كان لطموح الدكتور "أسامة عمار" العلمي الكبير حضور واسع في مجالات الاستشعار عن بعد والبحوث العلمية وبحوث الفضاء الخارجي الذي كان يأمل في سبر أغواره بقمر صناعي من إنتاج سوري، وكان يقينه أنه لكل فكرة مهما صغرت أو كبرت عرّاب لوجودها شرط توفر الإرادة والتصميم على تحقيقها.

الهدف والبوصلة

بعد أن حاز على الثانوية العامة من مدارس "طرطوس"، درس الجيولوجيا في جامعة "دمشق" وكان من الأوائل في صفوفها، أخذ مكانه بالعمل في وزارة النّفط والثروة المعدنية، وفي هذه الأثناء كان هدفه التوجه العالمي نحو علوم الاستشعار عن بعد، كما كانت هيئة الاستشعار عن بعد في "سورية" بطور التأسيس من قبل لجنة خاصة عملت على جمع خبرات من مجالات مختلفة تقليديّة، وأعدت دورات تأهليّة، ولم تغفل عن ضرورة الحاجة لأخصائيين أكاديميين دارسين لعلوم الاستشعار عن بعد، فأُعلنت عن بعثات علميّة وباختصاصات متعددة فرضتها حاجة البلد ولزوم حضورها.

كان موضوع مياه منطقتنا موضوعاً هاماً وضرورياً، كونها منطقة شبه جافة تندر مياهها، ما يستوجب تكثيف الدّراسات والبحوث لزيادة الموارد المائيّة وإدارتها، والمحافظة عليها باستخدام التّقنيات المتطورة، ومنها تقنيات الاستشعار عن بعد، وبذلك تعددت مشاريع هيئة الاستشعار عن بعد في هذا المجال وتنوعت واتسعت ليكون لها تعاون مع مؤسسات وطنية وإقليمية وعربية وخارجية، هذا بالإضافة للتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (ACSAD)، وكذلك منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO). وقد أخذت مجموعة من هذه المشاريع مساراً مهماً لتأمين مصادر المياه الجوفية للبلدات والقرى السورية العطشى، ونُفذت دراسات عديدة لحماية مصادر المياه بمناطق مختلفة في القطر، وجرى التّفكير في كيفية جر فائض مياه الساحل إلى "دمشق"

كانت هذه البعثات محط اهتمام الدكتور "أسامة عمار" وهو المجتهد في توسيع أفقه العلمي، والباحث في تطورات العلم على مستوى العالم، والمطلع على الآفاق المفتوحة في البلد والتي وصلت في ذاك الحين إلى حد التّحضير لرحلة فضائيّة سوفيتية سورية مشتركة،فاختار طريقه وتقدم لهذه البعثات تاركاً كل ما كان له من مكتسبات في عمله الذي عُين به، وبحكم معدل تخرجه العالي كان واحداً من موفدي هذه البعثات التي أسست لنواة الباحثين السوريين في الاستشعار عن بعد وجيلهم الأول، وتقدم بأطروحة دكتوراه بعنوان (تطبيقات الاستشعار عن بعد في الدّراسات البنيويّة والمائيّة) في معهد "موسكو للأبحاث الجيولوجيّة" في "روسيا" ونال شهادة الدكتوراه عام 1993.

