المتتبع لتاريخ "سورية" وما مرّ عليها من حضارات متعاقبة يدرك عظمة هذه المنطقة التي تعدُّ منبعاً للكثير من الحضارات القديمة التي لا تزال آثارها ماثلةً للعيان، بأوابدها وتاريخها ولغاتها التي لا تزال تستخدم مفرداتها حتى اليوم.

هي محطة نقف فيها لنلقي نظرةً سريعةً على الحضارات التي مرّت، ونتطلع عن كثب على الإرث الغني لـ"سورية" الضاربة جذورها في القدم.

تسلسلٌ تاربخي

يستعرض الباحث "بدري حجل" في حديثه لـ"eSyria" التسلسل التاريخي لـ"سورية" الطبيعية، لقد مرّت "سورية" حسب قوله بعدة مراحل، و كان لكل مرحلة بصمة حية في حضارة هذه الأمة، بدءاً من حكم السومريين ثم قيام الدولة الأكادية التي توحّدت فيها الأمة السورية على يد سيرجون البابلي، ثم الدولة البابلية الأولى، فالدولة الآشورية، تلتها الدولة البابلية الثانية التي سقطت على يد الفرس بقيادة كوراس في القرن الثالث قبل الميلاد، و قد دام حكم الفرس حتى بدء الاحتلال اليوناني على يد الإسكندر المقدوني سنة 333 ق م، ليستمر الحكم المقدوني حتى بدء الاحتلال الروماني سنة 64 ق م، الذي دام بدوره سبعة قرون حتى مجيء الفتح العربي الذي نجم عنه قيام الدولة الأموية ثم قيام الدولة العباسية وبعد ذلك جاء الاحتلال التركي الذي دام أربعة قرون .

الباحث بدري حجل

تبويب

ويضيف الباحث بأنّ "سورية" الطبيعية ظلت موحدة في ظل جميع الدول التي احتلتها قديماً، حتى أتت الحرب العالمية الأولى واتفاق الإنكليز والفرنسيين على تقسيم البلاد بموجب اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي قسمتها إلى كيانات.

وعن تسميات الأقوام التي استوطنت بلاد "سورية" الطبيعية يقول حجل: "من المهم تبويب الحضارات السورية ليتمكن الإنسان السوري من معرفة أصوله الحقيقية، فقد سكن السومريون أبطال ملحمة جلجامش الشهيرة في جنوب بلاد الرافدين عام 4500 ق م، وسكن الأكاديون والآشوريون 3500 ق م وسط ما بين النهرين، والآشوريون شمالها، والعمورين سكنوا غرب نهر الفرات 2500 ق م، والآراميون وسط بلاد الشام عام 1500 ق م، فالأنباط ثم الغساسنة والمناذرة".

ويؤكد حجل على الثراء الحضاري الذي حصل في هذا التسلسل الزمني، وبالتأكيد للإضاءة على تلك الحضارات نحن بحاجة إلى بحث وحلقات عدّة.

الأبجدية الآرامية

يقول"حجل": "سكن الكنعانيون على طول الساحل السوري 2500 ق م، من كيليكيا حتى شبه جزيرة سيناء، وسمّي سكان الساحل" السوري" الشمالي باسم الفينيقيين، وخلال هذه الفترة أخذت الآرامية تستخدم الخط الكنعاني في كتابة لغتها، ثم انفردت بعد فترة من الزمن بأبجديتها الخاصة "الأبجدية الآرامية" ليُشتق بعد ذلك الخط السرياني الذي يستخدم في كتابة اللغة السريانية التي اختلطت بالعربية.

ويؤكد حجل أنّ اللغة العربية فيها الكثير من المفردات السريانية ومعظمنا يتكلمها كل يوم ويجهل أنها كذلك.

موطنُ "السريانية"

بدوره يقول توفيق نصار الباحث التاريخي، أنه لكل شعب موطن، وللسريان آثار تؤكّد وجودهم في حوضي دجلة والفرات والشريط الساحلي لبلاد الشام، ويوجد حتى اليوم على امتداد شريطنا الساحلي قرى تحمل أسماء سريانية ومنها: بارمايا وهي تسمية سريانية تعني ابن الماء، وقرية دحباش: كلمة سريانية تعني مكان الحبس، وبسدقين وتعني مكان الشقوق، برمانة المشايخ: حرف الباء +رمانا تعني بيت الإله السامي، بقرعوني حيث حرف الباء يعني البيت وقرعون الثمرة قبل النضوج.

وحتى كلمة مرحبا التي نرددها، استخدمها سكان الأمة السورية وتقسم إلى قسمين "مار" تعني الإله أو السيد، و"حبا" تعني الحب وجمعهما يعطي المعنى "الله محبة" وحيث تحل بركته يحل السلام.

وفي السياق التقت "eSyria" ببعض كبار السن الذين وثقوا بذاكرتهم ما تداوله الآباء والأجداد، كأبي حسان الذي رتل لنا نصاً دينياً باللغة السريانية التي تشعرك موسيقا كلماتها بالألفة، لأنك تردد معظمها في لهجتك، وذكر أبو حسان بعض الكلمات السريانية المتداولة مثل : "لقَطَ، سكّر، مرتي، شوب، شلف، تغندر".