في السبعينيات من القرن الماضي سكن الصّمت ركن الحكواتي ومسرح كركوز وعيواظ في المقاهي، فسكتت القصص والحكايات لتعود بعد عشرين عاماً بمساعي الحاج "أبو أحمد صالح أحمد الرّباط" صاحب مقهى "النوفرة" إلى الحياة، وعادت معها كواليس حسبناها ذهبت بلا رجعة.

رحلة بحث

بطلب من الحاج "أبو أحمد" أخذ "رشيد الحلاق" مكانه، حكواتي لقهوة "النوفرة" وبدأت رحلة البحث في القصص التي رويت من على هذا المنبر.

من بين الكتب التي جمعتها، كتب بلغة اختلفت تماماً عما عرفته، فاتبعت أسلوب العمل نفسه لفك شيفرتها واكتشفت أنها أقدم من لغة العصافيري، تداولها أهل الشام أيام الاحتلال العثماني حيث فرض التّداول بلغته، فقاموا بإضافة أحرفٍ على حروف كلماتهم ونظّموا بذلك لغة بينهم لم يفهمها العثمانيون، وعرفت بلغة المكسر

يقول شيخ كار خيال الظل " شادي رشيد الحلاق":«اجتهدت مع والدي في إعادة الحكواتي للمقهى وبحثت عن كتب حكاياته في كل مقهى، وأخذتُ بترتيبها وترميمها فتجمعت لدي الكثير من الكتب وملحقاتها من دفاتر ومخطوطات، فكان من بينها 180 كتاباً كقصة "الظاهر بيبرس"، ومثلها قصة "عنتر وعبلة"، كما كانت هناك دفاتر صعُب علي فك طلاسمها، فأخذت بالبحث والسّؤال وتنبهت لإضافة حروفٍ للحروف والمقاطع، إلى أن تمكنت منها، وبدأت بتعلم قراءتها وكان فيها شيء عن "كركوز وعيواظ"، وعلمت أن هذا ما كان للغة العصافيري سابقاً، وبعد جهد كبير ومتواصل دام قرابة سنتين، تمكنت من حل شيفرة هذه اللغة ومعرفة كيفية التّعامل بها ووجدت فيها كل ما يتعلق بفن خيال الظّل من تصنيع لجلود الدّمى وأدواتها وكذلك المسرح وتجهيزاته وتاريخه، كتبها شيوخ كار خيال الظّل وتركوها لأولادهم دون غيرهم».

شيخ كار خيال الظل شادي الحلاق

يتابع "الحلاق" حديثه بالقول: «من بين الكتب التي جمعتها، كتب بلغة اختلفت تماماً عما عرفته، فاتبعت أسلوب العمل نفسه لفك شيفرتها واكتشفت أنها أقدم من لغة العصافيري، تداولها أهل الشام أيام الاحتلال العثماني حيث فرض التّداول بلغته، فقاموا بإضافة أحرفٍ على حروف كلماتهم ونظّموا بذلك لغة بينهم لم يفهمها العثمانيون، وعرفت بلغة المكسر».

لغة العصافيري

اتخذ ثوار دمشق إبان الاستعمار الفرنسي، لغة تصعب على فهم الاحتلال الفرنسي وتنحصر بينهم في أفرادٍ مُعينة، وتكون لهم كشيفرة، فكانت لغة العصافيري هي الخيار، وكان "المخايل" أو المصمم لمسرح خيال الظل وشخوصه وحكاياته، هو اللاعب الأساسي والمنظم الرئيس لهذه العملية، وعن دور المخايل يوضح "الحلاق" : «أتاح الحضور القوي والواسع لفن خيال الظل في تلك الأثناء، الفرصة للمخايل للوجود بين الناس، والحضور في كل المجالس على اختلافها، وكان منها مجالس الولاة وأصحاب النّفوذ، وكان للثقة التي حصل عليها الحظوة في جعل الأحاديث بمجملها وعلى اختلافها مشروعة أمامه، فكثرت الأخبار التي اطلع عليها بما في ذلك أخبار القوافل وإمدادات السلاح والغذاء والأموال وغيرها، وما كان على المخايل وفي تجمعات المقهى حول مسرح خيال الظل، إلا أن يرمي بهذه الأخبار وبلغة العصافيري، ووفق سيناريو هو سيده لتكون في جعبة من ينتظرها، ولتكون رصيداً وفيراً يضيف لهم جولة نصر في طريق نضالهم».

ميساء ابراهيم مديرة قصر العظم

صولات وجولات اللغة

في حديث لمديرة قصر العظم "ميساء إبراهيم" الباحثة في التراث تقول: «عُرفت لغة العصافيري لإخفاء أمرٍ لا يريد المتكلم إعلانه أو إيضاحه للمطلعين عليه أو سامعيه، كإيصال رسالة لشخصٍ محدد من دون أن ينتبه الباقون للأمر. واستخدمت من قبل المخايلين (الكركوزاتية) في كتابة البابات ومسرحيات خيال الظل لحماية الملكيّة الفكرية، ولحفظ الحرفة في العائلة الواحدة منعاً من انتشارها وسرقتها من قبل الآخرين، كما استخدمت من قبلهم لإيصال آراء وأفكار الكركوزاتي إلى الحاضرين من دون مراقبة أو لفت نظر العسس والجواسيس الذين يكلفهم الوالي بالمراقبة ونقل الأخبار، حيث يتلاعب الكركوزاتي بالألفاظ والعبارات بطريقة مضحكة ومسلية مملوءة بالمرح والفكاهة، ويقوم بإيصال رسالته من دون أن يضع نفسه في موقع مساءلة أو تحت المراقبة. وظهر دور هذه اللغة واضحاً أثناء الاحتلال العثماني والفرنسي لإخفاء أمر الثورات والانتقادات والآراء السياسية من دون فهم جواسيس الوالي والجند والعسكر وأصحاب النفوذ في دمشق لها».

قواعد وأسس

تتابع مديرة قصر العظم وتقول: «لغة العصافيرية أو العصافير، هي لغة محكية شعبية (عامية) تعتمد على إضافة حرف الزاي لكل مقطع كلامي، وتعتمد حركة التّشكيل الخاصة بها على حركة المقطع الصوتي الذي قبلها، فتأتي زاياً مفتوحة (زَ) أو (زا) إذا كان المقطع الذي قبلها حركته الفتح أو زاياً مرفوعة (زُ) أو (زو) إذا كانت حركة ما قلبها الضم أو زاياً مجرورة (زِ) أو (زي) في حال كان المقطع قبلها مجروراً، فـ(كما يلي) تكون باللغة العصافيرية (كزا مزا يزلزي).