خمسون عاماً مضت ولا يزال "محمود خلف" من مدينة "القامشلي" يجلس خلف مقود سيارة الأجرة، حتى بات اليوم أقدم سائق سيارات في منطقته، وأصبح يُعرف في المنطقة وبين زملائه بـ"سيد الخط"، لأناقة سيارته ولباقة سائقها وخبرته ومعرفته بجميع الطرق والأحياء والمناطق والبلدات، حيث باتت كل بقعة فيها جزءاً من حياته وذاكرته، فهو أحد أكثر السائقين معاصرة للأهالي والطرق، حتى عندما كانت ترابية، حسب كلامه.

سيدُ الخط

في حديثه لمدوّنة وطن يقول "خلف": «كان عليّ حينها أن أعيل أسرتي وأسرة أخي، توجهت للسواقة، كانت بدايتي على دراجة نارية بثلاث عجلات، بعدها ذهبت إلى مدينة "حماة" اشتريتُ سيارة أجرة بمبلغ 35 ليرة سورية، تعلمتُ القيادة بالاعتماد على نفسي، التزمت بشعارها "فن وذوق وأخلاق" ، لقبني أصدقائي وأهل منطقتي بـ"سيد الخط"، في ذلك الزمن كانت السيارات معدودة جداً، والطرق ترابية حتّى في المدينة، جاءني طلب لسيارتي بحيث تكون مخصصة للعروسين في بلدة "عامودا"، جهزتها وزينتها ونظفتها لتكون السيارة أيضاً جميلة كجمال الأعراس، لذلك تخصصت لزفاف العروسين، يأتيني الأهالي من مختلف المناطق، ليحجزوا دوراً للسيارة بحيث تكون للزفاف، وأغلب الأحيان كان الأهالي يحددون موعد العرس بناء على جاهزية وفراغ سيارتي».

أنا من بلدة "الجوادية" 65 كم عن "القامشلي"، قبل 20 سنة وأكثر تعرفت مع أسرتي عليه، وأوصلنا إلى البلدة، منذ ذلك الوقت أصبحت أسرتي وكثير من أسر البلدة زبائن دائمين عنده، فهو يتحلى بكل المواصفات الإنسانية، أخلاقه عالية ومعاملته أكثر من طيبة، وحسن معاشرته لنا عبر تلك السنين أكدت ذلك، لذلك من الطبيعي أن أنتظر ساعات أيضاً في سبيل الوصول بسيارته إلى النقطة التي أريد

أحلى الذكريات

كان يخرج من منزله صباحاً، لا يعود إليه إلا مع ساعات الليل المتأخرة، كل شيء كان جميلاً في ذلك الوقت حسب قوله، بدءاً من الأمان، مروراً بتعرفة النقل الزهيدة جداً آنذاك، والتي لم تكن تتجاوز الليرة السورية الواحدة ضمن المدينة حسب ما قاله سيد الخط.

عديد السنين وهو في هذا المكان

يضيف "خلف": «تعرفتنا كانت ضمن المدينة بشكل خصوصي ليرة سورية واحدة، وسفرتي الخاصة إلى بلدة "عامودا" تبعد 30 كم فقط 3 ليرات سورية، ودائماً كانت لدي سفرات إلى مدينة "المالكية" 90 كم بـ 10 ليرات سورية، بالإضافة إلى ذلك كانت سيارتي مسجلة على خط السرافيس تحديداً خط "العنترية"، حددت حينها أجرة الراكب الواحد بربع ليرة سورية، تعرفت في سفراتي الكثيرة على الناس من مختلف المناطق، باتت سبباً لعلاقات اجتماعية طيبة، عمرها بعمر عملي في هذا الكار».

يأمل "سيد الخط" أن تعود الأيام البعيدة الجميلة، ليعود مجدداً متنقلاً بسيارته لجميع المناطق والبلدات في المحافظة، مؤكداً أن استمراره في العمل حتّى اليوم، ليعيل أسرته التي تحتاج عمله، وذلك بالرغم من سنوات العمر الطويلة وإرهاق السيارة لجسده.

أقدم سائق في القامشلي

فن وذوق وأخلاق

سيارته وجهة الكثيرين من أبناء المنطقة

تستغرق "عمشة محمد خلف" وقتاً في السوق، تنتظر وصول "محمود خلف" إلى مكان الخط، لتكون سيارته وسيلتها للوصول إلى كراجات النقل، وتضيف: «أنا من بلدة "الجوادية" 65 كم عن "القامشلي"، قبل 20 سنة وأكثر تعرفت مع أسرتي عليه، وأوصلنا إلى البلدة، منذ ذلك الوقت أصبحت أسرتي وكثير من أسر البلدة زبائن دائمين عنده، فهو يتحلى بكل المواصفات الإنسانية، أخلاقه عالية ومعاملته أكثر من طيبة، وحسن معاشرته لنا عبر تلك السنين أكدت ذلك، لذلك من الطبيعي أن أنتظر ساعات أيضاً في سبيل الوصول بسيارته إلى النقطة التي أريد».

"محمود خلف" من مواليد "القامشلي" 1954، أجري اللقاء معه بتاريخ 18 كانون الثاني 2022.