أعادت قضية مقتل "آيات الرفاعي" على يد زوجها وعائلته، مطلع العام الحالي، الحديث عن الجرائم المُرتكَبة بحق النساء، كالعنف الجسدي والاغتصاب والتحرش إضافةً إلى ما يُسمى "جرائم بذريعة الشرف"، وللأسف معظم من يتعرضن لهذه الانتهاكات يقابلنها بالصمت، لأسبابٍ مختلفة، أبرزها عدم معرفتهن بوجود جهاتٍ قادرة على حمايتهن، منها "وحدة حماية الأسرة"، بما تتيحه من خدمات، بسرية تامة، في مقدمتها توفير المكان الآمن للإقامة.

الوحدة، جهة حكومية تتبع للهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، أُطلقت عام 2017 في اليوم العالمي للمرأة 8 آذار، تعمل حالياً في دمشق، وتسعى للتوسع في عدة محافظات، تستقبل النساء والأطفال الناجين من العنف عن طريق القضاة والمشافي والجمعيات الأهلية، حيث يتم تقييم الحالة من خلال أخصائي اجتماعي لتحديد الاحتياجات المطلوبة. وتُستخدَم عبارة "الناجين من العنف"، إشارة إلى من يتواصل مع الوحدة ويتخذ قراراً بإيقاف العنف المُمارس عليه، حسبما تقول إلهام صافي مديرة القضايا السكانية في الهيئة، في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن".

تختص الوحدة باستقبال وعلاج حالات العنف الأسري الموجّه ضد النساء والأطفال، لكن، إلى حدٍّ ما، يأتي الأطفال في الدرجة الأولى، والسبب كما تقول صافي: الطفل غير مكتمل البنية لذلك فهو معرضٌ للعنف أكثر، كما أنه لا يمتلك المعلومة الكافية ليدافع عن نفسه، ولا يدرك الحد الفاصل بين التربية والعنف. تضيف: لهذا تستقبل الوحدة كل حالات العنف، لكن الفرق يكمن في نوع الخدمة المقدّمة والمتعلّقة بشدة العنف.

من أجل أسرة آمنة

في حالات العنف الشديد، تُوفر الوحدة مكان إقامة مؤقتة، لمدة 6 أشهر، يتم خلالها تقديم حزمة من الخدمات التخصصية، كالتدريب والتأهيل وتأمين فرصة عمل ثم إعادة الدمج مع المجتمع ثانية، في حين يتم التعامل مع حالات شدة العنف المتوسطة، أي التي لا تحتاج إلى مأوى، عن طريق مختصين. تشرح صافي للمدوّنة: لدينا مركز أسري يتضمن مجموعة عيادات طبية للنساء والأطفال، وجلسات مشورة أسرية ودعم نفسي ومجتمعي، إضافة إلى خدمات التدريب المهني كالحلاقة والخياطة ومحو الأمية وغيرها، ونتعاون مع جهات أخرى لتقديم الخدمات التي لا تتوفر لدينا كالسلّة الغذائية مثلاً.

البحث في كيفية التعاطي مع العنف الأسري، صعبٌ وحساس في مجتمعنا، فهو أولاً يحدث داخل البيت، لذلك يبدو الحديث عنه غير وارد، كما يجهل العديد ممن يتعرضون للعنف وجود قوانين وإجراءات معينة لحمايتهم أيّاً كانت الظروف المحيطة بهم، لكن الإشكالات لا تنتهي هنا، فأهمها على الإطلاق كما تقول صافي، ما يظنه البعض خطأً بأن التبليغ وتقديم الشكوى يعني تفكك العائلة. توضح: من يلجأ إلينا لديه رغبة بالحفاظ على أسرته، لذلك نعمل في جلسات المشورة مع الطرفين المُعنِّف ومن يقع عليه العنف، هناك محاولات دائمة للإصلاح، وبناء أسرة محمية، في حال أرادت السيدة الانفصال عن زوجها، نقدّم لها المشورة القانونية، وفي حالات التدخل القضائي نُحيلها إلى الهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية.

معاً لحماية المجتمع

مؤخراً، أعلنت الوحدة عن حملة بعنوان "لا تسكتي" لمناهضة العنف ضد المرأة، وتشجيع النساء للتبليغ عن أي عنفٍ يتعرضن له، أو يعرفن بوقوعه على أخريات، وأعادت الحملة التذكير بخط المساعدة المخصص والمتوفر دائماً للتواصل مع الوحدة، على الرقم "0951444190 ". تقول صافي: الغاية من الحملة التعريف بالخدمات التي نقدمها للنساء والأطفال، والتذكير بخط المساعدة، وهي استجابة لرد الفعل العام بعد الجريمة بحق الشابة آيات الرفاعي، للأسف السبب الرئيسي في ما حدث، سكوتها وسكوت كل من كان يعلم ولم يبلّغ عما تتعرض له، نريد إنقاذ البقية، هناك من قال لا توجد جهة تحمي المعنّفات، وهذا غير صحيح، نحن موجودون لهذا "لا تسكتو".

الوصول إلى مجتمع يرفض العنف، يتطلب العمل على عدة محاور، لذلك قامت الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، بدراسة وحصر المواد التمييزية ضد المرأة في القوانين السورية والعمل على تعديلها، إضافةً إلى تشكيل لجنة وطنية تضم ممثلين من عدة وزارات لإعداد مسودة قانون العنف الأسري، لكن الأهم دائماً هو التبليغ عن العنف وطلب المساعدة، تقول صافي: أنقذنا عائلات، وقدمنا المساعدة لنساء وأطفال، أوصلنا المعتدي للقضاء في عدة حالات، ومستعدون لتقديم الحماية والدعم النفسي والاجتماعي والتمكين الاقتصادي، المطلوب عدم السكوت تجاه العنف.