صورة حرارية لنبع الباصية جنوب بانياس

مشاريع المياه حاجة

من اجتماعات لجنة استخدام الفضاء الخارج للاغراض السلمية في الأمم المتحدة

وعن توظيف العلوم التي حصّلها الموفدون وعادوا بها إلى البلد تحدث الدكتور "أسامة عمار" لمدوّنة وطن "eSyria" وقد أخذ مكانه كرئيس لدائرة الدّراسات المائيّة في هيئة الاستشعار عن بعد، وتلا ذلك كمعاون مدير التّطبيقات والمشاريع وعن ذلك يقول: «كان موضوع مياه منطقتنا موضوعاً هاماً وضرورياً، كونها منطقة شبه جافة تندر مياهها، ما يستوجب تكثيف الدّراسات والبحوث لزيادة الموارد المائيّة وإدارتها، والمحافظة عليها باستخدام التّقنيات المتطورة، ومنها تقنيات الاستشعار عن بعد، وبذلك تعددت مشاريع هيئة الاستشعار عن بعد في هذا المجال وتنوعت واتسعت ليكون لها تعاون مع مؤسسات وطنية وإقليمية وعربية وخارجية، هذا بالإضافة للتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (ACSAD)، وكذلك منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO). وقد أخذت مجموعة من هذه المشاريع مساراً مهماً لتأمين مصادر المياه الجوفية للبلدات والقرى السورية العطشى، ونُفذت دراسات عديدة لحماية مصادر المياه بمناطق مختلفة في القطر، وجرى التّفكير في كيفية جر فائض مياه الساحل إلى "دمشق"».

أول الغيث

يتابع الدكتور "أسامة" أنه وبهذا الخصوص سجلت الهيئة أول مشروع استشعاري تخصصي كبير في "سورية" يقوم على تحديد مواقع المياه المتسربة والينابيع على طول الشاطىء عن طريق المسح الحراري الاستشعاري الجوي بالاعتماد على الفروق الحرارية لمياه الينابيع في البحر ومياه البحر، وكان أول استخدام لنظام التّموضع العالمي (Global Positioning System) (GPS) بالملاحة الجوية في "سورية" على ارتفعات مختلفة، وعلى طول الساحل السوري وصولاً إلى الساحل اللبناني حتى "بيروت"، حيث تمّ تحديد جميع (الشّوذات) الحراريّة المرتبطة بوجود المياه العذبة، ومن ثم تمّ التّوجه نحو العمل الأجدى في قطف المياه قبل وصولها إلى البحر لصعوبة استثمارها فيه، فجرت دراسة مناطق التّغذية وحددت نطاقات الجريان، كما جرى اقتراح حفر آبار على طول المجاري الجوفية التي تصل بالمياه من اليابسة إلى البحر. وكان هناك مشروع تجريبي في منطقة الباصية جنوب "بانياس" بالتعاون مع وزارة الري حيث تمّ حفر مجموعة من آبار استثمار المياه قبل وصولها للبحر.

الدكتور شادي عبدالله

مشاريع تعاون

كان لهيئة الاستشعار عن بعد تعاون متميز مع المجلس الأعلى السوري اللبناني، وفي إطاره انطلق التّفكير لإحداث المركز الوطني للاستشعار عن بعد في "لبنان"، وأخذت الهيئة دوراً حقيقياً في تأسيس المركز وتدريب الكوادر اللبنانية في "سورية" بإدارة الدكتور "عمار"، ومتابعته لسبل تطوره، وتجاوز التعاون مساعدة الخبرات السورية للمشاريع اللبنانية، ودخل حيز المشاركة بالمشاريع والتي تحدث عن بعضها الدكتور "شادي عبد الله" الباحث في المركز الوطني للاستشعار عن بعد ومدير أبحاث في المجلس الوطني للبحوث العلمية في "لبنان".

يقول "عبد الله" :«بعد العمل في مشروع تحديد مواقع المياه المتسربة والينابيع على طول الشاطىء في "سورية" و"لبنان" عن طريق المسح الحراري الاستشعاري الجوي، تتابعت المشاريع وتعددت، فكان منها مشروع الأحواض المشتركة الذي مولته مؤسسات كندية حيث جري العمل على نهر الكبير الجنوبي، والمشروع الذي نوّه إليه (الاتحاد الأوروبي) حول إدارة الموارد الساحليّة وذات الأحواض المائيّة في الساحل السوري واللبناني، وهناك مشاريع مُولت من الحكومتين عُنيت بالتلوث النّفطي الذي أعقب حرب تموز ومشروع انزلاقات الأراضي في كل من منطقتي "كسب" السورية و"جبل لبنان" اللبنانية، وقد كان للدكتور "أسامة" مع هذه المشاريع المشتركة (وقد استلم إدارة الهيئة الوطنية للاستشعار عن بعد عام 2006)، إسهامات علميّة وبحثيّة كبيرة بالإضافة إلى دور إداري مهم في تسهيل المهمات وجلب الفرص على اختلافها لتثمر مشاريع مشتركة ناجحة بين البلدين».

