برز استثمار التكنولوجيا بقوة في مجال التعلم الذاتي والتعليم عن بعد، ومن أهم الفوائد العملية لذلك اكتساب مهارات الربط بين التطبيقات المختلفة وبرامج الحاسوب، وإتقان أساسيات التزامن بين الأجهزة وعلاقتها بالتطبيقات والبرامج، أيضاً المشاركة المستمرة بحضور دورات ولقاءات تدريب وتعليم عن بعد لجعلها جزءاً من برنامج التأهيل الذاتي، وتصميم المحتوى التعليمي بكل أجزائه (الدروس والأنشطة والوسائط الداعمة والاستبيانات والاختبارات التقويمية).

نجاح الاستثمار

توضح أ. "جمانة الدرا" مسؤولة المعلوماتية في مركز القياس والتقويم في وزارة التربية، الفرق بين التكنولوجيا كأدوات والتكنولوجيا كتقنيات، فالأدوات تطلق على الأجهزة مثل الحاسوب والهاتف الخلوي (والآيباد والتاب) التي يمكن من خلالها استثمار عدة تقنيات تكنولوجيّة، وأما الأخيرة فقد تكون مواقع إلكترونية أو برامج وتطبيقات تعمل على هذه الأجهزة بغض النظر عن أنظمة تشغيلها، واستثمار كل ذلك يختلف حسب إمكانية كل منا والظروف المتوفرة، وهذا هو سبب تفاوت نسبة الاستثمار بيننا بشكل أساسي.

لقد كان الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وضعف سرعة (الإنترنت) عائقين كبيرين أمامي في متابعتي لكل مجريات التطور السريع في التكنولوجيا التي تدعم عملية التعليم والتعلم، وعلى الرغم من ذلك فقد تحديت صعوبة الواقع مستثمرةً كل طاقاتي والأدوات المساعدة لي في دعم عملية التدريس والتعلم عن بعد، من خلال تأمين Power Bank لجهازي الخلوي وجهاز (الواي فاي)، كذلك بطارية إضافية لجهاز الحاسب الشخصي، ورغم هذا أواجه مشكلات نفاد الشحن أيضاً فألجأ إلى مقاهي (الإنترنت) القريبة التي تؤمن الخدمة المطلوبة من خلال (إنترنت) الكابل الضوئي

وترى "الدرا" أن الاستثمار هو خليط بين المعرفة والممارسة، المعرفة يمكن أن نحصل عليها مما ينشر وبكثافة على منصات التواصل مثل (اليوتيوب والفيس بوك)، من قبل (اليوتيوبر) التقنيين الذين سبقونا بالتعرف على الأدوات والتقنيات التكنولوجية الحديثة، لتوفرها بين أيدهم وبذلك نقطع نصف الطريق، وأما الممارسة فتتحقق بتوفر الفرص، التي عندما تأتي لن يكون هناك الوقت الكافي للتعرف والبحث.

أ. جمانة الدرا والتصميم التعليمي

وتشير إلى أن نجاح استثمار التكنولوجيا في مجال التعليم عن بعد، يعتمد بنسبة كبيرة على جودة الاتصال والتي تتفاوت بين المنزل ومكان العمل، ولكنها جيدة جداً في بعض الأماكن التي باتت مخصصة لاستخدام (الإنترنت)، حيث تتوفر الكهرباء والاتصال السريع وأجواء العمل المناسبة في أوقات مختلفة تناسب الجميع، وهنا يبرز أحد عوامل نجاح التعلم عن بعد الذي يطبقه البعض في ظل الظروف الراهنة، وكذلك هناك عامل آخر لنجاح التعلم عن بعد، وهو اختيار منصات قوية من حيث استيعاب كم الأفراد الذين سيشاركون بالجلسات ولزمن طويل، إضافةً إلى أنها تؤمن أدوات تدريب مرنة كالكتابة وتحميل الروابط والوسائط المختلفة وطرق مشاركتها مع الآخرين.

تجارب من الواقع

وعن تجربتها الشخصية تقول أ. "الدرا": «مع بداية 2004 بدأتُ مجال التدريب بالتدريج من خلال مشروع "وورلد لينكس" الذي أكسبني الكثير من المهارات، بعد ذلك انتقل المشروع بصياغة جديدة حاملاً المضمون نفسه ليصبح جزءاً من عمل وزارة التربية باسم "دمج التكنولوجيا في التعليم"، وكان لي شرف استلام مساعد منسق مركزي، ثم منسق مركزي على مدى /7/ سنوات، كانت غنية بالمحطات ذات الأثر الكبير في الميدان، رغم التحديات الميدانية لمشروع يستلزم تطبيقه بنية تحتية مزودة بالكهرباء و(الإنترنت) والأجهزة الحديثة والمتجددة دائماً، وهذا كان أكبر تحدٍ لفريق العمل المنتشر في كل المحافظات والمؤمن بأهداف المشروع، وقد تنوعت المحطات العملية خلال هذه الفترة، كان أبرزها تطوير المادة التدريبية الخاصة بدورات دمج التقانة في التعليم، ومسابقة أميز عشرة دروس، وترسيخ نمط التعلم المتمازج في مدارس عديدة في /5/ محافظات، وتنفيذ /12/ جلسة عبر المنصة التربوية السورية عن البرامج التي تخدم الميدان التربوي».

