، تستمد منها معلومات الحرارة والضغط والرطوبة والرياح. وفي "مديرية المناخ"، تتم أرشفة المعلومات المناخية، ضمن بنكٍ وطنيٍّ للمعلومات، يستفيد منه طلاب الدراسات العليا.

اتهام الأرصاد الجوية بالخطأ في تنبؤاتها، أمرٌ عادي ومفهوم، ويحدث في مختلف الدول، بما فيها المُتقدمة تكنولوجياً، وفق ما يقول المهندس "محمود عباس" مدير عام الأرصاد الجوية، والسبب كما يشرح في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": "نحن نتعامل مع احتمالاتٍ وفرضيات، وفي الوقت نفسه، علينا تحذير الناس وإنذارهم لأي طارئ، لذلك إذا تحدثنا عن هطولٍ ثلجي، ربما لا يتجاوز الاحتمال 50%، لكن يجب تحضير التجهيزات الخاصة بالثلوج في مختلف الجهات، ومن ثم، عدم تساقط الثلوج لا يعني خطأً في التنبؤ".

ليست مجرد نشرات جوية

يشير عباس إلى أن "النشرة الجوية" ليست إلّا جزءاً صغيراً من العمل، "فالمديرية العامة للأرصاد الجوية، تقوم بدراسات بحثية تشمل جميع قطاعات الدولة، كالصناعة والنقل (المطارات العسكرية والمدنية)، وتُشرف على شبكة الأرصاد الجوية الممتدة في جميع القطر، كما تقوم بتنبؤات خاصة بالطيران والزراعة والبيئة، لتتجمع لديها معلومات وبيانات، تقدمها بشكل دقيق ومؤكد لكل جهة حسبما تطلب وتحتاج".

الظروف المعيشية الحالية، دفعت الناس للاهتمام بأحوال الطقس أكثر، حتى أن متابعة النشرات الجوية، أصبحت عادةً يوميةً، لدى الملايين، وهو ما يعيه العاملون في الأرصاد الجوية. يقول عباس: "نحن مُراقبون بشدة، الجميع يُتابعنا، خاصة في حالة إعادة الإعمار وما تتطلب من معلومات دقيقة يومية، نعمل لتوفير التنبؤات الجوية في مختلف المناطق، بدأنا بالاعتماد على التنبؤات العددية والذكاء الصنعي لتقليل نسبة الخطأ، يمكننا أن نتنبأ لثلاثة أيام بدقة تتجاوز 90 %، ولمدة أسبوع بدقة 70 %، ولشهر بأكثر من 60 %، وفي المستقبل القريب سيمكن لنا التنبؤ لمدة عام".

المديرية العامة للأرصاد الجوية

سنوياً، تحتفل المديرية العامة، بذكرى تأسيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ٢٣ آذار 1950، حيث يتم تسليط الضوء، على قضية أو فكرة تفرضها طبيعة العمل، وفي هذا العام جاءت الاحتفالية تحت عنوان "الإنذار المبكر والعمل المبكر". يشرح المتنبئ الجوي "شادي جاويش" رئيس مركز التنبؤ المركزي في المديرية: "اختيار الموضوع يرتبط بالتغيرات المناخية المتسارعة، سعت المنظمة منذ أعوام للتخفيف من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة، للحد من زيادة ارتفاع درجة حرارة الأرض التي تؤدي للظواهر الجوية المتطرفة، والخسائر البشرية والمادية، لكن عندما لم تجد استجابةً جيدة حول العالم، انتقلت إلى مرحلة التخفيف من الضرر الحاصل ريثما يكون هناك حلول بديلة".

يضيف جاويش لـ "مدوّنة وطن": الإنذار المبكر يعني الانتقال من التنبؤ بالطقس إلى التنبؤ بالآثار التي يشكلها الطقس المتطرف، يتضمن التحذير من أي عنصر في الطقس، يمكن أن يكون له أضرار مثل (الأعاصير، الكوارث الطبيعية، المنخفضات، الرياح الشديدة، الصقيع، الضباب، البَرَد، الجليد)، في حين تختلف إمكانية التحذير ووقته حسب كل عنصر، فيمكن التحذير من موجة حارة مثلاً قبل 15 يوماً، أما بالنسبة للهطول المطري، فلا يمكن التحذير منه قبل أكثر من أسبوع، وفي حالة الهطول الثلجي من 48 ساعة إلى 72 ساعة قبل حدوثه، يتم التحذير عن طريق وسائل الإعلام، ويتم التواصل مع الجهات والوزارات المعنية (الدفاع، الزراعة، النقل، المرافئ والمطارات).

المهندس محمود عباس مدير عام الأرصاد الجوية

كما صار معروفاً، يتكرر نفس الكلام مطلع كل شتاء وصيف، عن برودةٍ وحرارةٍ لم تشهد البلاد مثلها منذ خمسين أو ستين عاماً، وربما يزيد، وهي ليست إلّا شائعات غير صحيحة، لذلك يدعو المتنبئ الجوي "حسان الجردي" المنسق الإعلامي في المديرية العامة للأرصاد الجوية، للرجوع إلى زملائه المتنبئين، وصفحة المديرية في فيسبوك، للحصول دائماً على معلومة موثوقة وذات مصدر. يقول للمدوّنة: "ننفي باستمرار الشائعات التي تظهر عن الطقس، وخدماتنا متوفرة على مدار الساعة لكل القطاعات، ربما لا يعلم المُتابعون، لكن تقديم النشرة الجوية في اتصالٍ مع أي إذاعة لمدة أربع أو ثلاث دقائق، يأتي حصيلة عمل 24 ساعة متواصلة".

يشير الجردي إلى غياب تفاصيل كثيرة عن الناس، لذلك يشعرون بأن الحرارة مثلاً، أكثر ارتفاعاً مما يُقال في النشرات، ولهذا أسباب، يوضحها: هناك فرق بين درجة الحرارة التي نشعر بها ونظيرتها المُسجلة، خاصةً في الأجواء الباردة، وهو أمرٌ طبيعي نتيجة الهواء البارد المتسرب، والبرودة المُخزنة في الغلاف الجوي، إضافةً الى الرطوبة، حالة تحدث أيضاً في مركزية فصل الصيف (تموز وآب).