من فكرة إلى واقع

تعدُّ بحوث الفضاء من البحوث المتطورة عالمياً، ومن يمتلك تقانات الفضاء يمتلك المعلومة التي يمكن توظيفها بمشاريع التّنمية المختلفة، وقد امتلكت "سورية" مكوناً علمياً كبيراً يمكن توظيفه في هذا المجال، كما وصلت الهيئة الوطنية للاستشعار عن بعد بتطبيق تقاناتها لمستوى جيد عربياً وعالمياً، ولكن نقص الصّور الفضائيّة وعدم توفرها في وقت حاجتها وغلاء أسعارها وهي المادة الأساسية لعمل الهيئة ومشاريعها، أفسح المجال للتفكير في دخول "سورية" مجال الفضاء، وحفّز على الانطلاق في غمار إيجاده على أرض الواقع، فأعد مدير عام الهيئة للاستشعار عن بعد الدكتور "أسامة عمار" عام 2007 مذكرة للحكومة بإنشاء برنامج الفضاء السوري، وتمت الموافقة على هذا المشروع وفق مراحل، فكان أولها إقامة محطة استقبال معطيات فضائيّة والتي تعدُّ الأساس في البرنامج الفضائي، وتمّ إنشاؤها بتقانات متطورة جداً وبتكلفة عادلت فقط ثمن صور سنة واحدة كان يجري دفعها سنوياً، وبدأت باستقبال الصّور الفضائيّة من أقمار مختلفة عام 2012. ثم جاء العمل في المرحلة الثانية والتي عنونت بـ(امتلاك قمر صناعي سوري)، وفقاً لحديث الدكتور "أسامة" وأعدت دراسات هذه المرحلة وجُهزت الاتفاقات مع الجهات الصّديقة والمتعاونة معنا، كما جرى التّفكير في العمل على تجهيز نموذج لقمر صناعي صغير وتدريب كوادر الهيئة وأخصائيين على إنتاجه محلياً، وعلى التوازي تم توقيع عقد بناء وتشغيل وإطلاق التّابع الصّنعي السوري الأول "شام سات 1" مع محطة التّحكم الأرضية التي حدد مكانها.

ويشير الدكتور "أسامة" إلى أن تدريب الكوادر وصل إلى مرحلة متقدمة، وكان هناك سعي لتوطيد هذه التقانة في البلد، وتجاوزنا الفكرة ووضعنا دراسة كاملة لبناء كيوب سات (توابع صنعية صغيرة تجريبية علمية بحثية)، وكانت ضمن خطة الهيئة الوطنية للاستشعار عن بعد لعام 2016 ليكون الإقلاع في 2017 ببناء هذا التّابع الصّنعي الصّغير "كيوب سات" بخبرات وطنية كاملة وبتكلفة معقولة بالليرة السورية، وتمّ الاتفاق مع وكالة الفضاء اليابانية (JAXA) وفي إطار التّعاون مع لجنة استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية في الأمم المتحدة (سورية واحدة من أعضائها)، على إطلاق التابع الصّنعي السّوري مجاناً وهي المرحلة الأعلى تكلفة في العملية كلها.

مجمل هذا العمل كان مدفوعاً بأمل كبير لدخول سورية الفضاء بأول قمر صناعي سوري (شام سات 1). غير أن تغير سياسات العمل على أصعدة متعددة أوقف المشروع هنا.