أ. بدرية التعمري

وعن تجربتها من خلال عدد من المبادرات التي قامت بها تضيف "الدرا": «من المحطات التي تركت أثراً في نفسي مبادرة التدريب على تصميم الاختبارات الإلكترونية، والتي كان توقيتها يخدم الميدان في ظل جائحة كورنا، حيث تم تدريب /1500/ معلم ومدرس وموجه، كما تم تصميم /500/ اختبار لجميع المواد استفاد منها كل الطلاب، وشارك بهذه المبادرة الكثير من مدربي الدمج ممن كانوا يملكون مهارات التعلم عن بعد، أيضاً مبادرة الإضاءات التكنولوجية، التي اخترت فيها مقاطع (فيديو) قصيرة تشرح جوانب تقنية تفيد المعلمين والمدرسين في تميز العمل التقني المنجز وتتعلق بالعديد من المواقع أو البرامج التي يستخدمها الجميع، ولقاء منصة "يونيفيرستي" الألمانية كان له عامل محفز للاستمرار في مجال التعلم عن بعد وقد تم توثيقه على (اليوتيوب والبودكاست)، ومحاضرة (بث مباشر) على منصة "إيفاد" حضرها عدد يقارب الـ/1000/ متابع عبر (اليوتيوب والفيس بوك) بعنوان "تقنيات نحو مستقبل استثمار التكنولوجيا في التعليم والتعلم"، وحالياً أعمل فيها على التصميم التعليمي الذي أهدف من خلاله إلى توضيح مفاهيم وأركان التصميم الخاص بالتعليم وإتقان أدواته».

تبادل المعارف

من جانبها المدرسة والمدربة أ. "بدرية التعمري" بيّنت أنه على مدى /5/ سنوات من العمل المستمر والجاد في التعلم عن بعد كانت لها تجارب مميزة ومثمرة، أهمها انضمامها إلى مجتمع معلمي (مايكروسوفت) عام 2017، ومن خلاله قامت بالكثير من دورات التطوير المهني التي توفرها المنصة بشكل مجاني لكل المعلمين في العالم، بالإضافة إلى أنها من خلال هذه الدورات تعرفت على العديد من المنصات التعليمية العالمية، والبرامج والأدوات المهمة لعملية التعليم والتعلم، ووظفت العديد من الدروس الجاهزة في المنصة في تنمية مهارات القرن الـ/21/ عند طلابها، ودعمت أهداف التنمية المستدامة 2030، كذلك كانت منصة مجتمع معلمي (مايكروسوفت) انطلاقة مميزة في حياتها المهنية، حيث تعرفت من خلالها على معلمين عالميين وتبادلت معهم الخبرات والمعارف، وكان لهم دور كبير في توجيهها وحصولها على الكثير من الجوائز العالمية، التي من خلالها تم الاعتراف بها كأفضل معلم عالمي، وأفضل امرأة مبدعة عالمية مؤثرة.

وعن معوقات العمل تقول "التعمري": «لقد كان الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وضعف سرعة (الإنترنت) عائقين كبيرين أمامي في متابعتي لكل مجريات التطور السريع في التكنولوجيا التي تدعم عملية التعليم والتعلم، وعلى الرغم من ذلك فقد تحديت صعوبة الواقع مستثمرةً كل طاقاتي والأدوات المساعدة لي في دعم عملية التدريس والتعلم عن بعد، من خلال تأمين Power Bank لجهازي الخلوي وجهاز (الواي فاي)، كذلك بطارية إضافية لجهاز الحاسب الشخصي، ورغم هذا أواجه مشكلات نفاد الشحن أيضاً فألجأ إلى مقاهي (الإنترنت) القريبة التي تؤمن الخدمة المطلوبة من خلال (إنترنت) الكابل الضوئي».

وتضيف: «سببت الحرب على "سورية" خروج معظم المدارس عن خدمة (الإنترنت)، فكان لا بدّ للمعلم السوري من إيجاد البدائل التكنولوجية التي تساعده في مواكبة التطورات العالمية في مجال التعليم والتعلم، فهناك الكثير من المنصات العربية والعالمية المجانية بميزات جيدة، أو حتى مجانية بكل الميزات لكن لفترة محددة، وهذه المنصات توفر البرامج والأدوات اللازمة لعملية التعلم عن بعد، حيث يمكن للمعلم التواصل مع طلابه من خلال برامج لقاءات افتراضية، وتوفير صفوف افتراضية و(سبورات) تفاعلية وأدوات تقييم وبرامج معالجة النصوص والعروض التقديمية، وأوراق عمل تفاعلية ومسابقات تفاعلية وأدوات معالجة الصور ومعالجة وتصميم (فيديوهات) تعليمية، بالإضافة إلى منصات الواقع الافتراضي والمعزز والبرمجة والذكاء الاصطناعي، والتي تساعد المعلم والطالب على مواكبة كل جديد في مجال توظيف التكنولوجيا بالتعليم والتعلم».

أما المدرس ومدرب دمج التكنولوجيا في التعليم أ. "سامي حسن"، فقد ابتكر طريقته الخاصة للتعليم عن بعد والاستفادة منها في التعليم الصفي، مستثمراً مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وواتساب) من خلال إنشاء مجموعة لكل شعبة صفية، يطرح من خلالها (الفيديوهات) التعليمية والمواضيع المرتبطة بالمنهاج المدرسي لمناقشتها لاحقاً في الصف بعد أن يكون الطالب اطلع عليها وقام بالبحث والاستقصاء بمساعدة ما يتوافر لديه من وسائل تكنولوجية كالهاتف الخلوي والحاسب الشخصي، ما يساهم في تنمية مهارات الاستثمار الإيجابي للتكنولوجيا بالإضافة إلى تحصيل المعرفة العلمية، كما تحولت هذه المجموعات إلى منصة يقوم الطالب من خلالها بعرض أبحاثه ومبادراته العلمية.